تحليل لقاء بين الأدبين
أبوعبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
: من الاشتراك في التجربة الماثلة والمأثورة قول شايع الأمسح
لا بدها من خامة يذرعونه
ويحط ليه ميزر وحزام ،1
وقال دبيان السبيعي:
لابد من خرقة بيضا على السنة
والموت من قبلنا ما عاف راكان
ومثله قول أبي نواس:
كل حي عند ميتته
حظه من ماله الكفن
وقول ابن الخازن:
كل مَلك نال زخرفها
حسبه مما حوى الكفن
وقال آخر:
وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها
هل راح منها بغير القطن والكفن؟ ،2
وقال البستي:
إذا ما اصطفيت امرءاً فليكن
شريف النجار زكي الحسب
فنذل الرجال كنذل النبات
لا للثمار ولا للحطب
ومثله قول حميدان:
وآخر من صباخ الثرى منبته
لو بذلت الندى في يديه انكره
وقال القاضي:
ولو كثروا الخلان في ساعة الرخا
فهم عن موالاة المواجيب جوال
ومثله قول الشاعر الفصيح:
ما أكثر الإخوان حين تعدهم
لكنهم في النائبات قليل
قال أبوعبدالرحمن: هذا تجربة، وثقافة مشتركة معا
وقال ابن المجاور: قال الشاعر:
قليل الهم لا ولد يموت
ولا أمر يحاذره يفوت
قضى وطر الصبا وأفاد علماً
فغايته التفرد والسكوت ،3
ومثله قول لصالح السكيني في رائيته
وقال دعسان بن حطاب:
ان جاعدوا باغي الخز والفود
لا شافنا قال الطمع جعل ما عاد
وقريب منه قول امرىء القيس:
وقد طوفت في الآفاق حتى
رضيت من الغنيمة بالاياب
إلا أن هذا اللقاء محض التجربة ومخضها ومن محض التجربة قول خلف بن خليفة:
أعاتب نفسي أن تبسمت خالياً
وقد يضحك الموتور وهو حزين
ومثله:
ولربما ابتسم الكريم من الأذى
وفؤاده من حره يتأوه
ومثله قول العامي من العجمان:
اضحك مع اللي ضحك والهم طاويني
طية شنون الطلب وان سربوا ماها
وقال أحد أولاد غانم يرثي نفسه:
يايم مالك مع هل الصيد لقاف
عزي لحالك من تحري العفون
ويشبه بعض معناه قول الشاعر الفصيح:
تحمل أصحابي ولم يجدوا وجدي
وللناس أشجان ولي شجن وحدي
أحبهم ما دمت حيا فإن أمت
فواكبدا ممن يحبكم بعدي!! ،4
قال أبوعبدالرحمن: هذا اللقاء محض الاشتراك في التجربة
وقال الطائي:
ليس الغبي بسيد في قومه:
لكن سيد قومه المتغابي
وذكر الحصري في معناه قول ابن الرومي:
تغاضى لهم وسنان بل متواسنا
توقظهم يقظان بل متياقظا
وقال أبوفراس:
تغابيت عن قوم فظنوا غباوة
بمفرق أغبانا حصى وتراب
ومثله قول مبيلش:
اتغيشم وانا لي ملحظ ثاني
واذخر القيل عندي لين جا حله
وقول العوني:
اتديبج ولا نيب دبوجة
واذخر القيل لين اتمعنى به
وقال ابن ربيعة:
الى تغشم لا تظنه غشيما
مخلف ظنون أهل الفكر بالبراهيم ،5
فهذا محض تجربة بيقين مع احتمال شيوع هذا المعنى وتوارثه في الثقافة الشعبية المشتركةوقال ابوالعلاء المعري:
وكم من فقيه خابط في ضلالة
وحجته فيها الكتاب المنزل
ويشبهه من وجه بعيد قول الكليف:
واخلط على حرف الشريعة مثله
حرف من الباطل يصير ازكى لها
