خطوات يبتلعها الطريق1-2
مقاربة في:المغيب/ القرية/ الشخصية/ شاعرية اللغة
حسين المناصرة
المشهد السردي المحلي في مجال القصة القصيرة مشهد خصيب كما ونوعا، وذلك لسبب بسيط وهو ان القصة القصيرة عموما ما زالت هي الاقدر على انجاز القدرة الابداعية الوسطية المريحة للمتلقين، عندما تتخلص من المعوقات التي يواجهها انفتاح الرواية من جهة، وايضا عندما تتخلص من تلك الدائرة المغلقة التي يحيط بها الشعر بنفسه تجاه المتلقي العادي من جهة أخرى، وهذا يعني ان القصة القصيرة حافظت على سردية الرواية لأنها بنية سردية مصغرة وفي الوقت نفسه دخلت الى فضاء الشعر من خلال عنصري التكثيف والايقاع والتجريد مما يحقق كتابة سردية نوعية جديدة استطاعت ان تكسر حركية الزمن ووضوح المكان وهمينة توصيف الشخصية ومرمية الحدث وسياق الجملة النثرية لصالح غرائبية سردية تجريبية تنجز خطابا ابداعيا له جمالية خاصة وهو يجمع بين الشعري والنثري في نسق ابداعي له صفات التداخل بين جنسين ادبيين فأكثر مثل القصة القصيرة
وفي حفل المشهد القصصي المحلي بمجموعة من القاصين المتميزين ضمن حركية اجيال ثلاثة: ما قبل السبعينيات، والسبعينيات وبداية الثمانينيات، والتسعينيات
وظافر جبيري في مجموعته ·خطوات يبتلعها الطريق يرسم ملامح جيل جديد انطلق في التسعينيات بالتحديد راسما ملامح كتابة قصصية جديدة واضحة الشعرية وفيها قدر عال من التكثيف، نجد ذلك واضحا لدى محمود تراوري ويوسف المحيميد وشريفة الشملان واميمة خميس وعبدالحفيظ الشمري وخالد اليوسف ونورة الغامدي وعبدالله العتيق وهم ولدوا من تجريبية جيل سابق اشتغل على القصة بجدية ممثلا بمحمد علوان، حسين علي حسين والمشري وسعد الدوسري وصالح الأشقر وجارالله الحميد وفهد العتيق
يمكن قراءة المجموعة القصصية موضوع هذه المقاربة من خلال عدة مستويات منها:
،1- توصيف المجموعة: العنوان الغلاف الترتيب العناوين الاهداء
،2- حقلية الحكي: الطفولة/ الشيخوخة/ الجنون/ الصداقة/ القرية/ المجهول/ الليل
،3- ابعاد السرد الاربعة الرئيسة: الشخصية/ المكان/ الزمان اللغة
،4- النموذج التطبيقي: قصة واحدة كمثال لملاحظة حركية الحكي
تقع المجموعة في سبعين صفحة، تحوي تسع قصص قصيرة هي: مرثية/ الناي ا لمجنون/ مساء صغير/ اسنان الغزال/ لليل أصابع/ عريس/ ذاكرة الطريق/ الفانوس الأزرق/ اثر أو وجه آخر للرحيل
وعنوان المجموعة ·خطوات يبتلعها المغيب ليس من ضمن عناوين القصص، لكنه ستخلص من القصة الاخيرة ·اثر أو وجه آخر للرحيل ، حيث موضوعها خطوات راحلة فالمغيب يتشخص في القدرة على الابتلاع والانسان يتجرد ويختزل في مجرد آثار لخطوات تدل عليه من خلال سيارة مما يعمق من حدة الاغتراب المختزنة في الرحيل في تلك الاقدام الحافية التي تتبع آثار الرحيل المحتذية في سياق من الابهار الذي يفصل ما بين عالمين عالم القرية المغلق بالنسبة لاطفالها مقابل العالم الآخر الذي يصبح مجهولا غريبا حتى على مستوى النظرة الى السيارة التي تحضر لأخذ المرتحل أو صاحب الخطوات المحتذية ·آثار متقطعة لسيارة تتبعها، فتدور بنا في الممرات الضيقة خلف خطوطها المتكسرة ينداح خيال طفولي، كيف لسيارة أن تمشي مثل الناس، مثلنا نحن على اثنتين، وداخل أزقة قرية نعرف ما يدب عليها ص65
وليست هذه القصة فحسب حافلة بالرحيل، بل ان معظم القصص تفضي بطريقة ما الى وجود رحيل تجاه المدينة أو الموت أو المجهول وان الانسان هو محور هذا الرحيل يضاف الى ذلك الزمن الماضي الذي يرتحل بالطفولة أو بالشباب أو بكينونة القرية القديمة المتحولة الى المدينة الحديثة
ان المغيب ومشتقاته مثل الليل والمساء والعتمة والمجهول يهيمن على فضاء القصص ففي القصة المشار إليها نجد الليل ·يبتلع النفوس الحذائية التي لم يعرف ان كانت ذاهبة أم عائدة في حين تبقى الخطوات الحافية الصغيرة المتجذرة في القرية تنحدر باحثة عن المجهول الذي تشكل في عجلات السيارة مما يفضي الى حدوث الصدمة ما بين هذين العالمين عالم الطفولة العادي والواضح في القرية وعالم آخر مجهول يرتحل اليه الناس يتشكل في المدينة، ليصبح بعد ذلك المجهول جزءا مهما من المغيب ومن الليل، لتبدو بدايات القصص كلها تقريبا منطلقة من قيمة هذا المغيب المطل من العنوان كملمح اساسي من ملامح الحكي أو القص
لننظر الى البدايات التالية:
1- ·مرثية : ·اذ تقترب الشمس من رحيله، تكسو المكان نقابا اصفر ص7
2- ·الناي المجنون : ·على مرمى النظر كانت السفوح في الأعالي تنحدر بحدة ليل صامت ص15
3- ·مساء صغير : ·القى الشيخ مسحاته متمتما بتعاويذ المساء، كانت الشمس قد اغمضت آخر اجفانها ص21
4- ·لليل اصابع ·بعد المغرب بقعة مربعة من الكون ص33
5- ·الفانوس الأزرق : ·أنفاس آخر النهار الرطبة تسيل على القرية، يحل المساء ص59
الخ
ومن يتبع بنى القص سيجدها مسكونة بهذا العنصر السردي الذي ينجز بعد اغترابها لدى الذات تجاه العلاقة مع الآخر المجهول وبالتحديد المجهول لدى عالم الطفولة في القرية التي تمتلىء بالخرافيات بشكل خاص،اذ ما ان تبدأ القصة بلقطة الزمن حتى تحضر وراءها مباشرة لقطة أو تيمة المكان المستبطنة لعالم القرية الذي يبدو مرتبكا أمام انفتاح الزمن على المجهول المتشكل في المغيب لننظر الى الحركات التالية:
1- ·مرثية ·ظل الحسن متهالكا وممتدا بسمو فوق بيوت القرية وأزقتها ص7
2- ·الناي المجنون : فوق تلال متقاربة الامتداد تتلقى ·المحلة استغاثات الاعماق الممزوجة بآهات الليل وضجر السباع ص15
3- ·مساء صغير ·وصار البيت الصغير والقرية مستسلمين لزفرات الغروب المشبعة بهواء جبلي لطيفص21
4- ·لليل اصابع : ·بقعة مربعة من الكون كخفاش أسود كنت اقتحم فناء الدار ص33 إلخ
فمن خلال هذين البعدين المتداخلين الى حد التمازج تتشكل ملامح الشخصيات في القص كما تنجز ايضا اللغة المليئة بشعرية التصوير وبغرائبية المشهد في كل القصص تقريبا، وما ان نجد قصة واحدة تدور احداثها في المدينة، حتى نكتشف ان بطل القصة المدرس في المدينة يتعمق في وعي الضياع الذي يواجهه اثناء ازدحام السيارات في الشارع يرتد الى الماضي في القرية لنقل لنا صورة عن طفولته في القرية عندما كان تلميذا يخطىء ويعاقب يقول السارد في قصة ·ذاكرة الطريق من خلال الارتداد: ·صباح ملون بالشقاء رجلاي معلقتان بشماغي، أحمله دائما على كتفي، الآن يحمل رجلي في الهواء، ·المراقب بنزل بعصاه، الفراش كان يمسك طرف الشماغ ص53
ان حضور الشخصيات في القصص يجيء من خلال فاعلية السارد نفسه سواء من خلال ارتداداته الى طفولته او من خلال لحظة القص نفسها والقاص يمارس شبه السيرة الذاتية الا ان هناك حضورا مهما لشخصيات/ العجوز/ المجنون/ الصديق الخايب/ في المجموعة
ولعل حضور العجوز من اهم عناصر فاعلية القصص سواء من خلال النص المقتبس على الغلاف ·عادت العجوز لتجد الكهل يتلوى في مكانه أو من خلال الاهداء ·اليك اما رؤوما وروحا ما زالت هنا ·او من خلال القصة الأولى مرثية ·التي بطلها عجوز يتلوها قصة المجنون ثم قصة عجوزين
ومن خلال تعددية الشخصيات تتمظهر العلاقات على نحو من المفارقات، حيث تجد العجوز في قصة مرثية ·يرثي ذاته من خلال انهياره مع انهيار البناء القديم/ جدار الحصن في القرية ليحل مكانه ·الباطون المسلح ويكون الصباح حالة من الموت في الصباح كانت الشمس تشرق على احجار مبعثرة تشبه وجه عجوز وأنين متحشرج ينبعث بين الركام ص12


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved