رؤى وآفاق
ظلال الأزمة على السوق الاستهلاكية
لقد ظللتنا سحابة الأزمة بدون اندفاع إلى شراء المواد الضرورية مثل الأرز والسكر والحليب وغيرها مما يعتمد عليه القوت اليومي، وهذا أمر غريب من مجتمع يعيش الأزمة وربما اصطلى بنارها، فنحن لسنا بمنأى عن الحرب لو حدثت، واقل مايمكن حدوثه في زمن الحرب تأثر طرق السفن التي تحمل المواد الغذائية، والمتجهة إلى موانىء المملكة أو المغادرة منها الى الموانىء العالمية
لقد مرت الأزمة بسلام، ولم تشغل بال المواطن السعودي أو تصرفه عن مجرى حياته العادية وذلك أمر يدعو الى الاستغراب إذ إن المجتمع السعودي جزء من مجتمع الخليج، وتأثره بما يجري في الخليج أمر وارد، ومع ذلك فإنه لم يلتفت إلى الشراء ولم يعره أي اهتمام إن الأمور التي تدعو المواطن السعودي الى الاتجاه الى السوق وشراء مايدفع عنه غُول الحاجة في زمنها كثيرة؛ منها أحاديث المجالس عن الحروب وما يحدث فيها من المجاعات، ومايرد في تلك المجالس من أمثال وقصص وروايات، ومنها الوقوف على ما دُوِّنَ عن الحروب ومفاجآتها، ومنها ما تنقله وسائل الاعلام من الاستعداد لهذه الحرب بالمواد الغذائية، وقد كان للإعلام الكويتي أثر كبير على المواطن السعودي، فالإخوة في الكويت أفسحوا المجال في وسائل إعلامهم لمسألة الشراء وتخزين المواد الغذائية والاستعداد للأيام السود التي ينذر المستقبل بحلولها، فكثر الحديث عن ماتحتاج إليه الأسرة من ماء وغذاء وأكثر الإعلام الكويتي من الحديث في موضوع استهلاك الأسرة والتموين في زمن الحرب، وذكرت اسر كثيرة أسماء المواد التموينية التي بحوزتها والتي اشترتها وخزنتها من أجل الاستعداد للمستقبل واحتمال حدوث الحرب؛ كان المجتمع السعودي يسمع كل ذلك فهو مدفوع الى الاتجاه للسوق، فلم يندفع، ولم يشتر ولم يتحرك إلى جانب التخزين والاحتفاظ بالمواد الضرورية، إنها ظاهرة تدعو إلى التساؤل، فهي ظاهرة عامة في المجتمع وليست خاصة بفئة معينة، فالمواطن والمقيم متساويان في مسألة الانصراف عن الشراء، ولكي نعلل عزوف المواطن والمقيم عن شراء المواد الغذائية في زمن الأزمة لابد ان نسلط الضوء على نظرة المواطن الى قيادته ومدى قدرتها على حماية الأمن وتوفير لقمة العيش في وقت الشدة والحاجة، فثقة المواطن بقيادته هي التي جلبت إليه التراخي عن الشراء وعدم الاكتراث بما يجري حوله من نذر الحرب
إن قدرة الدولة على توفير المواد الغذائية في زمن الأزمات أمر يدعو إلى الإعجاب، إننا نمر بأكثر من أزمة في المملكة العربية السعودية، ومع ذلك فالمواد التموينية في توافر وثبات أسعار؛ ففي زمن الحج يجتمع في منى أكثر من مليوني حاج ومع ذلك فإن الحجاج لم يشعروا بنقص في المواد الغذائية، وهذا العدد ينتقل إلى عرفات ويستقر في مكة، وينتقل إلى المدينة، وفي كل مكان يحل فيه الحاج يجد الماء والغذاء متيسرين وبأسعار معتدلة، وقد مر المجتمع السعودي بتجربة أكسبته خبرة ودراية بالأزمات، تلك التجربة هي الأيام التي عاشها في حرب الخليج، ففي الوقت الذي دارت فيه معركة الخفجي التي استمرت ثلاثة ايام على الأرض السعودية لم ترتفع الأسعار ولم ينقص التموين، بل المواد الغذائية متوافرة في المدينة والقرية والصحراء، وفي الوقت الذي كانت فيه الصواريخ العراقية تتساقط بكثافة على أحياء الرياض والدمام والخبر والظهران لم ترتفع الأسعار ولم ينقص التموين في طول البلاد وعرضها إذا رجعنا إلى تجربة المجتمع السعودي في حرب الخليج الماضية انكشف لنا السر وتبين لنا الأمر، فالماء والغذاء ولله الحمد توافرا بالأمس عندما كانت البلاد تعيش الحرب بكل أجوائها، وتصطلي بنار الصواريخ أفلا يتوافر الغذاء في ظل أزمة ربما تتحول إلى حرب؟ اللهم احفظ لنا أمن بلادنا والقائمين عليه، فمع توافر الأمن يتوافر الغذاء
د عبدالعزيز بن محمد الفيصل


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved