على الهامش
مسافر
حسين المناصرة
قبل
ان تبدأ الامسية الشعرية التي احياها الشاعر مسافر في خيمة جمعية الثقافة والفنون كان هناك شبه حديث جانبي يدور حول ضرورة تكريم المبدعين قبل ان يمرضوا او يموتوا - بعد عمر طويل - خصوصاً أن كثيرا من الذين كرموا بعد موتهم ومنحوا الجوائز التقديرية والمالية، كانوا يعانون من الضياع والفقر المدقع قبل موتهم,
فما الذي يمكن ان يجنيه المثقف المسكين من الاحتفاء به بعد موته؟!
سؤال خطير!!
لكنه بكل تأكيد لا يحتاج الى اجابات من نوع تكفيه الشهرة، ويكفيه انه لم يمت بعد موته!!
ليس هذا هو موضوع هذا الهامش، فلنعد الى شاعرية مسافر هذا الاسم الممتلىء بالدلالات الثقافية والابداعية، على اعتبار ان اللغة الشعرية لديه ما زالت لغة سفر بين المتلقين ، لا لغة حداثة مغلقة منغلقة على ذاتها كما حاول ان يختزنها بعض الشعراء في قماقم ثقافة الصفوة!!,
فما زال الشاعر مسافر يعد من الشعراء المقرونين في مستويات القراء العاديين؛ لان قصيدته - كما يهيأ اليّ - حافظت على التوازن ما بين الوضوح والغموض وما بين جدية التحديث واصالة التعبير خصوصاً أنه يمتلك شرطي الكتابة من خلال الشكلين المنفصلين: العمودي ، والتفعيلة ، او المندمجين معا في قصيدة واحدة تبدو وكأنها حالة من حالات التداخل بين الاجناس الشعرية في سياق من سياقات الكتابة الجديدة,,,
لكنه رغم كونه يكتب القصيدة العمودية، الا ان تجربته الأكثر فاعلية تبدو وكأنها - من وجهة نظري على اقل تقدير - متجلية في ثوب قصيدة التفعيلة، هذا ما يظهر في ديوانه الاخير: عيناك يتجلى فيهما الوطن ,, فقصيدة التفعيلة لديه ممتلئة بافعال التأمل والملحمية والتصارع والتدفق الشعري,, وهي قصيدة ذات سقف تراجيدي يكشف امتداد الرؤية لدى الشاعر في تشكيل العالم الموضوعي الذي يعيشه الانسان العربي المثقف اليوم,
في حين يغلب على قصائده العمودية طابع التعجل والاختزال,, خصوصاً ان اغلب القصائد في هذا المجال تعد قصائد غنائية عاطفية الى حد ما,
وبشكل عام فان ديوانه الاخير يتدفق باربع مفردات رئيسة تشكل الفضاء الشعري لديه، وهي مفردات الوطن والمرأة والطفولة والذات,,
فالوطن يبتدىء من حبة الرمل ليمتد ويشمل الخارطة العربية كلها,, ثم الاسلامية بعد ذلك، يقول الشاعر من قصيدة يوميات شيخ بوسنوي ,
إله العالمين,,!!
العالمون,, تقاسموا الادوار
واقتسموا المدائن والبنين وامهاتهم
اليك المشتكى
القى على جسد الثرى
دمع الوداع ,,لعل يوما,, ما
خميس الصابرين
يعيد عافية البلاد
وتزهر الآلام والدم والدموع
مواكبا للنصر
ترتفع المآذن
اكبر,, الله اكبر ص 60,
والمرأة بتعددية وجوهها هي اللفظة المؤنثة الأكثر امتلاء باقنعة الترميز لتصبح كينونة التوهج الشعري من خلال اندماجها مع الوطن، حيث يتجلى الوطن في العينين كما يظهر من عنوان الديوان، وتصبح المرأة سيدة الشعر المتوهج:
لا تثريب,, فاني اتوهج
في سخط الشعر المسكون بمأساتي
كم أتمنى - يا سيدتي -
ان يصبح حبك لي مأساة
اتعلق في اهداب البرق
وادخل,, اعماق الموج
وابدأ ترحالي
عبر الشفق الممتد باطراف الافاق
واشفق - ياملهمتي -,,!!
ان يبلغ امر اللحظات المأهولة فيك
مداه ص ص 78 - 78
والطفولة هي الامل او الجيل القادم او المنقذ الذي ينسج من خلاله الشاعر لغة التفاؤل
بمستقبل يخرج من حاضر منهك:
أطفالنا,, - عفوا -
اذا طالت اظافرنا
ومزقنا بها اجسادنا
لا تقنطوا ,, لا تغضبوا,,!!
أنتم لنا الوطن الجديد
وانتم الوهج
الذي ينمو على احداقنا
ضموا الجراح
لعل مأساة الهوان
تموت في اعماقنا
وتميت في اوصالنا هذا الوهن ص 32
والذات دينامية لولادة اللغة الشعرية المتوهجة، وهي تحمل رؤية عميقة للحياة والانسان المتعدد في واحد يعني بالتالي ان الشاعر ضمير الانسان المعبر عنه كفكرة داخل اللغة الشعرية:
وعند آخر الابواب:
كنت,, قد نسيت:
خُرجَ ناقتي
وقربتي
وصورة لقريتي
وبيت شعر كنت قد كتبته الى حبيبتي
وسيف صاحبي أبي دجانة ,
وحكمة حفظتها عن والدي
وزاد ذلك النهار ص ص 63 - 64
ان قصائد التفعيلة ,, قصائد منعشة ,, وهي قصائد مترعة بالجمالية المتدفقة,
بالدلالات والموسيقى,, هذا ما نجده في قصائد: أنت لي,, ونحن والحرف والوطن/كانت لنا لغة جميلة / النبتة البرية/ أضغاث أحلام/ الاعتراف/ المجد أنت والحجارة صولجانك/ الشنفرى يدخل القرية ليلا,,
يقول الشاعر من قصيدة الانتفاضة المجد أنت, والحجارة صولجانك :
وطن,, يفيض الماء في جنباته
ريا زلالا ,,قام يهبط خشية
سهم اذا عزت سهام أمية
واليه ,, تنتسب المروءات
التي احتفلت بعزتها مضر
الطفل هذا ثورة
حتى تقول الارض ,,لا حجر هناك
ولا هنا بقيت حجر
الطفل هذا,, ثورة
مست موات الأرض
افئدة الرجال
اليه نصر الله جاء على قدر ص 86,


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved