على الهامش
الرواية العربية
حسين المناصرة
هل من خصوصية للرواية العربية؟
منذ بدايات الرواية العربية في بدايات النصف الثاني من القرن التاسع عشر وهي تحاول جاهدة ان تشكل خصوصية تتميز بها عن فضاء الكتابة الغربية، خاصة وان بدايات الرواية العربية عموما ارتبطت بالصحافة وبالرواية الغربية تحديدا مماجعل كثيرامن الكتاب يعرّبون روايات غربية لتتلاءم مع البيئة العربية
لذلك انتشرت الروايات المعربة العاطفية والتاريخية والبوليسية والتعليمية وهذا ما جعل الكم الروائي الاول الذي انجز في الخمسين سنة الاولى من نشأة الرواية العربية الحديثة يعيش حالة من التبعية للرواية الغربية بأشكال من التقنيات غير الفنية، فجاءت الكتابة السردية معتمدة على المصادفة والفانتازيا، وتهميش الشخصيات كماجاءت بعض الروايات ذات تبعية للأحداث التاريخية العربية اذ دون كثير من الروائيين روايات تاريخية معتمدة كليا على كتب التاريخ العربية
واستمر الحال هكذا الى ان جاءت الرواية الواقعية ممثلة بروايات مبكرة في مصر تحديدا في مطلع القرن العشرين حيث بدأت الرواية الفنية تشق طريقها بروايات ·الفتى الريفي ·والفتاة الريفية لمحمود خيرت و·عذراه دنشواي لمحمود طاهر لاشين، وحديث عيسى بن هشام ·للمويحلي، و·زينب لمحمد حسين هيكل روايات نشرت قبل الحرب العالمية الاولى
ثم امتازت الفترة الواقعة بين الحربين العالميتين الاولى والثانية بوجود روائيين عرب عشاوا حالة من الارهاصات للتأسيس للرواية العربية من خلال مجموعة من الكتاب الطليعيين المتأثرين بالثقافة الغربية مثل طه حسين وتوفيق الحكيم ومحمود تيمور والمازني والعقاد
وفي هذه الفترة تحديدا كانت البنية الثقافية العربية عموما تحال الى الثقافة الغربية من خلال تأثر الروائيين بالواقع الغربي الذي عايشوه هناك كما يتضح من روايتي توفيق الحكيم، ·عودة الروح و·عصفور من الشرق ومن روايات طه حسين ·الايام و·أديب و·دعاء الكروان
وعلى أية حال فإنه لايمكن ان نسجل خصوصية عربية خالصة للرواية العربية قبل الحرب العالمية الثانية، لأن الفترة كانت تمتاز بشكلين من اشكال الرواية الا وهما شكل الرواية السيرية، اي ان تكون الرواية سيرة تحليلية لمؤلفها بطريقة او بأخرى، وهو شكل بكل تأكيد يشكل من خلال الرواية الغربية والشكل الاخر هو شكل الرواية التاريخية، وهو ايضا شكل غربي تميز به ولترسكوت ابو الرواية التاريخية حيث تقوم الرواية على السرد التاريخي الذي يتخلله سرد اخر عاطفي يكسر حدة الجفاف السردي التاريخي الذي قد يبدو مملا في كثير من الاحيان
وبداية من الخمسينيات ومع الستينيات تحديداً بدأت الرواية العربية تأخذ شكلها المتميز عن طريق التشاكل مع الواقع من خلال روايات نجيب محفوظ ومن خلال روائيين عرب عديدين ظهروا في كل الاقطار العربية
ومن خلال تطور الرواية العربية الجديدة فإن شكلها هو الذي اخذ يجسد هويتها بعد احتفالها بالنموذج التراثي وبالسرديات التراثية كنماذج الحكاية الاطارية في الف ليلة وليلة والسير الشعبية والمقامات والحكايات والنوادر والطرف والاخبار والاساطير والخرافات والتصوف والسخريات والمهازل والجدل الفلسفي والقصص العاطفي والتواريخ وكل ما يحمله التراثي والشعبي من بنى ثقافية ومعيشية لتبدو الرواية وكأنهاحالة من حالات التناص مع المخزون التراثي، وهذا ما جعل رواية ·حديث عيسى بن هشام للمويلحي المولودة من المخزون التراثي تتفوق في الدراسات الجديدة على رواية ·زينب التابعة للثقافة الغربية من الناحية السردية الشكلية
لكن تبقىمسألة البحث عن خصوصية للرواية العربية هي المسألة الاكثر فاعلية في ثقافة القرن القادم فإذا كانت العولمة تسعى الى خلق النموذج الكلي من خلال هيمنة النموذج الغربي على الثقافة العالمية فإن الخصخصة هي المعركة الحقيقية التي يجب ان تسعى ونسعى من خلالها الى كسر نموذج التشابه الذي يعني قتل الروح القومية او العقائدية لصالح الانفتاح الاستهلاكي لا أكثر ولا أقل بالنسبة للعالم الثالث
ومن هنا يصبح البحث عن النموذج المحلي وتجليته هو المركزية التي تضع اي امة في مصاف صناعة القرار لا استهلاكه ثقافيا واجتماعيا واقتصادياولنا في النموذج الياباني الصناعي والثقافي مؤشر فاعل للاستقلالية داخل هيكلية العولمة
والرواية العربية بالتالي استطاعت من وجهة نظري ان تنجز نموذجها المستقل عن الرواية الغربية من خلال احتفالها بتشكيل بنية تستمد اشكالها من التراث والخاص المحلي اكثر مما تستمده من الغرب، لذلك اصبحت رواية منجزة على طريقة روايات الغيطاني وحبيبي وكنفاني والمشري وغيرهم وهي الروايات التي يمكن ان يقرأها القارئ العادي والمثقف، ويجد كل منهما مستواه فيها نتيجة احتوائها على عدة مستويات من الوعي والثقافة، لا ان تصبح الرواية بنية غير مفهومة وهي تفعل الوجودية مثلا، او السريالية، او البوهيمية أو المونولوج الداخلي او ما الى ذلك
يضاف الى ذلك ان الروايات المفتوحة في معالجة القضايا المصيرية للامة العربية هي بكل تأكيد روايات استمدت شكلها من قالبها التسجيلي بالدرجة الاولى فهي روايات تتعالق مع الواقع عن طريق التسجيلية او التسجيلية السحرية او الواقعية الاجتماعية وهذه الاشكال ليست حكرا على غرب او شرق لانها نوعية من نماذج التشابه التي لاغنى عنها في توصيف اي واقع وهي بالتالي سمات مشتركة مثل الهواء والماء والنار
ومن هنا يصبح نموذج الخصخصة هو النموذج الذي يحيلنا الى تراثنا الممتد على طول الفين وخمسمائة عام تقريبا من التدوين او الرواية المتواصلة وفي ضوء هذه العلاقة مع التراث الثقافي تستطيع الرواية العربية ان تؤكد حميميتها مع الواقع الثقافي والحياتي المعاصر الذي نعيش فيه وبالتالي ترفض ان تكون بنية تاريخية انتهت او بنية غربية مشوهة فهي عندما تستحضر الماضي تستحضره لتفعيله مع الحاضر أملا في الوصول الىانتاج المستقبل، وهذه هي الخصوصية الفعلية المنتظرة من الرواية العربية مع بداية القرن الواحد والعشرين
وما حملته تظاهرة مؤتمر الرواية الاخيرة في لقاء القاهرة كان عليه ان يسجل -من وجهة نظري- ضرورة ثقافية يجب ان تسعى الى اعادة اللحمة بين المتلقي والنص، خاصة وان النص الابداعي عموما اخذ يعاني في الفترة الاخيرة من مأزقية الانقطاع عن المتلقي وأصبحت الكتابة الابداعية تعيش انعزال ·الحداثة الغامضة او انعزال ·الكتابة المشبوهة او انفتاح الكتابة المثيرة الرديئة!! وفي كل الاحوال تكون الكتابة الابداعية الحقيقية هي الخاسرة
وعلى أية حال فان لدينا كما هائلا من الروايات العربية التي أرخت مسيرة الانسان والمجتمع في القرن العشرين مما جعلها تتمتع بميزة ·ديوان العرب هذه الميزة التي لم تلغ دور الشعر الابداعي والثقافي، او دور الاجناس الادبية الاخرى
وانماهي ميزة جمالية نابعة من جمالية التواصل بين السرديات والمتلقين
وما يمكن قوله بالتالي عن خصوصية جمالية للرواية العربية لايخضع بكل تأكيد لان تكون الروايات مستودعاً للإثارات غير المبررة جماليا، كأن تكون الكتابة علاقات جنسية فضائحية، فهذه المسألة بكل تأكيد هي القبر الذي يحيل الرواية الى فعل مراهق نراه بشكل واضح في الافلام التجارية وفي الفيديو كليب
وتبقى مسألة البحث عن خصوصية للرواية العربية مسألة مفتوحة يمكن الاجابة عليها من خلال الحديث عن خصوصية عربية لأية موضوعية ثقافية او حياتية اخرى تخص الواقع العربي تحديدا


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved