ان حياة التنقل التي ارتبطت بها حياة البداوة تلائم الانسان أكثر من حياة الاستقرار، فالتنقل مصحوب بالتغيير والبعد عن الملل، فالأسرة البدوية تعيش فصل الربيع في الروضات حيث الماء والكلأ والنسيم العليل والطيور المغردة، فالغذاء من الماشية والماء من قطر السماء، والهواء نقي لم تخالطه أبخرة مصانع، فإذا حل فصل الصيف وزحف القيظ على كل رطب، ولاذت الجنادب بالظل رحلت الأسرة الى مكان آخر، فتتخذ سكنا في ضاحية قرية، أو تنصب خيامها على ماء حتى ينكسر الحر ويعتدل الهواء، والأسرة البدوية في صيفها تعيش حياة جديدة فقد انتقلت من مكان الى مكان، واختلطت بأناس أخرين، فهي تتذوق طعما لحياة لم تألفه في الفصل الماضي على ما فيه من المتعة وطيب العيش، وفي فصل الصيف تعيش الاسرة في أمل جديد بقدوم غيث الوسمي في أوانه، فهي في تطلع واستشراف، فالآمال ممدودة أمامها، والرؤى منداحة في خيالها، فعندما يحل فصل الخريف تتجهز للرحيل، فإذا لاح أول برق شاقته واتجهت الى مظانه إننا لا نجافي الواقع اذا قلنا ان حياة البداوة حياة سياحة، وهي الملائمة لطبيعة الانسان وفطرته، أما الحياة الحضرية التي استحدثت أبراج الحمام سكنا فأغلقت الأبواب، وأوصدت النوافذ، فهي حياة ملل،وسأم، يفر منها الانسان الى حياته الأولى؛ حياة التنقل والترحال، والا فما معنى هذه الأفواج من السياح، وهم في البلاد الموصوفة بالمدنية والحضارة يفرون منها الى أماكن أخرى في العالم، ان السائح من المانيا أو أمريكا أو بريطانيا أو غيرها من بلاد المدنية يتطلع الى الخروج من شقته المعلقة بين السماء والأرض الى بلاد الله الواسعة في أفريقيا، حيث الغابات والطبيعة البكر، أو الى الصحراء، وقد يذهب الى شواطىء البحار، أو أماكن الغابرين في مصر واليونان، أو الى بلاد العجائب في الهند والصين، ان هدفه الأول التنقل والتغيير، ولا يهمه بعد ذلك ان كانت وجهته الى شيء مفيد أو غير مفيد، فهو يحن الى فطرته التي جبل عليها وهي حب الترحال والانتقال من مكان الى آخر
ان عمارة المدن في أكثر بلدان العالم مبنية على الربح السريع، ولم تبن على رغبات السكان، أو دراسة النفس البشرية، أما كليات العمارة والهندسة في الجامعات فهي في معزل عن حياة الناس، ولم تقدم لهم إلا الدراسات المحفوظة في الادراج ولذلك بقي الملل أخا شقيقا للشقة الجديدة ومن يسكن فيها
د عبدالعزيز بن محمد الفيصل