فاللقاء بينهما خلط الشريعة بالباطل كخلط الضلالة بالحجة من الكتاب المنزل والفارق بينهما ان أبا العلاء يخبر عن فقيه يقع من غير قصد، والكليف يأمر بالتضليل والأول يخبر عن واقع، والثاني يدعو الى اقامة ملك يمزج بين الحق والباطلوكل ذلك محض تجربة، ولا يحكم فيه بالأخذ ومثل ذلك قول الربيع بن زياد العبسي عن قيس بن زهير:
حرق قيس على البلاد
،م حتى اذا اضطرمت أجذما
ومثله قول الجميلي:
جنيت الجنايا ثم خليتني لها
على الدار مضهود كبير الجرايم
فكل ذلك محض تجربة وأبيقورية الخيام وأبي نواس كثيرة في الشعر الفصيح كقول الخيام بترجمة رامي:
واغنم من الحاضر لذاته
فليس في طبع الليالي الأمان
وقوله بترجمة الزهاوي:
لاتقف في وجه لذاتك
،م مكتوف اليدين
أنت لا تأت لدنياك
،م هذي مرتين
ومثله قول القاضي:
الى حصل لك ساعة وانت مشتاق
فاقطف زهر مالاق والعمر ملحوق
ومع ان القاضي مثقف، ومع أن الأدب طافح بالأبيقورية إلا أن مسابقة فضلة العمر باللذائذ تجربة شعبية مشتركة لدى اللاهين وقال حمود بن مقرب الأسعدي:
ومن هاب المنايا أدركنه
مات أخس من فقع بقاع
قال أبوعبدالرحمن: هذا البيت ينظر الى بيتين من الفصيح:
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه
ولو نال أسباب السماء بسلم
والثاني:
أصلعمة بين قلمعة بن فقع
بقاع ما حديثك تزدريني ،6
والفقع لا جذور له قال أبوعبدالرحمن: المعنى الأول مأخوذ بلا ريب؛ لأن بيت زهير من ثقافة الخاصة في المجتمع العامي والمعنى الثاني محض التجربة
وقال طرفة بن العبد:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة
على المرء من وقع الحسام المهند
وقال عبدالمحسن الحمد الفهيد من الأسياح:
لقيت كونين كون من العدا
وكون من أصحاب القرايب خذولها
كون العدا ساعة بيوم وينجلي
وكون القرايب بك ثقال حمولها
قال أبوعبدالرحمن: هذان هما محض التجربة، ووجه اللقاء بينهما ان عداء الأقارب أعظم وقعا من السيف، والسيف أداة الحرب
وفي بيتي الفهيد زيادة ايضاح عن مطاولة آلام عداء الأقارب ويكاد يكون هذا اللقاء لقاء في عموم الغرض كما في قول الهذية:
يا علة باطنتني من قريب لي
أوحي صلاها على الانجاف يصلاني
وقال الحارث بن ظالم يتهدد الملك النعمان بن المنذر:
حسبت أبا قابوس أنك سالم
ولما تصب ذلا وأنفك راغم
فإن تك أذواد أصبن وصبية
فهذا ابن سلمى رأسه متفاقم
علوت بذيٍ الحيات مفرق رأسه
وهل يركب المكروه إلا الأكارم
ومثل هذا قول عبيد ابن رشيد:
يا ابن سليم ان كان اخذتوا لنا ثور
وحطيت لك ناس يدورون الاطماع
الى أن قال:
ياثور يا اللي ما أنت بفداك منقور
هذا جزا هلة دبيبة للادماع
وقوله:
ومن زرع ابن جلعود رحتوا بمنساف
ومن البقر رحتوا بعجل على خير
الى أن قال:
حنا الى غرنا طعنا بالالاف
تلقى القلايع مثل افام الخنازير
قال ابوعبدالرحمن: فهذا كله محض التجربة وهناك بيت من الشعر العامي طيار ادعاه أكثر من شاعر، وادعته قرى عديدة، وهو:
حيتك جاتها حية رسول الله
وادمرت ما عمل فرعون واصحابه
ردا على من قال:
لا بتي حية الرقطا بصدع له
مسها لين والسم بانيابه
قال أبوعبدالرحمن: فهذا من الممارسة البيئية بلا ريب تجربة ومعايشة لثقافة مشتركة ومثله قول شاعر الفصيح:
إذا جاء موسى وألقى العصا
فقد بطل السحر والساحر
وطرق هذا المعنى عمرو بن الأهتم فقال:
لنا حية تنقض من رأس صخرة
تلقم حيات الحزونة والبحر
وقد ظهرت للتغلبيين حية
كحية موسى يوم أُيد بالنصر
قال الكمالي: وهذا شاعر آخر يقول:
مثل الأفاعي لينات الملاميس
والسم بانيابهن كامنات
وهو مطابق لقول عنترة:
إن الأفاعي وان لانت ملامسها
عند التقلب في أنيابها العطب ،7
وقال مبيلش:
واعرف ان اللي بضده على بده وثق
مثل قاضب غارب الداب يحسبها عصاه
ومن الممارسة البيئية كما مر المعنى الذي ذكره عمران بن حطان بقوله:
ليث عليّ وفي الحروب نعامة
فتخاء تجفل من صفير الصافر
هلا برزت الى غزالة في الوغى
بل كان قلبك في جناحي طائر
وقريب منه قول الشريف المغامس عن أقاربه:
أرانب الى جاني من الضد عيلة
وعلى الجار والداني أسود ضراغم
قال أبوعبدالرحمن: كل هذا من وحي البيئة والتجربة الفردية والجماعية التي يمارسها الفرد أو يعايشها في بيئته
ومن الثقافة المشتركة المأثور الشرعي يسمعه العامي في مسجده، وفي مجالس المشايخ والوعاظ، وتتوارثه الأجيال؛ فيأخذ منه ما يصور به تجربته مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم عن أهل آخر الزمان: بأنهم يلبسون جلود الشياه على قلوب الذئاب ورد على هذا المأثور قول الشاعر العامي:
ابن · لكل منافقي يومي
مسلم لابس له ثوب شيطان
وقريب من معناه قول السكيني:
الى جا واحد ما حفظ عم
تنصب للأمور المعجزات
ومن جوره يجي في الصف الأول
وهو ذيب تلبس جلد شاة
يبيه يقال انه يصلي
ويعطونه من أطراف الزكاة
وهذا المعنى طرقه شعراء الفصيح كقول أحدهم:
فالذئب أخبث ما يكون اذا اكتسى
من جلد أولاد النعاج ثيابا
وقال أبوفراس الحمداني:
وقد صار هذا الناس إلا أقلهم
ذئابا على أجسادهن ثياب
وقال ثالث:
هم الذئاب التي تحت الثياب فلا
تكن الى أحد منهم بمؤتمن
وقريب من تعليل السكيني لصلاة لابس جلد الشاة قول محمود الوراق:
تصنَّع كي يقال له أمين
وما يغني التصنع للأمانة
ولم يرد الإله به ولكن
أراد به الطريق الى الخيانة
وقال آخر:
صلى المصلي لأمر كان يقصده
فلما قضي الأمر لا صلى ولا صاما
إلا ان الحكم بالأخذ المتعمد يكون عندما يوجد في الشاهدين - أو يوجد في الخارج - دلالة عليه
التعليقات
،1 من شعراء الجبل 1/204
،2 الأمثال العامة في نجد 6/28
،3 صفة بلاد اليمن ص146
،4 التذكرة السعدية ص484
،5 عندما تضيق القافية على الشاعر العامي يتصرف في اللفظ تصرفا يخرجه عن مادته كما في هذا البيت حيث جعل البراهيم بمعنى البراهين
،6 هذا البيت من الأمثال العامية في نجد 2/914 عن التمثيل والمحاضرة للثعالبي
،7 الشعر عند البدو ص293-302


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved