وبلاد الأتراك في وسط آسيا حظيت بالانضمام الى بلاد الخلافة الاسلامية منذ اواخر القرن الآول واوائل القرن الثاني، وقد شارك الاتراك الأمة الاسلامية في انجازاتها العسكرية والثقافية، واعتمد الخلفاء العباسيون منذ القرن الثالث على العسكر التركي، ففتح المجال لهم في القيادة والرئاسة وتطلعوا الى الامارات وانشاء الدول، وقد تحقق لهم ما ارادوا، فقد كونوا دولاً وامارات في العراق والشام، وتوجوا ذلك بقيام دولة آل عثمان التي ورثت الخلافة الاسلامية فأصبحت هي الدولة المهيمنة على جل البلاد الاسلامية، وبقيام الدولة العثمانية وهيمنتها على البلاد العربية زاد التقارب بين الثقافة العربية والتركية، فورثت الخلافة العثمانية الثقافة العربية الاسلامية، وتوجه الفكر الاسلامي الى صهر الثقافات الثلاث: العربية والفارسية والتركية في بوتقة الاسلام,

واذا نظرنا في كتب التراجم المتاخرة مثل: الضوء اللامع والبدر والطالع بمحاسن من بعد القرن السابع للشوكاني، وريحانة الألباء وزهرة الحياة الدنيا لشهاب الدين الخفاجي والكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة للشيخ نجم الدين الغزي، وسلافة العصر في محاسن الشعراء في كل مصر لابن معصوم وخلاصة الاثر في اعيان القرن الحادي عشر للمحبي، واذا نظرنا في هذه المؤلفات وجدناها تترجم لأعلام المسلمين تحت مظلة الحاكم الاسلامي، عربي او غير عربي، وابن عرب شاه واحد من هؤلاء، فقد نشأ في دمشق واقام في سمرقند ثم في ادرنة ثم في الشام، واستقر بعد ذلك في مصر وفي اثناء اقامته في ادرنة التقى بالسلطان العثماني: محمد بن عثمان, وكان احمد بن محمد بن عبد الله بن ابراهيم المشهور بابن عرب شاه متقناً اللغات الثلاث: العربية والفارسية والتركية، مطلعاً على آدابها وثقاقاتها يؤلف في العربية والفارسية والتركية ويصنع الشعر باللغات الثلاث ويترجم من هذه الى تلك، ومن مؤلفاته بالعربية فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء الذي اقتفى فيه اثر ابن المقفع في كتابه كليلة ودمنة واستفاد مما اشارت اليه العرب في امثالها، من الحث على تعلم الحكمة من الحيوان، ومن تلك الأمثال الواردة في هيئة قصة مثلهم المشهور: في بيته يؤتى الحكم ومضمون تلك القصة: ان الأرنب التقطت تمرة فاختلسها الثعلب منها فأكلها، فذهبا يختصمان الى الضب، فقالت الأرنب: يا ابا الحِسل فقال: سميعاً دعوت، قالت: اتيناك لنختصم اليك قال: عادلا حكَّمتُمَا، قالت: فاخرج إلينا، قال: في بيته يؤتى الحكم، قالت: اني وجدت تمرة، قال: حلوة فكليها، قالت: فاختلسها الثعلب, قال: لنفسه بغى الخير, قالت: فلطمته، قال: بحقك اخذت، قالت: فلطمني، قال: حر انتصر، قالت: فاقض بيننا، قال: قد قضيت, ومما ورد في الكتاب: التيس المشرقي والكلب الأفرقي وقد استغرقت المحاورة بين التيس والكلب صفحات عديدة بأ سلوب ادبي معجب منها قوله: ومن هذا الضرب ما رواه احمد بن حرب عن ذي العتاب منادم الكلاب، ان الكلب يكف عني اذاه، ويكفيني اذى سواه ويشكر قليلي، ويحفظ مبيتي ومقيلي، فهو من بين الحيوان خليلي, ثم قال احمد بن حرب تمنيت والله ان اكون مثل هذا الكلب لأحوز مثل هذه الصفات , هذا ابن عرب شاه ممثل الثقافات الثلاث، الذي امضى عمره في تحصيل العلم، والتنقل في ارجاء البلاد الاسلامية,

د, عبد العزيز بن محمد الفيصل