اللغة نقل، وعقل، وقاعدة منهما
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبد الرحمن: الدكتور الصاعدي مولع بالتلقين الافتراضي المدرسي عن دعوى الإلحاق الذي نتيجته: تأدبب!!,
وإذا قلت له: أريد الحجاز من الرياض، فوجدت طريق قنيفذة مسدوداً،فتياسرت على طريق القويعية؛ لأنه أسهل وأقرب: قال: بل عليك ان تسلك طريق قنيفذة، أو تتيامن عن طريق شقراء,, هكذا فعل تماماً,, قلت له: يا ابن الأجواد لا شأن لي بالإلحاق، وقيود الإلحاق لا تحكمني، لأنني أحول صيغة إلى صيغة بطريق النحت، والنحت مشروع في الجمل، فقيل: الحوقلة، والبسملة، والحمدلة، فكيف يمتنع من المفردة,, والعرب تأخذ المعنى الجديد للصيغة القديمة، وتحول الاسم إلى فعل مثل جلده ورأسه؟!,
وكلما ألقمته العنان التقم يدي، وما ألجمته إلا بعنان حق!!,
ثم جاء الصاعدي بكلام مضطرب غير مفهوم، وما فهم منه فهو خارج دائرة الحديث,, قال عني: ومنها ]يعني من أغلوطاتي الجديدة[ أن الشيخ الفاضل لم يزل يتشبث بخيط المعنى في بناء اسم الفاعل,, مع أن الأساس فيه هو البناء الصرفي للكلمة قبل المجيء باسم الفاعل على نحو ما قرره علماء التصريف,, وكأنه نسي المشترك اللفظي في اللغة العربية وهو ما اتفق لفظه، واختلف معناه؛ فالفعل وجد مثلاً له معان متعددة كأن يكون بمعنى حزن، أو غضب، أو علم، أو أصاب شيئاً، او استغنى,, ومع ذلك لا يتغير اسم الفاعل من ذلك؛ لاختلاف المعاني,, وهل فات الشيخ أن هناك كلمات من الأضداد تدل على المعنى وضده ومع ذلك لا يتغير اسم الفاعل فيها كالسارب بمعنى المتواري، وبمعنى الظاهر,, والدائم هو الساكن او المتحرك ]الصواب واو الجمع لا أو التخيير[,, ومثل ذلك كثير، واسم الفاعل لا يتغير لتغير المعنى الى الضدية اه,
قال أبوعبد الرحمن: ها هنا أمور:
أولها: لأنه لا يعلم إنسي ولا جني معنى خيط المعنى في بناء اسم الفاعل !!,
وثانيها: أقول معه: نعم لا يحوّل اسم الفاعل - ولا أي وزن من الأوزان - إلى صيغة أخرى إلا بعد صحة التصريف بمقتضى القاعدة المستقرأة من كلام العرب,,وهذا غير وارد علي؛ لأن المتنحوي اسم فاعل من الفعل تنحوى المنحوت من كلمة النحو الدالة على العلم المعروف,, فما معنى هذا الخبط والتلبيس في ذكر اسم الفاعل والبناء الصرفي للكلمة؟!,
وثالثها: ما علاقة المشترك اللفظي، وما اتفق لفظه واختلف معناه بمسألتنا؟,, هذه أم المراد التكثر والتشبع؟!,
ورابعها: أنه ذكر ثبوت اسم الفاعل,, يعني أن صيغة اسم الفاعل لا يتغير معناها بتغير معاني المواد,, قال ابو عبد الرحمن: ومن قال: إن معنى الصيغة يتغير بتغير معنى المادة، وما الغرض من إيراد هذه التحفة وهي لا تعارض حرفاً واحداً من جميع ردودي عليه؟!,
وفي أي كتاب، أو جريدة، أو شريط، أو حديث مجلس وجد فيه أن أبا عبد الرحمن يزعم تغير معنى الصيغة بتغير معنى المادة؟!,
ومع هذا أقول للصاعدي: هذه الحقيقة لا تعارض الحقيقة الكبرى التي تجعلني أختار صيغة من صيغ اسم الفاعل دون صيغة تبعاً للمعنى الذي أريده، فأقول: المتنحوي,, ولا أقول: الناحي، أو المتناحي، أو المنتحي,, إن عدم تغير معنى صيغة اسم الفاعل بتغير معنى المادة لا يعني أن صيغة اسم الفاعل وزن واحد، بل هي تبع الفعل من ثلاثي فما فوقه؛ فتقول: واجد، ومتوجِّد، ومستوجد,
وما دام ربنا فتح على الصاعدي هذا الفتح: فما باله نسي أن تعدد معاني الصيغة لا يغير معنى واحداً من معاني المادة، بل يُصرِّف احوالها كما سلف؟!,
ثم ما علاقة هذه اللفتة بمحل النزاع؟,, ان افعال مادة النون والحاء والحرف المعتل قبل اشتقاق المعنى لعلم النحو المعروف قابلة لأسماء فاعلين بصيغ متعددة بعدد صيغ الأفعال التي تسمح بها هذه المادة,, ثم بعد اشتقاق المعنى لعلم النحو قبلت المادة بالنحت فعلاً جديداً مأخوذاً من الاسم هو تنحوى واسم الفاعل منه المتنحوي,, ولا يقول العلماء عن صاحب علم النحو: الناحي,, التفاتاً الى المعنى المشتق منه، وانما يلتفتون الى المشتق ذاته، فيقولون: نحوي بالاضافة الى المشتق,, ولك أن تنحت من المنسوب فتقول تنحوى واسم الفاعل المتنحوي كما تقول: تأمرك فهو متأمرك، وذلك من أمريكي، وتبغدد فهو متبغدد من بغداد,
وخامسها: أن ما ذكره من عدم تغير اسم الفاعل في المتضاد لا علاقة له بموضوعنا، وقد أسلفت الأمر فيه في كلامي عن واجد، ومتوجد، ومستوجد,, والتضاد والترادف لا يقعان في لغة العرب البتة وضعاً ومطابقة، وإنما يردان في معنيين أحدهما مجازي، أو كلاهما مجازي,, وورودهما نتيجة نمو في الاستعمال، وليس نتيجة وضع أولي, قال أبو عبد الرحمن: ويظهر من تعريضات الصاعدي الساذجة - حينما يعرض بأصالة علمي اللغوي في اكثر من مناسبة قرطاسية في هوامش بعض الصحف-: أن لديه علماً جديداً مخزوناً ينفي ما هذبه الفحول منذ عصور التدوين؟! وإذن فيا ليته يخوض فيما ينفع، ويمسح خيوط العنكبوت عن المتنحوي!,
وقال الدكتور الصاعدي: هل يقبل منه ]أي من أبي عبد الرحمن[ أن يقول: أنا أقول: المتنحوي؛ لأن مرادي غير مرادك، والمعنى غير المعنى؟,, وهل اختلفنا في المعنى؟!,
قال أبو عبد الرحمن: إي وربي، فلا يقبل إلا ما قلته؛ لأنني لا أريد طريق قنيفذة طريق الإلحاق الذي هجيري الصاعدي به، وانما أريد طريق النحت الصحيح الذي هو الضرورة المتعينة لكل علم استجد معناه، فعرف بالاسم، فاحتاج الى فعل منه,, ولأن الصاعدي ذهب إلى فعل يائي، والنحو مشتق من فعل واوي,, ولأن المتنحي للمبتعد والآخذ بناحية، وليس للفقيه بالفاعل والتمييز والبدل والاستثناء والحال,
وخير وأزكى - عند الله، وعند الخلق، وعند أصيحاب الصاعدي بطيبة الطيبة - أن يكتب سطرين يرجع فيهما إلى الحق، ويترك اللجاجة بالباطل، لأن الصدق حبيب الله ونحن في مجال الصدق العلمي، ولأن الصخرة توهن وتوهي كل ذي روقين,
وأشهد من حضر كلامنا معاً أن الدكتور الصاعدي يجرح المؤهل العلمي الكريم، لأنه آخذ بصفة المنقطع في الحجة، المصر على المغالطة والعناد، المتنقل من دعوى الى دعوى، المتكثر بما لا مدخل له في محل النزاع، وذلك لسببين جوهريين:
اولهما: أن كل حلقاته اعادة لدعواه بأساليب مختلفة - دون جمال أدبي، او اضافة نكتة ذات اعتبار -، وغفلة عن براهيني، وتجاهل للزومها له أو انفكاكه منها,, ولو كان صاحب برهان لكف عن تكرير دعواه، وانتقل إلى ما أوردته عليها من براهين ساطعة: من كون المتنحي من اليائي والنحو من الواوي، وكون المتنحي للمبتعد وليست لحرفة سيبويه، وأن المشتق يؤخذ من المشتق منه ثم يكون معناه غير معناه، وأن المشتق إذا اكتسب استقلاله الاصطلاحي الخاص او العرفي العام أصبح أصلاً تنحت منه الصيغ اللازمة له، وأن النحت باب نمو صحيح صريح في لغة العرب، وأن دعوى الإلحاق الافتراضية ليست هي الطريق المتعين لنمو اللغة,
قال أبو عبد الرحمن: لو جنينا على لغة العرب بهذا الجمود الصاعدي لكان العرب يحتاجون إلى لغة جديدة!!,
وثانيهما: أنه يلح على التمسك بمسألة الالحاق الافتراضية التي افترضها العلماء لتعليم الطلبة على الانتقال من صيغة الى صيغة - لمعنى يراد - وفق قوانين التصريف المستنبطة من الصيغ المسموعة حينما تحول إليها مواد اللغة,, تمسك بهذه المسألة في غير مجالها على الرغم من أنني بينت له مراراً أن مأخذي ليس من دعوى الالحاق الافتراضية، وان سبل التصرف والنمو اللغوي أوسع من هذا المنعطف,, ولم أزعم قط ان مأخذي من الالحاق وانما اراد الزامي سلوك ثنية وعندي محجة لاحبة,
واستمر أخي الدكتور الصاعدي يخلط ويملط فقال عني: والشيخ ينكر الاشتقاق، فليست كلمة عالم ومعلوم ومتعلم ومتعالم وتعليم من العلم أو من علم,, بل ذلك تحويل من صيغة إلى صيغة,, وفاته أن التحويل من شيء الى شيء لا يقتضي العلاقة بين الشيئين,, والعلاقة لازمة في الاشتقاق؛ ولهذا اجمع علماء العربية على القول بالاشتقاق إلا من شذ منهم، وهم قلة ,
قال أبو عبد الرحمن: في هذا تمعلم كثير، وفيه علم وراقين!!,, يحتج بأن التحويل من صيغة إلى صيغة يسمى اشتقاقاً عند الجمهور,, ونتيجة هذا أنه يفترض غياب العلم عني باختلاف العلماء في الاشتقاق وأنا تلميذ ابن فارس والأزهري والراغب وابن حزم!!,
إن إطلاق الاشتقاق على تحويل الصيغ مجاز غير موفق كما سيأتي بيان ذلك في هذه الحلقة إن شاء الله,, وعلوم اللغة ليست قطعية ولا نهائية، بل هي بدايات,, آية ذلك الفتوح العظيمة في علوم اللغات المعاصرة,, والعلماء في تأليفاتهم يتناولون مسائل من سبقهم جمعاً واختصاراً وشرحاً، ثم يندر بين الحين والحين وجود عالم يترك حرفة الوراقة، ويتلقى الأصول بالنقد والتمحيص,
قال أبو عبد الرحمن: إنني أرد العلم، واختلاف العلماء - في علوم اللغة التأصيلية - إلى متون اللغة ذاتها، وإلى بدائه العقول وضروراتها، وإلى القواعد الحتمية التي أخذها العقل من المتن؛ لأن اللغة نقل، وعقل، وقاعدة منهما,, وللسابق إمامته فيما أصاب فيه، وله على اللاحق ريادته في تصحيح اللاحق خطأ السابق في مسألة بصواب السابق في المسألة الأخرى,
وأما عناصر كلام الصاعدي فجوابها من وجوه:
أولها: أنني لا أنكر الاشتقاق، بل فتحت بابه منذ عقلت العلم، وكانت مراجعي الأولى في البحوث كتب ابن فارس، والخليل، وابن دريد، والأزهري، والراغب، وأساس الزمخشري، وكتب مصطلحات العلوم,, وأظنني - خبراً لا تزكية - حببت الناس في بلادي إلى هذه الكتب ولا سيما مقاييس ابن فارس من خلال وقفاتي في تفسير التفاسير، ومقالاتي، وكتبي,, وما عهدت للناس عناية بابن فارس قبل ذلك في بلادي,
وهؤلاء حريصون على جانب الاشتقاق المعنوي، والامتداد المجازي، وحصر المعنى الوضعي وصفته أنه جامع، والمعاني الفرعية الجامعة؛ لأن المجاز يكون مباشراً من المعنى الوضعي، ويكون مجازات بالواسطة من وراء وراء، فتكون مجامع المجاز جوامع فرعية,, وهذا هو الاشتقاق الحقيقي؛ لأنك تشتق المعنى الجديد من المعنى السابق؛ فيكون الحاصل أن المعنى الجديد حادث,, والاشتقاق في تحويل الصيغ مجازي افتراضي؛ لأنك تفترض أنك أخذت عالماً من العلم، ثم تفترض أن العالم معنى مستجد،فتسميه اشتقاقاً,, وهذا تجوز,, وهو مجاز مجاز ولو أطبق أهل الارض على تسميته اشتقاقاً!!,, والواقع ان العالم ليس معنى حادثا بل هو معنى موجود حولته الى صيغة موجودة هي الفاعل,, والعرب وضعوا الصيغ كما وضعوا المواد والروابط,, ولا اريد بالوضع ما اراده جمهور من المعتزلة من اتفاق جماعة من العقلاء على الرمز بلفظ معين لمعنى معين، وانما اريد بالوضعي الوضع الأول للفظ في استعمال الأمة المعروف بالحصر والاستقراء والجمع لمعاني المادة، سواء أكان الواضع الله سبحانه من الألفاظ التوقيفية المتوارثة بين الأمم، ام كان ارتجالاً، ام كان مشتقاً من لغات سابقة؛ فكان المعنى الواحد المشتق وضعاً للأمة اللاحقة,, فهل تعقل هذا يا صاعدي؟!,,
وثانيها: أن الصاعدي قال: وفاته ]أي فات أبا عبد الرحمن[ أن التحويل من شيء الى شيء لا يقتضي العلاقة بين الشيئين ,
قال أبو عبد الرحمن: ما هذا الخلط والملط، وكيف يحتج بما هو عليه لا له؟!,, إنه إن كان من شرط الاشتقاق وجود العلاقة بين المشتق والمشتق منه، وكان تحويل المادة الى عدة صيغ، ولا علاقة بين الصيغة والصيغة، ولا علاقة بين المعنى والصيغة: فمعنى ذلك تأييد مذهبي، وهو أن نقل المادة الى عدة صيغ تصريف لموجود، وتحويل موجود الى موجود وليس اشتقاقاً,
ولكنني أريحه من الحرج؛ فأقول حينما تحول فعل الضرب إلى ضارب فمعنى ذلك أنك أردت معنى للصيغة له علاقة بالمادة وهو بيان فاعله، وإذا حولت المنادمة الى النديم فمعنى ذلك أنك أردت معنى للصيغة له علاقة بالمادة وهو بيان بلوغ الفاعل الغاية في فعل المنادمة، وإذا حولت المنادمة إلى الندمان فمعنى ذلك أنك اردت معنى للصيغة له علاقة بالمادة وهو بيان بلوغ الفاعل الغاية في الاتصاف بالمنادمة وذلك هو الوجود بالقوة لا بالفعل,
وثالثها: أن العلاقة بين المعنى المشتق والمشتق منه هي شرط صحة الاشتقاق، وليست هي معنى الاشتقاق,, وإنما معنى الاشتقاق ان تستخرج معنى حادثاً من معنى قديم، فهذا هو حقيقة الاشتقاق، ولا يكون هذا إلا في المعاني؛ فالفزع مثلاً معروف، ثم اطلقت الفزاعة على حبالة الصائد لأنها تفزع الطير، او تفزع اليه فتعاجله، فالتسمية معنى استجد,, والشمم معروف المعنى، والشم معنى مشتق من الشمم استجد للرائحة؛ لأنها بعضو اشم هو الأنف, أما الصيغ فموجودة وضعاً في لغة العرب، ولكل صيغة معنى أصلي وضعي ومعان مجازية، وبتحويل المادة الى صيغها لا يكون ثمة اشتقاق؛ لأن الصيغة لم تستجد، والمعنى لم يستجد، وإنما حصل تحويل من معنى موجود، الى صيغة موجودة,, أفتعقل هذا يا صاعدي؟!,
ولهذه المداخلة بقية مناسبة تأتي، والله المستعان,


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved