على الهامش
حسين المناصرة
القصة القصيرة جداً
منذ
ان انشغلت الكتابة الجديدة بمسألة التجريب والبحث عن الاشكال الادبية الاكثر فاعلية في الانسجام مع طبيعة العصر الثقافية ونحن نعيش حركية التحولات التجليسية العديدة في الكتابة العربية الحديثة، وكانت خاصية انفتاحية الاشكال أو الأجناس الادبية بعضها على بعض، هي التيمة الجوهرية التي تعد من اهم بنى التحولات الابداعية الثقافية التي لامست مختلف الاجناس الادبية التقليدية المستقرة نسبيا في زمكانيات ما قبل القرن العشرين, لكن التحولات الفعلية في كثير من الأجناس بشكل واضح بدأت في موجة الستينيات تحديدا,
وما حدث في فضاء الكتابتين الرئيستين الشعرية والسردية، أنهما اصبحتا متطورتين بخطى متلاحقة اكثر بكثير مما حدث في العصور السالفة من جهة، وان التداخل بين اساليبهما في كتابة واحدة دامجة تبين الجنسين اصبحت على اشدها من جهة ثانية، ثم يبدو ان الكتابة الرئيسة الاكثر تطورا في مجالي الشعر والسرد توقفت الآن نسبيا على المستوى الشعري عند قصيدة النثر ، وعلى المستوى السردي عند القصة القصيرة جدا كخطابين أمسى لكل منهما خصوصيات بارزة شعريا أو سرديا من جهة ثالثة، وايضا تكون خطاب النص الذي اصبح من الصعب على المتلقي أن يقر بتبعيته للشعر أو تبعيته للسرد من جهة رابعة,
ويبدو انه في كثير من الأحيان ارتبطت الكتابة الجديدة بحساسية خاصة جعلت من النص الابداعي الجديد خطابا مفارقا لما كان مألوفا بشكل واضح عند مقارنة النصوص الادبية بعضها مع بعض، دون أن يكون هناك أية انقطاعات تواصلية ما بين حاضر الكتابة العربية وماضيها من جهة، وما بين هذه الكتابة والكتابة الاخرى التي اضحت لها سمة العالمية في عصر الانفتاح الثقافي بين الامم والشعوب,
فالقصة القصيرة جدا من هذه الناحية متواصلة مع الخبر القصير الشائع في التراث، وهي انتاج مرحلة زمنية معاصرة لها سمة التكثيف والاختصار في كل الأشياء,
وبعودة، فان سياق التحولات الابداعية التي انتجت الشعر الجديد والقصة الجديدة والنقد الجديد ,, الخ في مجال الأدب والفن، هو السياق الذي اصبح يميل الى تكثيف الكتابة الادبية والاشكال الفنية عموما الى اعلى درجات الكثافة الشعرية الممتلئة بالصور والاختزالات اللغوية والدلالات الترميزية الموحية,
ومن هذه الناحية يمكن الحديث عن القصة القصيرة جدا كنص أو خطاب أدبي جديد جدا، ولد بشكل فاعل في الثمانينيات وازدهر في التسعينيات تحديدا، وهو بالتالي لم يحظ بعد بأية كتابات تنظيرية أو تطبيقية نوعية، خاصة وان القصة القصيرة نفسها وهي الأم للقصة القصيرة جدا، وقد زاد عمرها العربي على القرن باستثناء تاريخ الارهاصات الطويل، لم تحظ هي الاخرى بدراسات نقدية بمستوى الدراسات التي كتبت في فضاءات الشعر أو الرواية أو المسرحية,
وربما كانت هناك اسباب كثيرة حالت دون الاحتفال بتاريخ فني جمالي ما للقصة القصيرة جدا التي اطلق عليها النقد في بعض تصنيفاته خطأ تسمية الاقصوصة، منها: حداثة هذا الفن، فهو مازال يمثل عن طريق حداثته دائرة الهامشية من وجهة نظر كثير من النقاد السرديين, وربما بسبب الجهل بقوانينه وآلياته، أو بسبب الفقر التنظيري في هذا الجانب، أو بسبب الرفض الثقافي الابداعي الرسمي المهيمن لمثل هذا التحول الذي يجيء غالبا على أيدي الكتاب الشباب، على اعتبار ان القصة القصيرة جدا وقصيدة النثر هما الجنسان الأدبيان الشبابيان اللذان ما زالا يناضلان في دائرة اكتساب الشرعية، وان كان الامر مختلفا بالنسبة للقصة القصيرة جدا مقارنة بقصيدة النثر، لأن معيارية الوزن محددة وجاهزة ومعيارية,,، في حين من الصعب الحديث عن معيارية واضحة يجدها القارىء غائبة عن جسد القصة القصيرة جدا, لكون هذه القصة القصيرة جدا يمكن ان تكون ذات حدث وشخصية وزمكانية، وتشويق وحبكة, ولكن بنسب مختصرة جدا قياسا لما يوجد في الرواية أو الرواية القصيرة أو القصة أو القصة القصيرة أو الاقصوصة، وهذه كلها تسميات تعني حجما لغويا اكبر من حجم القصة القصيرة جدا التي يمكن أن تقع ما بين سطر وعشرين سطرا,
لكن تبقى مسألة الكم اللغوي في القصة القصيرة جدا مسألة غير محسومة، الا انها في اي حال من الاحوال يجب أن تكون اقل من صفحة، بمعنى الا تزيد كلماتها على حدود مئتي كلمة تقريبا، والا تقل عن خمسين كلمة، اذ من المبالغة الشديدة ان يكتب بعض القاصين سطرا واحدا، ويدعي من خلاله ان ما يكتبه هنا قصة قصيرة جدا,
وفي كل الاحوال، فإن اللغة في القصة القصيرة جدا يجب أن تكون مكثفة متوترة لتصبح من الناحية الجمالية متشابهة الى حد كبير لقصيدة النثر وهي توغل في الصورة، أو وهي توغل في عاديتها اللغوية المألوفة المليئة بالمفارقات، وهنا يمكن أن يصاغ الكثير من القصائد انثرية في شكل القصة لاقصيرة حدا، وايضا ان يصاغ الكثير من القصص القصيرة جدا في شكل قصيدة النثر,
وهكذا من بين مصطلحات القصة القصيرة والنص والاقصوصة والخاطرة والخبر والقصيدة وقصيدة النثر ,, ولدت القصة القصيرة جدا، لتكثف ,, وتوتر,, وتؤسطر ,, وتبهر ,, وتحاول أن تعلن انها النص الاكثر اقترابا من المتلقي المتعب من عالمه الممتلىء بالتقطيعات والتشوهات والتناقضات والاستهلاكيات,, وان محاولات مقاربات هذه القصة القصيرة جدا من الضروري أن تتكىء الى حد كبير على مد جسور الانفتاح من خلال التناص بينها وبين الاجناس الاخرى التي ذكرت,, وتحت سقف مقولة خير الكلام ما قل ودل !!
فما اجمل الكثافة اللغوية الشديدة وهي تنتج في الوقت نفسه اكثر الدلالات عمقا وافصاحا عن رؤية، بل رؤى متعددة في اصوات متعددة يمكن ان تعلن عن نفسها في مستويات لغوية لا لغة واحدة شعرية، وهنا يبقى الفرق واضحا بين سرد ينمو من خلال تعددية الاصوات، وان كانت محدودة، وبين شعر ينمو من خلال صوت الشاعر الذي ينقل لنا عالما متعددا,
لم يكن القصد من هذا الهامش الدخول في عوالم قراءة القصة القصيرة جدا التي اراها من أهم عناصر الكتابة السردية في بدايات القرن الواحد والعشرين، وانما كان هذا الكلام مقدمة لاعلان أوجهه الى كتاب القصة القصيرة جدا في المملكة، كي يساهموا في اثراء كتاب مهم سيصدر عن القصة القصيرة جدا في العالم العربي يقوم بالاشتغال عليه الشاعر القاص الناقد طلعت سقيرق بعنوان: القصة القصيرة جدا، شهادات ونماذج والمطلوب من الراغب في المشاركة ان يكتب شهادة في حدود صفحتين، ويختار خمس قصص قصيرة جدا من انتاجه، ويبعث هذين المطلبين مع صورتين شخصيتين الى العنوان التالي:
طلعت سقيرق - سوريا، دمشق، ص,ب: 5663,


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved