رؤى وآفاق
مدرسة الشيخ محمد بن ابراهيم
في هذه الأيام المباركة نتذكر أعلام الاسلام من امثال عمر بن الخطاب، وحذيفة بن اليمان، وسعد بن ابي وقاص، وطارق ابن زياد، وعبد الرحمن الغافقي، واحمد بن حنبل، والقاضي إياس، وصلاح الدين الأيوبي، والشيخ محمد بن عبد الوهاب، وغيرهم كثير، وتحط بنا الذكرى عند علم جدير بالوقوف عنده، الا وهو الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ، فمنهجه مدرسة حوت مدارس، وشخصيته شخصية حوت شخصيات، فهو اعلام في علم، ورجال في هيئة رجل، لما وهبه الله من القدرات المتعددة التي سجلها له التاريخ في سجل الشرف، فهو مدرسة في القضاء، ومدرسة في الادارة ومدرسة في بعد النظر، وقد اجتمعت فيه شخصية العالم والمعلم، والقاضي والخطيب,
إننا نتذكر اليوم الشيخ محمد بن ابراهيم بعدما ترك فراغاً في المنبر، فخطبته - رحمه الله - هادفة ومختصرة، وعامة، وينأى بها عن التعريض والتجريح، لقد تفرقت السبل بالخطباء بعده، فقد شهدنا عقدين من الزمان، سمعنا فيهما من بعض الخطباء العجب، فبعضهم ينسى انه يخطب في مسجد فيمثل نفسه خطيباً في الأمم المتحدة، فيهيم في أودية السياسة، ويفصل القول فيها، وكأنه قد وكل اليه كتابة تقرير عن السياسة العالمية، وبعضهم لا يكتفي بالتعميم والحديث في السياسة، وانما يتناول الدول فيرفع هذه ويحط من شأن الاخرى ثم يتعرض لرجال السياسة فيكيل لبعضهم السباب باسم الاسلام، ويعرض بفئة اخرى، وربما سمعت خطبة هي اشبه بالتعليق السياسي، وتبتعد كثيراً عن صفات خطبة الجمعة, وترك الشيخ فراغاً في القدوة بامام المسجد، فقد كان الشيخ - رحمه الله - في دعاء القنوت في رمضان يحرص على الدعاء الثابت في الاحاديث الصحيحة مع الاختصار والتعميم، وقد سمعنا بعد وفاة الشيخ بعقد انماطاً من الدعاء الانشائي الذي قد يمتد الى نصف الساعة، فبعض الأئمة يجد في دعاء القنوت متنفساً لهمومه الدنيوية لا الدينية فيدعو على من يشاء ويطلب من المأمومين التأمين، فدعاء القنوت لديه تأليف كلام لا يستند الى احاديث, وقد كان الشيخ يحتاط في دعائه فلا ينطق الا بما روي عن السلف,
ومدرسة الشيخ القضائية ثابتة المنهج، ويمثلها شيخنا الجليل عبد العزيز بن باز وثلة من علمائنا الذين يشرفون على القضاء في ارجاء مملكتنا الواسعة، وتتصف هذه المدرسة بالنزاهة في الاحكام والاعتماد على كتاب الله وسنة رسوله, اما مدرسته الادارية فقد تمثلت في ادارة المحاكم وادارة الكليات والمعاهد، وادارة مدارس البنات، وقد شهد للشيخ بحسن التدبير المتمثل في انتقاء الرجال الذين يديرون العمل تحت اشرافه، ومما يدل على نجاح تلك المدرسة ان الشيخ رحمه الله ثبت القضاء في المدينة والقرية والبادية، كما ارسى دعائم منهج التعليم الديني في الكليات والمعاهد بحيث تخرج في المعاهد والكليات القاضي والمعلم والاداري وشغل الخريجون النقص في المؤسسات المذكورة اما مدارس البنات فقد اشرف عليها الشيخ في سنوات انشائها فسارت في طريق الثبات، ولم تتعثر ولله الحمد,
وقد اتصف الشيخ ببعد النظر فقراراته موفقة تمثلها مواقفه التي يحسم فيها الأمر في حسن تدبير، والمتتبع لمواقفه يعرف ان الشيخ لديه مهارة لم تتح لغيره من معاصريه ولذلك فهو مدرسة في بعد النظر والفصل في الأمور، وقد كان له من الوقار والهيبة في النفوس الشيء الكثير مما ولد الاحترام والتقدير للشيخ من قبل الخاصة والعامة ومن قبل العاملين معه في المؤسسات التي يشرف عليها، اما طلابه فقد عرفوا له فضل العلم الذي اخذوه عنه، مع اكتساب شيء من شخصيته رحمه الله، ومع كثرة طلاب الشيخ فان الكتابة عن شيخهم قليلة، فأين الكتب المؤلفة عن حياته ومدارسه، ان سيرة الشيخ مادة خصبة للكتابة ولكن طلابه لم يستثمروها الاستثمار الجدير بها,
وفقنا الله الى رد الجميل للشيخ محمد بن ابراهيم فهو علم من اعلام هذه البلاد، يستحق منا كل حب وتقدير، فجزاه الله عما قدم للاسلام والمسلمين خير الجزاء,
د, عبد العزيز بن محمد الفيصل


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved