على الهامش
الترجمات الأدبية وغياب المنهجية
حسين المناصرة
الترجمات الأدبية ضرورة مثاقفة وانفتاح وتواصل ما بين اية ذات ،أي آخر، وقد كانت الأمم التي اعتلت عروش الحضارات التاريخية مختلفة بشكل ما بالترجمة، ومستوعبة للثقافات الادبية والعلمية الاخرى المهمة كافة، ويكون ذلك بطريقة اعادة انتاجها لتلك الثقافات بصياغات جديدة وكأنها اهم ركائز أساساتها، ولدينا مثال الحضارة العربية الاسلامية التي تربعت في وقت ما على قمة الهرم الحضاري العالمي، في العصر العباسي الأول تحديدا، بعد جهود مضنية استمرت ثلاثة قرون من الاسلام علىاقل تقدير ،كان من نتائجها تجسيد استيعاب الآخر الممثل بحضارات فارس والرومان والهند واليونان,, في الثقافة العربية الاسلامية، ومحاولة اعادة ا نتاج رؤى علمية وثقافية للحياة في ظل واقع قوة ايديولوجية وعسكرية رئيسة كان لها الدور الحاسم أولا في تكريس انفتاح الذات على الآخر،وثانيا في استيراده أو تورثه، ثم انتاجه وفق معايير وقواعد ثقافية لا تعني سوى الاصالة والتحضر والاختلاف,
واليوم نعيش من حيث الكم المترجم من الآخر حالة اختناق في فضاء الترجمات الادبية، اذ ما ان يصدر كتاب أو مقال أو رأي في انجلترا أو فرنسا أو أمريكا تحديدا حتى تتكالب الاقلام لترجمته، وهذا ما سبب عدة مشاكل في مجال الترجمات الادبية على وجه الخصوص، نذكر منها:
أولا: غياب بعض الثقافات الادبية المعاصرة المهمة عن فضاء الترجمة الادبية العربية،ويمكن أن أشير هنا بشكل خاص الى الثقافات الادبية اليابانية والصينية والهندية والفارسية والافريقية,, الخ، وهذا الغياب قد جعل من ثقافة الآخر المتصور على اساس انه استعماري هي الثقافة المهيمنة، والتي لا تسمح بالتالي للمستعمرين بفتح الميم سوى ان يمارسوا صياغات الاستهلاك بعد أن يجمدوا صياغات المحاورة والاختلاف والانتاج، ومن هذه الناحية ندرك كيف اصبحت المقولات الثقافية العربية في واقعنا الثقافي وكأنها نظريات علمية لا تحتمل النقض، أو أنها فاسدة من الفها الى يائها,
ثانيا: قد تصبح الترجمة الادبية في حال غياب التنسيق حالة من حالات الفوضى والضياع المنهجي، ومن هذه الناحية اكتفي بمثل بسيط يمكن أن يكون دليلا واضحا على هدر الكثير من الامكانيات في سبيل ما لا يستحق الهدر، وهذا المثال هو ان تجد على الاقل اربع ترجمات لمقالة طويلة عدت عندنا حجم الكتاب، فترجمت اربع مرات معروفة الترجمات الاربع متوافرة لدي, ولو كانت هذه المقالة الطويلة بحد ذاتها مقالة مهمة في النقد الادبي العربي، أو حتى في النقد الادبي الغربي، لقلنا لا مشكلة ما دامت الكتابة هنا جوهرية في صياغة معالم حضارية لثقافتنا، ولكنها مقالة نقدية لا يوجد فيها سوى انطباعات وآراء تذوقية لناقد مشهور، ولم يكن لهذه المقالة المذكورة من حظوظ سوى انها للناقد الفلاني الكبير، لذلك لا نستغرب ان تخرج هذه المقالة في اربع كتب مليئة بالمقدمات والحواشي، في حين يمكن القول بصراحة: ان اغلب ما فيها متناثر في النقد الذوقي الجمالي العربي، ومع ذلك لم يقم اي باحث ليبحث ما لدينا من تناص استغله الآخر بقصد او بدون قصد من ثقافتنا، معنى هذا على اقل تقدير ان المقالة لم تحفز من خلال تلكم الكتب المحتفية بها على التأثير الايجابي في ثقافتنا النقدية، فلماذا تترجم هذه الترجمات؟!
ثالثا: اليس لدينا تشكك في احيان كثيرة من ان بعض ما ينتج في ثقافتنا الادبية على اعتبار انه انتاج محلي هو سرقة بطريقة او باخرى؟! وهنا تحضر مقولة احد النقاد المتشبثين بالمحلية، المقولة الشبه معقولة التي يعلن فيها ترجمة كتاب نقدي غربي مهم تنتج سقوط عشرة نقاد عرب على الاقل سرقوا الكتاب ولم يشيروا اليه، وفي مثل هذه الحالة المبالغ فيها بكل تأكيد، تصبح تنظيرات كثيرة شائعة حالة من حالات السرقة أو التناص أو الخلاص أو توارد الخواطر,,الخ، ولكل منا وجهة نطره في هذا الشأن,
رابعا: قد يقف الواحد منا وهو منبهر على قدرة اللغة العربية وهي تترجم النقد المعقد الغربي، والنظريات الثقافية المعقدة الغربية، والنصوص المعقدة الغربية، وكلها معقدة في معقد، في حين مازالت كثير من جامعاتنا العربية تدرس مقرراتها العلمية بلغات اجنبية، مع تردد الكثير من المقولات التي تجعل من اللغة العربية لغة غير علمية، وغير قادرة على استيعاب الآخر، وهنا من حق المثقف العربي أن يتساءل عن ضياع وعينا الثقافي المترجم بكسر الجيم للآخر، وانه كان من المتوجب على مؤسساتنا الثقافية وجامعاتنا ان تعيد صياغة برامجها في مجال الترجمة تحديدا للتلاءم مع ضرورة الخروج عن عتبات التبعية للآخر عند الاعلان عن عجز ترجمته الى اللغة العربية,
المسائل التي يمكن ان تطرح في هذا الهامش كثيرة حدا، ولكن علينا أن نتنبه دوما الى ضرورة الا يترجم اي نص سبق وان ترجم، وان كانت هناك اية اعتراضات على ترجمة نص مترجم، وتتطلب الضرورة اعادة ترجمته، فمن الواجب ان تسحب ا لترجمة المعترض بفتح الراء عليها، وان يغرم المترجم ودار النشر وكل من له علاقة بهذا الأمر,
وفي حال صدور ترجمة ثنية غير مبررة، فيجب ايضا ان تتخذ الاجراءات التغريمية نفسها، وان توضع النقاط على الحروف، لأنه لا يجوز ان يبقى الحبل على الغارب عندما يترجم النص الغربي عدة ترجمات في دولة عربية واحدة ناهيك عن بقية الدول الأخرى,


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved