معاني الأدب مادة وصيغة قبل مصطلحاته
أبو عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري
فذلكة:
قال أبو عبد الرحمن: لي عودة إلى مسألة المتنحوي، ولم أجعل الحديث موصولاً خشية الإملال: لهذا جعلت من مادة الأدب مستراحاً للمتعة والفائدة معاً,
***
المأدبة,, بضم الدال وفتحها:
قال أبو عبيد القاسم بن سَلاَّم الهروي ]- 224ه[: في حديث عبد الله رحمه الله: إن هذا القرآن مأدبة الله: فتعلموا من مأدبته,, حدثنيه أبو اليقظان: عن إبراهيم الهجري: عن أبي الأحوص: عن عبد الله,
وحدثنيه حجاج: عن شعبة: عن عبد الملك بن ميسرة: عن أبي الأحوص: عن عبد الله قال: إن هذا القرآن مأدبة الله، فمن دخل فيه فهو آمن,
قوله: مأدبة فيه وجهان,, يقال: مأدبة ]يعني بضم الدال[ ومأدبة ]يعني بفتحها[,
فمن قال مأدبة ]بالضم[ أراد به الصنيع يصنعه الانسان: فيدعو إليه الناس,, يقال منه: أدبت على القوم آدب أدباً,, وهو رجل آدب- مثال فاعل -,, قال طرفة بن العبد:
نحن في المشتاة ندعو الجفلى
لا ترى الآدب فينا ينتقر
ومعنى الحديث أنه مثل,, شبه القرآن بصنيع صنعه الله للناس لهم فيه خير ومنافع، ثم دعاهم إليه,
وقال عدي بن زيد يصف المطر والرعد:
زجلٌ وبله يجاوبه م
دف لخونٍ مأدوبة وزمير
فالمأدوبة التي صنع لها الصنيع,, فهذا تأويل من قال: مأدُبة,
وأما من قال: مأدَبة ]يعني بفتح الدال[ فإنه يذهب به إلى الأدب,, يجعله مفعَلة من ذلك، ويحتج بحديثه الآخر ]أي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه[: إن هذا القرآن مأدبة الله: فمن دخل فيه فهو آمن,
وكان الأحمر يجعلهما لغتين - مأدُبة الله: ومأدَبته - بمعنى واحد,, ولم أسمع أحداً يقول هذا غيره، والتفسير الأول اعجب إلي 1 ,
قال أبو عبد الرحمن: تابع الأحمر أبو إبراهيم الفارابي 2 ,, وقبله أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة ]213 - 276[ ساق أنواع المآدب وجعل المأدبة أعمها، فقال: طعام العرس الوليمة، وطعام البناء الوكيرة، وطعام الولادة الخرس,, وما تطعمه النفساء نفسها خرسة، وطعام الختان إعذار، وطعام القادم من سفره، نقيعة، وكل طعام صنع لدعوة مأدُبة ومأدَبة ]أي بضم الدال، وفتحها[ جميعاً 3 ,
وعلق أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي ]-388ه[ على بيت طرفة فقال: والاسم المأدَبة والمأدُبة ]بفتح الدال وضمها[,, يصفهم بأنهم مطاعيم في الجدب، مساعير في الحرب 4 ,
قال أبو عبد الرحمن: وهكذا إسماعيل بن حماد الجوهري ]-393ه[ لم يفرق بين معنى الصيغتين بضم الدال وفتحها، وذكر أنها اسم الطعام 5 ,
وهكذا أبو الحسين أحمد بن فارس ]-395ه[ لم يفرق,, على أنه آخر المادة ذكر تفريق أبي عبيد 6 ,
وقال أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي ]198 - 285ه[ نقلاً عن أبي زيد: المأدُبة ]بضم الدال[ الطعام يُتبرع به 7 ,
وقال أبو بكر محمد بن الحسن الأزدي البصري ابن دريد ]-321ه[: المأدُبة ]شكلت بالرسم لا بالتنصيص بضم الدال[ والمدعاة طعام أي وقت كان 8 ,
وقال ابو منصور محمد بن أحمد الأزهري ]282 - 370ه[: وقيل للصنيع يدعى اليها الناس مدعاة ومأدبة 9 ,
قال ابو عبد الرحمن: رسمت طباعة لا تنصيصاً بفتح دال مأدبة,
وقال جار الله محمود بن عمر الزمخشري ]467 - 583ه[: المأدبة مصدر بمنزلة الأدب، وهو الدعاء إلى الطعام كالمعتبة بمعنى العتب,, وأما المأدبة فاسم للصنيع نفسه كالوكيرة والوليمة,, وشببها سيبويه بالمسربة، وغرضه أنها لست كمفعَلة ومفعُله في كونهما بناءين للمصادر والظروف 10 ,
وقال مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري ابن الأثير ]544 - 606ه[: ومنه حديث كعب: إن لله مأدبة من لحوم الروم بمروج عكا ,, أراد أنهم يقتلون بها، فتنتابهم السباع والطير تأكل من لحومهم,
والمشهور في المأدُبة ضم الدال، وأجاز فيها بعضهم الفتح,
وقيل: هي بالفتح مفعله من الأدب 11 ,
وذكر الحسن بن محمد الصغاني ]-650ه[ الأدبة بمعنى المأدَبة 12 ,
وقال الصغاني: والمأدَبة مفعَلة من الأدب، ومنه حديث ابن مسعود ]رضي الله عنه[: إن هذا القرآن مأدبة الله، فتعلموا من مأدبته,, فتبين أنها ليست من الطعام في شيء 13 ,
ونقل جمال الدين أبو الفضل محمد بن مكرم ]ابن منظور[ ]630 - 711ه[ عن سيبويه قوله: قالوا المأدَبة كما قالوا المدعاة,
وفسر ابن منظور حديث: فتعلموا من مأدبته بأن المراد مدعاته,
وقال : المأدُبة الطعام,, فرق ]رسمت طبعاً لا تنصيصاً بفتح الفاء وكسر الراء[ بينها وبين المأدبة الأدب 14 ,
وسوى مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي ]729 - 817ه[ بين الأدبة بضم الهمزة، وسكون الدال والمأدبة - بضم الدال، وفتحها -، وجعلهن بمعنى طعام صنع لدعوة أو عرس 15 ,
قال أبو عبد الرحمن: ها هنا وقفات:
الوقفة الأولى: عند بيت طرفة، فليس فيه غير وصف قومه بالكرم، وليس فيه وصفهم بأنهم مساعير في الحرب كما قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله,, وإنما تذكر أبو سليمان سياق القصيدة، فأجمل المعنى في كلامه عن البيت وحده ومطلع القصيدة:
أصحوت اليوم أم شاقتك هر؟!
ومن الحب جنون مستعر
وفي السياق وصفهم بأنهم مساعير حرب فقال:
وهم ما هم إذا ما لبسوا
نسج داوود لبأس محتضر
وتساقى القوم كأساً مرة
وعلا الخيل دماء كالشقِر
يريد بالشقر شقائق النعمان، لأنها حمراء,, أو هو شجر له ثمر أحمر,, هكذا قال الأعلم الشنتمري,, والقصيدة قالها طرفة في وصف أحواله وتنقله في البلاد ولهوه,
قال أبو عبد الرحمن: وديوان طرفة استله الدكتور رحاب خضر عكاوي من كتاب اشعار الشعراء الستة الجاهليين للأعلم الشنتمري، وشرح القصائد العشر للتبريزي,, وحكى في المقدمة اعتماده ايضا على نسخة الديوان برواية ابن السكيت والنسخة التي حققها المستشرف ماكس سلغسون,, كما أنه صدر عن دار صادر بيروت كغيره من دواوين لم يعزوها الى نسخ خطية وانما كانت جمعاً أو استلالاً,
قال أبو عبد الرحمن: وكتاب الأعلم من أوائل مقتنياتي في اليفاع كما ذكرت قصته في التباريح,
والوقفة الثانية: عند شرح البيت,, قال أبو محمد ابن قتيبة: يقال فلان يدعو النقرى,, إذا خص، وفلان يدعو الجفلى- ويقال: الأجفلى -,, اذا عم 16 ,
وقال يوسف بن سليمان الأعلم الشنتمري ]415 - 476ه[: المشتاة الشتاء، وذلك أشد الزمان,, والجفلى أن يعم بدعوته إلى الطعام ولا يخص أحداً,, والآدب الذي يدعو إلى المأدبة,, والانتقار أن يدعو النقرى، وهي أن يخصهم ولا يعمهم,, المعنى لا يخصون الأغنياء ومن يطمعون في مكافأته، ولكنهم يعممون: طلباً للحمد، ولاكتساب المجد 17 ,
وقال أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي ]-770ه[: أي لا ترى الداعي يدعو بعضاً دون بعض، بل يعمم بدعواه في زمان القلة، وذلك غاية الكرم,, واسم الصنيع المأدبة بضم الدال وفتحها 18 ,
والوقفة الثالثة: عن معنى مفعلة بفتح العين" قال أبو ابراهيم الفارابي عن الثلاثي إذا زيد ميما مفتوحة أوَّله: فهو اسم الزمان والمكان والمصدر 19 وقال عن أبنية من ضمنها مفعلة بفتح العين والهاء تدخل في بعض هذه الأبنية التي في أوائلها ميم على السماع من غير أن تبنى على فعل,
وجمعها جميعها - بالهاء كان، أو بغير الهاء - على مفاعيل,, هذا إذا لم يكن مع الميم حرف من من حروف المد واللين في البناء 20 ,
قال أبو عبد الرحمن: واستقرأت معاني هذه المادة من الاسم الصحيح فوجدت من معانيها الاسم البحت كالمثلبة والمنقبة، والمرتبة,, وتأتي للوصف الذي معناه الاضافة إلى الموصوف وكونه جزءاً منه ومظروفاً فيه كالمحصبة صفة أرض ذات حصباء، والمتربة صفة أض ذات تراب,
وتكون صيغة جمع وتعني الوصف كالمسلحة بمعنى قوم ذوي سلاح,
وتأتي بمعنى اسم المكان - وهو اسم للمكان ذاته الذي يحل فيه غيره -، وذلك غير ما سبق من الوصف الذي بمعنى الاضافة إلى المكان: لأن ذلك المضاف جزء من المكان، أو طبيعة فيه - مثل المرقبة: لأنها مكان مرتفع للمراقبة، والمسربة: لأنها مكان تسرب فيه الظباء للرعي، والمسرجة، لأنها مكان الفتيلة التي تسرج,
وها هنا ألفاظ من أسماء المكان توحي بالفاعلية او المفعولية، لأنها مكان لفعل يقع منها أو عليها مثل المسخرة: لأنه يسخر بالناس، أو أن الناس يسخرون منه,, ومن ذلك قول عنترة:
نبئت عمراً غير شاكر نعمتي
والكفر مخبثة لنفس المنعم
فالكفر هنا مكان للفاعلية,, وكذلك وصف الخدم بأنهم مفسدة للولدان,, وكذلك وصف الصوم بأنه مقطعة للنكاح,, وكذلك هذا الأمر مشغلة,, ومن أقوال العرب: أشيعوا الكنى فإنها منبهة,
ومن وقوع المفعولية على اسم المكان قولهم: عبد مملكة إذا ملك هو ولم يملك أبواه,
قال أبو عبد الرحمن: وها هنا ألفاظ على هذه الصيغة جعلت بمعنى صيغ أخرى مقاربة أذكرها ها هنا فحسب: لأن للكلام عنها وقفة مثل المطهرة,, قال الفارابي: لغة في المطهرة ]يعني بكسر الميم[، وهي أفصح,, ويقال: السواك مطهرة للفم 21 ,
قال أبو عبد الرحمن: ضبط الأخيرة بفتح الميم رسماً لا تنصيصاً,, ومثل المشرقَة,, قيل: هي لغة في المشرُقة بضم الراء,, ومثل المشربة,, قيل: إنها لغة في المشرُبة بضم الراء,, ومثل ذلك المقبرة والمقدرة,
ومثل ذلك ألفاظ على هذه الصيغة جعلت بمعنى المصدر,, لها وقفة أيضاً مثل المعتبة بمعنى العتب، والمعجزة بمعنى العجز, واستشهدوا لذلك بحديث لا تُلثُّوا بدار معجزة ,, ومثل ذلك المعدلة فسروها بالعدل,, والمشتمة بمعنى الشتم,
قال ابو عبد الرحمن: وكل ذلك محل وقفات، وإلى لقاء مع صيغ المفعلة من غير الاسم الصحيح,
حواشي
1 غريب الحديث 4/107 - 108,
2 انظر ديوان الأدب 4/168 و169 وفسر المأدُبة بالطعام يدعو الرجل عليه إخوانه,
3 أدب الكاتب ص 136,, وقبله أبو عبيد ذكر ذلك في الغريب المصنف 1/86,
4 غريب الحديث 2/148,
5 انظر الصحاح 1/86,
6 انظر مقاييس اللغة 1/74 - 75، وانظر كتابه المجمل ص 48، وكلامه في الأخير كأنه مختصر من الأول,, وهو ألف المقاييس آخراً، فزاد على المجمل,
7 غريب الحديث 1/324 - وهو السفر الخامس من مخطوطة الأصل -,
8 جمهرة اللغة 3/366,
9 تهذيب اللغة 14/209,
10 الفائق في غريب الحديث 1/31,
11 النهاية في غريب الحديث والاثر 1/31,
12 التكملة والذيل والصلة 1/64,
13 التكملة والذيل والصلة 1/63,
14 انظر لسان العرب 1/93 - 94,
15 القاموس المحيط 1/155,
16 أدب الكاتب ص 136,
17 اشعار الشعراء الستة الجاهليين 2/69,
18 المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي ص 9,
19 ديوان الأدب 1/82,
20 ديوان الأدب 1/83,
21 ديوان الأدب 1/284,


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved