على الهامش
حسين المناصرة
الثقافة المهرجانية
المهرجانات الثقافية، واللقاءات والمؤتمرات الإبداعية دليل على احتفالية خاصة توجهها الدول والمؤسسات الى الثقافة والمثقفين، لكن هذا الفعل الثقافي قد يأخذ في أحيان كثيرة صياغات قد يجعل من كثير من المثقفين والمبدعين لا يفضلون المشاركة في مثل هذه المهرجانات، لا لشيء، وإنما لعدم الانسجام النفسي مع ما يطرح وفق برمجات ثقافية ترضي أو لا ترضي، والمثل يقول: إرضاء الناس غاية لا تدرك ,
وكلنا يدرك ما تحمله أية حركة ثقافية محلية تندمج مع الآخر من توهج أثناء فترات المهرجانات الثقافية، حيث اللقاءات الثقافية التعارفية والتواصلية بين مجموعة كبيرة من المثقفين، ليفضي مثل هذا التجمهر الى امتداد وانتشار الثقافة المحلية من خلال حركية العلاقة مع الآخر المشابه والمغاير، لتصبح بنية التواصل هذه تيمة مركزية تحرص عليها البنى المؤسساتية؛ لأنها كينونة التواصل ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً، ومن خلال هذا التواصل يمكن ان تطرح قضايا إشكالية قد لا تطرح في مكان معين لا تسمح قوانينه بمثل هذه التجمعات,
ويمكن أن أشير على سبيل المثال الى محوري هذا العام والعام الماضي في الجنادرية، إذ إن اشكاليتي الاسلام والغرب من جهة، وا لثقافة العربية داخلياًوالآخر من جهة اخرى من أهم الاشكاليات المطروحة على مستوى القضايا العربية الثقافية المحورية التي اصبحت ملحة في هذا الزمن الذي نقبل فيه على القرن الواحد والعشرين ونحن في اشد الحاجة الى مناقشة قضايانا المصيرية مناقشة علمية واعية، لا خطابية استهلاكية، كما أن مهرجان الرواية العربية الذي عقد مؤخراً في القاهرة يفضي بطريقة أو بأخرى الى سياق ثقافي ناضج يستطيع أن يقدمه أي مهرجان ثقافي يطرح اشكاليات ثقافية جذرية,
ومع كل ما يحرص عليه القائمون على أي مهرجان من تقديم الاحتياجات اللازمة لإنجاح اللقاءات كافة، إلا أنه سيبقى هناك بعض القضايا الناقصة التي يمكن ان تكون مجدية اذا طرحت بشكل فاعل لتكون مؤشراً للتقدم بأية تظاهرة ثقافية مهرجانية تسعى دوماً الى الأفضل، إذ تصبح الأخطاء هنا وسيلة من وسائل التقدم لا وسيلة من وسائل التعويق والارتكاس,
ومن وجهة نظري المنبثقة من التواصل مع الآخرين أعتقد أن مسألة التنبه لبعض الضروريات المستجدة دوماً قضية جوهرية يجب أن تأخذ بها أية مهرجانات ثقافية دورية، ومن هذا المنطلق، يمكن أن أشير إلى التالي:
،1- أليس من الضروري ألا يتكرر المدعوون سنوياً إلى أي مهرجان، وذلك لكي تتاح الفرصة لأكبر عدد من المثقفين والمبدعين محلياً وعربياً وإسلامياً وعالمياً على أن يساهم كل منهم بطريقته الخاصة المختلفة في أي حشد ثقافي، خاصة وان إتاحة الفرصة لأعداد غير متكررة ستجعل من فضاء المكان المهرجاني فضاء منفتحاً على المثقفين والمبدعين أينما كانوا ومهما كانت رؤاهم واتجاهاتهم، لأن الاختلاف ظاهرة صحية ما دام هذا الاختلاف سياقاً مشروعاً، وبه وجهات نظر تسعى منطقياً إلى الانجازية لا العصبوية,
،2- كأنه من الضروري أن تنظم الندوات واللقاءات الحوارية بصورة أكثر فاعلية مما تبدو عليه أحياناً، ولعل الاقتراح المعقول في هذا الجانب هو أن تكون الدراسات أو الملخصات عن الندوات والمحاضرات معدة مسبقاً، وأن تكون قد وصلت الى اللجان الثقافية قبل ستة شهور على الأقل من زمنية المهرجان، بمعنى أن تسعى اللجان الثقافية منذ انتهاء كل مهرجان دوري الى تحديد محور الندوات القادمة، وأن تخاطب بهذا الشأن الجامعات واتحادات الكتاب العربية وغير العربية والمؤسسات الثقافية الأخرى للمشاركة، وأن تطلب من الراغبين في المشاركة أن يبعثوا بدراساتهم خلال ثلاثة شهور من تاريخه، وبذلك تنقطع الطريق على الذين يكتبون دراساتهم أو مقالاتهم، وهم جالسون في الطائرات، كما يُروى في حالات كثيرة، لتأتي بالتالي المقاربات في المحاور ظنية غير موثقة، وقليلة الفائدة,
،3- إن الوقت الذي يعطى لكل محاضر هو وقت مدروس بعناية، لأنه لا يستحق المحاضر الواحد أكثر من عشرين دقيقة، إذا كان مشاركاً في سياق متحدثين آخرين، لذلك لا يحق لأي محاضر مهما كان موضوعه أن يستعرض عضلاته في حق ليس من حقوقه، وكان من الأجدر به قبل أن يلوم الوقت أو اللجان الثقافية أن يلوم نفسه لأنه لم يكن بقدر المسئولية التي حمَّلها لنفسه عندما عجز عن تلخيص ورقته في عشرين دقيقة، إذ كان بامكانه أن يقدم دراسة طولها على راحتها للجان الثقافية، لكن عليه أن يختزل هذا الكم في عشرين دقيقة فقط أتيحت له في زمن المحاضرة,
،4- يرى بعضنا، ومن غير حساسية، أنه من الضروري على معدي الأمسيات الشعرية أن يراعوا مستويات الشعراء، بمعنى يجب ألا يوضع الشاعر المبتدىء بجانب الشاعر المحترف، وهنا يجب أن تراعى ذوقية المتلقين، الذين لم تعد تعجبهم هذه الهوة بين شاعر وآخر، خاصة وأن الشعر حالة نفسية، وليس في هذا تعريض بشاعر ما، وإنما هي وجهة نظر، فليس من المعقول أن يوضع شاعر كان ينشر قبل الأمسية بمجلة في زاوية أقلام واعدة ثم يمسي في الأمسية بجانب شاعر مشهور له عشرة دواوين أنتجها في ثلاثين عاماً,
ونهاية لايمكنني إلا أن أقول: ما أجمل الجنادرية وهي تتألق بالتواصل الثقافي، لتصبح مساحة زمانية ننتظرها من عام إلى عام؛ حيث الجلسات الثقافية في ردهة الفندق حالة من حالات التواصل المتميزة في طرح الهموم الثقافية التي أصبحت فيها الكتابة هما لا يحتمل تذكرنا دوماً بذلك الشعار الذي طبع فوق جباه المثقفين المنهكين البائسين: أدركته حرفة الأدب ,, وبكل تأكيد هناك من أسعدته حرفة الأدب


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved