جوابا آل زلفة، والمعلمي
أبوعبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
ومن ضمن اسئلة الجزيرة الجريدة سؤال اخي المؤرخ الدكتور محمد بن عبدالله آل زلفة الذي يقول فيه: ·اعرف انك من أكبر المشككين في زيارة الرحالة وليم بليغرف الى الجزيرة العربية والى الرياض بشكل خاص وبنيت شكوكك على حكم من سبقك الى ذلك، ودوافع اولئك معروفة، ولقد ثبت تراجع اول من شكك في زيارة هذا الرحالة الى الجزيرة العربية، واثبتت الدراسات المتأخرة من قبل كبار الباحثين من الغرب وغيرهم صحة زيارته وقد اشاطرك بأنا لانتفق مع آرائه الخاصة، ولكن لايعود هذا الاختلاف الى الشك او بلوغ درجة القطع بالنفي لزيارة هذا الرحالة الكبير الى الجزيرة العربية، فما هي دوافع الشك لديك، وما هي براهينك من غير نقاط اختلاف معه في بعض وجهات النظر؛ فالاختلافات لا تقود الى نفي الآخر؟ واخشى ياصديقي ان تبقى لوحدك الذي يشكك في زيارة بليغرف الى الجزيرة، ونعرف ما لآرائك من وزن لدى محبيك، واخشى ان تبين لهم انك لست محقا أ ه
قال ابو عبدالرحمن: منك استفيد يا ابا خالد، واخوك ابو عبدالرحمن مجرد باحث وقصارى امر الباحث ان يستوفي العناصر والبيانات، ويوازن بينها بنظر فقيه، وسماع قاضٍ ، وقد فعلت منتهى جهدي وفق ما تحصله وسائلي الثقافية قراءة بلغتي العربية - إذ لا أحسن غيرها - فيما اقرؤه عربيا او معرّبا وأنت حفظك الله تذكر هاهنا ان الدراسات المتأخرة من قبل كبار الباحثين من الغرب وغيرهم اثبتت صحة رحلته، ولا علم لي بشيء من ذلك؛ فلماذا لا تمن علي، وعلى القارىء بالتنصيص على هذه الدراسات، لأفيد منها، واعدل من احكامي، ولتكون أنت مساهما في نشر الحقيقة وإشاعتها ، ولتنال الشكر والدعاء من كل قارىء
وذكرت حفظك الله انه ثبت تراجع اول من شكك في رحلة بليغرف وهذا ايضا علم جديد لم اطلع عليه ، فلا تؤاخذني ان كانت احكامي على بليغرف ناقصة او خاطئة؛ لغياب هذا العلم الجديد عني؛ بل عليك الحق بان تنصص لي هذا العلم الجديد، فالعلم بالتعلم ، وطالب العلم قليل بنفسه
اما الى هذه اللحظة فلا اعلم الا شبه الاجماع على كذب بليغرف ورحلته والمراد بشبه الاجماع ان تكذيبه قول الجمهور وهذا التكذيب على سبيل القطع واليقين فيما يتعلق بالرحلة الى الرياض، وعلى سبيل الرجحان فيما يتعلق بالرحلة إلى عموم الجزيرة
وليس مأخذ التكذيب حفظك الله اختلافا في الرأي ، ولا لقاء لي في الملة والنحلة مع يهودي جاسوس كذوب متكثلك نفاقا!! وانما مأخذ التكذيب النقل عنده لا الرأي، فالوقائع التي نقلها كاذبة محالة وفرق بين الرأي الذي هو تصور او اقتراح او حكم في غير حاضر، وبين النقل الذي هو خبر عن واقعة حاضرة؛ فما ذكره في الرياض من الزهري والسيلان وبيع التتن كذب محض في عهد مثل الامام فيصل بن تركي ومجتمعه رحمهم الله وعلى فرض ان هذا الكذب متعمد منه للتشهير؛ ولأهواء منه، وان ذلك الكذب المتعمد لا ينفي رحلته: فهناك اكاذيب لا مجال لتفسيرها بالتعمد، ولا مجال لتفسيرها الا بأن بليغرف كاذب لم يطأ الارض التي يتحدث عنها، وذلك هو كلامه عن معالم لاحقيقة لها، ومحال وجودها ، ونفاها من رحل بعيدة على طريقه مباشرة
قال ابو عبدالرحمن: وانا على هذا العلم المحقق حتى يظهر غيره؛ لانني كما قال الامام ابو محمد ابن حزم:
ألم تر أني ظاهري وأنني
على ما بدأ حتى يقوم دليل
وفي رواية ·على ما أرى ؛ فلا تلمني حفظك الله على استصحابي ما لدي من علم محقق وملازمته، فهذا منهج المجتهد الامين لايطّرح - بتشديد الطاء - ما علم من اجل ما لم يعلم وفوق كل ذي علم عليم وانما عليك ان ترشدني الى ما لديك من علم جديد؛ لتكسب حمد الشاكرين؛ ولتقيم علي الحجة إن لم أكن مخلصا للحقيقة، وان لم اكن رجاعا الى الحق بعد بلوغ الحجة الي
ولو فرض ان اول من كذّب بليغرف رجع عند تكذيبه: لما كان ذلك مسوغا لي الرجوع عن تكذيب بليغرف اليهودي النذل، بل لابد مع الرجوع من حجة على الرجوع تدل على اثبات رحلته، وتقاوم حجج النفي بيقين او رجحان
وثق يا ابا خالد - مهما بلغ اطلاعك على دراسات كبار الباحثين من الغرب - ان نفي كذب بليغرف محال محال محال وألف محال؛ فمن قال تجاوزت طريف الحبل والشمس والشميسية على يساري صباح السبت: لا يمكن ان يأتي بعده في صباح الاحد من يمر من طريقه ويقول: وجدت الشمس والشميسية في غير مكانهما!!
ومن قال تجاوزت رمل عالج مجنبا فوجدت جبل ذهلان على يساري: لا يمكن ان يمر من طريقه من يقول عاد ذهلان الى مكانه، وانما جاء ذهلان من موضعه ليحيي العابر الاول؟!
ولا مجال لتصديق بليغرف الا من سبيل واحد، وهو ان يقال: هذه الرحلة الكاذبة ليست من تأليف بليغرف، وانما هي مكذوبة عليه، وتوجد الرحلة الصحيحة غير هذه اعان الله ابا خالد على تحقيق هذا الغرض ان كان نبيلا!!
وذكرت يا ابا خالد ان لمنكري رحلة بليغرف دوافع معروفة!!
قال أبو عبدالرحمن: لا اعرف بذاتي ولا اعرف ان غيري يعرف دوافع لانكار رحلة بليغرف غير دافعين لاثالث لهما:
أولهما: تخلف مقتضيات الصدق، فليس في الرحلة ما يشفع باحتمال الصدق لما تعلق به الكذب منها
وثانيهما: وجود الموانع من الصدق كالسرد لمعالم الطبيعة الثابتة التي صورتها رحلة بليغرف فالسرد سرد محال غير معقول من واقع الطبيعة، والطبيعة انما تعطيك ما فيها!!
قال أبو عبدالرحمن: فان كان ابو خالد يعرف لمنكري رحلة بليغرف ذينك فليشبع فقري بتنصيص كافٍ شافٍ وأنا له من الشاكرين
واما براهيني على ما كذبته بيقين، وما شككت فيه برجحان فموجود في نفس المصدر الذي قرأ فيه ابو خالد رأيي بكتابي ·مسائل من تاريخ الجزيرة وفي مقالتي بجريدة الشرق الاوسط؛ فلا داعي للتكرار على أنني أسلفت هاهنا جانبين ركنيين من كذبها
وأما خوف ابو خالد علي ان اكون وحيدا في انكاري ، وان اعلن للناس لحظة ما انني كنت مخطئا:
فأسره وأفرحه بثلاثة امور:
اولها: انني الى هذه اللحظة لست بأوحد بل انني الى هذه اللحظة لست مع الاقلين؛ لانني موافق لجمهور المحققين وقد سردت كبار المحققين المكذبين لبليغرف مع المقتضب من براهينهم وآخرهم فلبي؛ فمحمد جلال كشك
وثانيها: لو كنت وحيدا ومعي برهاني ما استوحشت، وقد بين الامام الفحل الممسوح الغرة ابو محمد ابن حزم رحمه الله - في مباحثه عن الاختلاف والشذوذ والاجماع - ان من كان مع البرهان ليس شاذا ، ولا مستوحشا ؛ ولهذا كان ابراهيم عليه السلام أمة وحده وقد خالفه كافة اهل عصره، فكانوا هم الشاذين، لشذوذهم عن الحق
وثالثها: لاغضاضة علي لو اعلنت انني كنت مخطئا عندما تستجد لدي حجة وشوارد علم، بل هذا منقبة، وحسن سيرة ، وصدق فكر، وتحقيق علم وذلك عادة وديدن لأئمة الامة من العلماء الربانيين وهذا محمد بن ادريس الشافعي رحمه الله يقول: اذا بلغكم الحديث فهو مذهب المطلبي!! وها هو يتراجع عن مذاهبه في الاسفار الكثيرة الضخمة التي كان يرويها عنه الزعفراني، ويأخذ بمذهبه الجديد
وفقهاء الحنافشة تراجعوا من مذهب الى مذهب اتباعا لما استجد لهم من رجحان كان ابن عبدالبر ظاهريا، ثم مالكيا، ثم شافعيا يجنح إلى الاختيار، وكان ابن حزم مالكيا، فشافعيا، فظاهريا
قال أبوعبدالرحمن: وفيت لأبي خالد بما يجب له من حق الصحبة، وحرمة العلم، وبقيت لي عنده أشياء، وهو قمين بتحقيقها إن شاء الله:
الشيء الأول: تحقيق عودة الإمام فيصل بن تركي المرة الأخيرة من مصر بناء على خطابات نفيسة كرمت عليَّ بصورها وقد أطلعت عليها أصحاب السمو الملكي الامير نايف بن عبدالعزيز، وسلمان بن عبدالعزيز، وعبدالعزيز بن سلمان، ومعالي الاستاذ زياد بن عبدالرحمن السديري؛ فسروا بجذور الحقيقة الغائبة وبناءً على مضابط نجدية شححت علي بتصويرها هداك الله وأنت جلدة بين العين والأنف يلومونني في حب آل زلفة وأحبهم!! وكيف لا أحب من ولد بمملكة ابن صمان؟!
وعندما كنت رئيسا للنادي الأدبي بالرياض، ولما رأيت حساسية الموقف وحرجه استصدرت لك خطابا من صاحب السمو الملكي الامير سلمان لتنجز البحث بلا حرج، وكان ذلك منذ خمسة عشر عاما تقريبا فلماذا أهملت رغبة أخيك وأنا المبادر إلى الأجوبة على اسئلتك؟!
إنني أدعو الدكتور مجددا إلى استكمال البحث النفيس لنعرضه على صاحبي السمو الملكي؛ فإن رضيا به فذلك علم جليل ينتفع به الجمهور، وإن رأيا غير ذلك لمصلحة من المصالح المرسلة فحسبه أن من يعنيهم الأمر اطلعوا على جذور معرفية هامة، وإحاطة علم ولي الأمر منفعة لا تقل عن انتفاع الجمهور
وأفرح الدكتور آل زلفة بأن بساط البحث مع صاحبي السمو مضمخ بالعبير والطيوب، وسلبياته معدومة، ومنافعه محققة، وكم طاولتهما المحاورة حتى قلت: عسى ألا أكون أحفظتهما؟! فما وجدت من رعدهما إلى صيّب رحمة، وإخصاب منبت، وطهرا بالماء والثلج والبرد!
وإن رضيا به فأول من يحنو عليه مجلة الدرعية بحوثا، ودار ابن حزم كتابا
والشيء الثاني: إسعافي ببحوث كبار المحققين الغربيين الذين أثبتوا رحلة بليغرف من الدراسات الجديدة التي لم اعلم بها
والشيء الثالث : إسعافي بتراجع أول من شكك في رحلة بليغرف
ومن اسئلة الجزيرة اسئلة الفريق يحيى المعلمي، وأولها تقرير قال حفظه الله: ·الشيخ محمد بن عمر بن عقيل الظاهري: أنت عالم متمكن ضليع في علوم الدين واللغة ولكنك تضيق ذرعا بمن يخالفك الرأي، وتمطر عليه شآبيب من سخريتك، وتصفه بالجهل وهذا لا يتفق مع أخلاق العلماء الأفاضل الذين تتسع صدورهم للنقاش، وتسمع الرأي الآخر أن يصل إليهم!! فهل لظاهريتك دخل في هذه الحدة التي تبدو في مناقشاتك سيرا على سنة إمامك أبي محمد علي ابن حزم الظاهري؟!
قال أبوعبدالرحمن: أيها الوالد الكريم - يا أيها البكري -: إن الطبيعة البشرية واحدة، وإنما تختلف بالأشد والأضعف فأي شيء - نحن الضعفاء - أمام الأئمة الذين دبت قوارصهم؟! ألا تذكر كلمة ابن أبي ذئب في مالك، وهما إمامان؟
أما تذكر كلمة مالك في ابن إسحاق؟
ألا تذكر ما بين ابن مندة وأبي نعيم، وابن حجة وابناء عصره، وابن حجر والعيني، والكاوي لدماغ السخاوي إلخ إلخ؟!
وأبومحمد ابن حزم احتد لثلاثة عوامل:
اولها: لعلل جسمية ونفسية حصلت له، وقد ذكرها في مداواة النفوس
وثانيها: أن علم الجدل يسمح بشيء من الحدة والعنف عند الانقطاع وتعمد المعاندة، أو حمل المحاورة على التشنيع، والمقابلة بالدعوى دون برهان
وثالثها: أن أبا محمد بلي وظلم وجرِّح من أعشار مثقفين لا يفرقون بين جابر بن عبدالله وجابر بن زيد رضي الله عنهما ونُسب إليه ما لم يقله وما قاله قابلوا براهينه بالشغب والأمية العلمية ورسالتا العتقي والهاتف من بُعد اللتين رد عليهما ابن حزم شاهد على ذلك
وهو اليوم مظلوم من المقلدة والطلبة الذين يردون بمأثور غيرهم على كثير من علمه المحقق، ويجعلون اخطاءه القليلة الشنيعة حجة على إسقاطه!!
وقد قال لي سماحة ابن مانع في الصغر: لا تترك ابن حزم يتاحي لك!!
وقال لي شيخي محمد عبدالوهاب البحيري رحمه الله: كتب ابن حزم تعلم الجنون
وما وجدت مخالفا منصفا مثل شيخي سماحة الشيخ عبدالرزاق عفيفي رحمه الله
أما مذكرة الأصول لأحد مشايخي فلا أقول إلا كما قال أستاذي أبوعبدالعزيز عبدالله بن ادريس: الله يرحم الحال
وما وجدت أعظم سلاطة من لسان القاضي أبي بكر ابن العربي، فقد استخف بالشافعي وغيره استخفافا لا يليق
ثم من بعده أحمد الشنقيطي ، ومحمد زاهد الكوثري
هذه هي حال الطبيعة البشرية، ونموذجها من أهل العلم
ولقد وطنتُ نفسي على الحلم والصبر والتحمل، وإغفال المناقشة نهائيا إذا وجدت أن اطراف النزاع غير متكافئة، وإذا رأيت تهويشاً وتمعلماً، وربما استأنفت المسألة من جديد وحصَّنتها بالبراهين، وناقشت ما أُورد عليها من اعتراض، وأغفلت اسم المنازع وأهملته ما دام غير متأدب بآداب العلم، وما دام مذبباً قبل أن يحصرم، وما دام يتمعلم على أساتيذه
وكنت أتخذ الحدة جمالا أدبيا أسلوبيا؛ لملاحة وجوهٍ من الحدة في كلام ابن حزم الذي كتب العلم بلغة أدبية كما تأثرت بقعقعات أبي تراب بيد أن عامل الزمن، وبلوغ سن الإعذار يدفع إلى الرفق والورع وساعد في ترويضي بعض مشايخي - بنصيحة بعضهم، وسيرة بعضهم - من أمثال محمد بن داوود، وعمر بن مترك، وسماحة الشيخ ابن باز رحم الله جميعهم، ووفق وختم بالحسنى للحي منهم
وأنت أيها الوالد الكريم لم تجد عندي حدة ولا شآبيب، وإنما وجدت عندي شدوا وتغريدا وأخبرك بشيء لا تعلم به، وهو أن عندي بحثا محررا عن مقالة لك في ·ما ذات أخطاء صلعاء؛ فأدرجتها ضمن أوراقي المحفوظة لما كان ما كان بيني وبينك من نقاش؛ حتى لا يقال: انتصف أبوعبدالرحمن لنفسه
ولو جاء نقدك لي - بحقه وباطله - مجردا عن مظاهرة أميين لا يعملون ويؤذيهم ان يعمل الناس: لما وجدت عندي غير تقبيل الأنف والرأس فإن كنت حريصا على مقالتي نشرا في الجريدة، أو بمراسلة أخوية حسبما ترغب من ذينك - فعلتُ بعد عودتي إلى الرياض وإلى أوراقي شهر ذي الحجة إن شاء الله


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved