رؤى وآفاق
دعوة إلى مباشرة التعليم
تحصيل العلم إنما يكون بالتعلم والتعليم، فإذا اكتفى المتعلم بتحصيله في أيام دراسته فقد ابتعد عن العلم، ان مهنة التعليم مهنة شريفة باشرها أفضل الخلق نبي هذه الأمة صلى الله عليه وسلم، فقد كان يجلس في المسجد للتعليم والصحابة حلقة من حوله، ولا يستطيع أحد أن يقول ان الرسول يدرس في المسجد لأنه قليل الأعمال، فكل أعمال الدولة الاسلامية يتحملها المعلم الأول ومع ذلك يجلس للناس ويعلمهم، وقد سار الصحابة على نهجه صلى الله عليه وسلم، فالخلفاء الراشدون معلمون يباشرون التعليم في المسجد بالاضافة الى خطب الجمعة والعيدين، مع ما هم فيه من تحمل مسؤولية الدولة المترامية الأطراف
وكثير من الصحابة معلمون جلسوا للتعليم في المسجد مثل أبي هريرة وعبدالله بن عمر وأبي موسى الأشعري وغيرهم وكانت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تباشر التعليم من وراء حجاب، واذا التفتنا الى علمائنا الذين أثروا المكتبة العربية الاسلامية وجدناهم معلمين؛ باشروا التعليم والتدريس مثل عبدالله بن عباس والإمام مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل، والأصمعي وابن الأنباري وابن جني والأعلم الشنتمرى وغيرهم
واذا كانت العصور الإسلامية المتتابعة قد اشتهرت بمباشرة التعليم من قبل العلماء فإن عصرنا هذا قد أطل علينا بشيء جديد هو أن العلماء يُنظّرون، ويجلسون حول المنضدة الساعات الطويلة في كل أسبوع من أجل التنظير، ولو قلت لأحدهم خذ ساعة واحدة في الأسبوع من ساعات التنظير وباشر التعليم في أقرب مدرسة الى مكتبك لو قلت ذلك استغرب ذلك منك لأنه اعتاد على البعد عن التعليم
ان التنظير اذا لم يتكىء على قاعدة من التطبيق فهو بعيد عن الواقع ان الذين يجلسون حول منضدة التنظير هم في امس الحاجة الى مباشرة التعليم، وإنني أدعو هؤلاء في وزارة المعارف ورئاسة تعليم البنات الى مباشرة التعليم، فوزير المعارف بإمكانه تدريس حصة في الشهر - في تخصصه - في أقرب مدرسة الى مكتبه: ثانوية أو متوسطة أو ابتدائية، ويفرض لهذه الحصة من الوقت مثل ما يفرض لاجتماع شهري، وكل مسؤول في وزارة المعارف له صلة بالتعليم من وكيل أو وكيل مساعد أو مدير تعليم لابد له من مباشرة التعليم؛ إن كان هؤلاء ينظرون الى التعليم نظرة احترام، أما التعلل بكثرة الأعمال فهو عذر غير مقبول لأن المسؤول لو طلب منه الاشتراك في اجتماع أسبوعي أو شهري لقبل ذلك، وفرض له من وقته، وما أقوله للمسؤولين في وزارة المعارف أوجهه الى المسؤولين في رئاسة تعليم البنات، ومن المعروف ان التدريس في مدارس الرئاسة عن طريق الدائرة التلفزيونية اذا كان المدرس رجلا
ان البعد عن التعليم يحدث الخلط في الأمور التنظيرية، والقرب من التعليم يقربنا من الطرق الموصلة الى الحلول
واذا كان رجال التعليم في وزارة المعارف ورئاسة تعليم البنات قد استمرأوا البعد عن مباشرة التعليم فماذا نقول لاعضاء هيئة التدريس في الجامعات ممن يتولون أعمالا ادارية وابتعدوا عن التدريس؟ ان القول الفصل في هذه المسألة هو الرجوع الى القاعة والشروع في المحاضرة، أما الاكتفاء بالجلوس حول منضدة اجتماع مجلس الجامعة أو اجتماع المجلس العلمي أو اجتماع مجلس الكلية فهو بعد عن العلم و زيادة تنظير
ان مباشرة التعليم في مدارس التعليم العام، ومباشرة المحاضرة في قاعات الجامعة شرف للمعلم وزيرا أو مدير جامعة أن مدير تعليم أو مدير مدرسة أو عميد كلية هذا اذا اردنا أن نُعزّ التعليم، ونقول: نعم هو يشرف صاحبه، أما قول هذه الكلمة باللسان فقط وترك التعليم والمحاضرة للآخرين، واستمرارنا رجال التعليم في التنظير حول المائدة المستديرة أو المستطيلة فإن ذلك ليس في خدمة التعليم
د عبدالعزيز بن محمد الفيصل


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved