على الهامش
حسين المناصرة
ثقافة السخرية,,
مين شايفك يا رقاص العتمة ,,
وزامر الحي لا يطرب ,,
والمكتوب يقرأ من عنوانه ,,
هذه حكم شعبية ممتلئة بالسخرية وبالمفارقات العجيبة الغريبة، ومن يتأمل هذا الفضاء الساخر في سياق الثقافة العربية المعاصرة يصاب بخيبة أمل كبيرة، من
ناحيتين:
الناحية الأولى: مستوى المشاهد والمسموع والمقروء في ثقافة عموم المتلقين وهو مستوى اصبح مقلوبا رأسا على عقب، حيث اصبحت فيه الثقافة الجادة مشابهة للرقص
في العتمة، او لزامر الحي، او للعنوان غير المقروء، وبالتالي اصبحت الثقافة الاستهلاكية المسطحة المشابهة للهامبورغر هي السائدة وهي التي تفرض على
المتلقي ليل نهار، فيجبرعلى ان يقضي اكثر من عشر ساعات يوميا - على سبيل المثال - وهو يشاهد برامج تجارية تنتشر في بعض القنوات الفضائية الرخيصة كجزء مهم
من الثقافة المسطحة اليوم واصبح المتلقي بالتالي خبيرا باسماء اغنيات الفيديو كليب ومغنيها والذين ليس لهم من متاع الدنيا سوى شكل وصوت وطبول جوفاء، ومع
ذلك يصورون على اساس انهم اصحاب مدارس فنية، وما ان تسمع للواحد/للواحدة حتى تفاجأ وانت تستمع لوصف اغنياته او اغنياتها بانها موجهة ملتزمة واغنيات
الاخرين رخيصة,, وكله هباب على رأي العامية المصرية, هذا المثال من امثلة تعمق حدية السخرية التي يمكن ان يسخر بها اي جاد مثقف من هذا الواقع الثقافي
الاستهلاكي,
والسؤال المهم هنا هو: متى تقدم لنا القنوات الفضائية السياقات الجادة من المرئي والمسموع والمقروء؟1 ومتى يتوجب عليها الا تخاطبنا كمراهقين؟1 ومتى تحرص
على ان تقدم لنا وجوها إنسانية لا وجوها نسائية لا تمتلك غير الوانها البراقة وأجسادها المقطعة؟1
ومتى تتخلىعن البرامج التي تهذي بالرديء، وكلها تصب في نهاية المطاف في تكريس الإثارة وتعميق العقد، ليتم الحديث بعد ذلك عن ارتفاع نسبة الطلاق!! فأية
سخرية هذه!!؟,
ولعل المطلوب من كل القنوات الفضاية بعد ان اصبحت الجزء المهم من حياة الإنسان العادي ان تمارس:
إ ظهار رقاص العتمة، ورقاص العتمة هنا هو الثقافة الجادة بمستوياتها الأدبية والاجتماعية والتعليمية,,, الخ,
وإظهار زامر الحي، وزامر الحي هنا هو الفن الاصيل بمختلف اجناسه,
وإظهار العنوان الذي لم يقرأ من اصحاب الثقافة المسطحة، لانه عنوان الحضارة والوعي والإنسان المنتج,
والناحية الثانية: تتلخص في سؤال: من يسخر من الآخر؟!
وكما يقولون فالقرد في عين أمه غزال ومن الصعب من هذه الناحية ان يقتنع القرد بانه قرد لا غزال، لهذا لا تجد متاجراً بالفن الا وهو مؤمن بأنه يقدم
الثقافة الاصيلة وانه يعيش بنفس الجماهير وان ما قيل عنه من نقد ونقض وشتائم لا يصنف من وجهة نظره إلا في دائرة الحسد والغيرة ونحن هنا بكل تأكيد لا نريد
ان نصادر حقوق الاخرين في ممارسة ما يرونه من حقهم حتى لو كان تجاريا مبتذلا، لكن يجب الا يصل الامر بأن تصبح صور الثقافة الجادة في بعض البرامج مثارا
للسخرية كأن يقدم الشاعر في تمثيلية تجارية مجنونا، وان يقدم الكاتب وكأنه يعيش قبل الميلاد، وان تقدم الكتابة وكأنها لغة هيروغليفية,, وهنا بكل تأكيد
تصبح المفارقات كبيرة اذ يصبح موضوع السخرية فاعلا ساخرا لمجرد أن اتيحت له المواجهة اليومية مع الجمهور في السياق الاستهلاكي ومن هنا اصبحت كلمة كتب في
بعض هذه الفضائيات تثير السخرية وكلمة مغنية تثير الإعجاب فأية مفارقة هذه التي انحطت بها الثقافة الى مستويات التسطح الدنيا,!!؟
يجب ان نعلن حربا إعلامية صحفية ضد التجارة الفضائية، وضد الإعلانات الفضائية الغرائزية وضد الوجه الفضائي الملمع شكلا والطبل جوفا, وضد النص المبتذل، وضد
نجوم الاغنية الواحدة، وضد برامج الاطفال غير الموجهة، وضد العنجهية الفضائية في محاربة النص الثقافي الاصيل,
وحتى لا ندخل في دائرة التعميم، فان هناك فضائيات عربية اثبتت بشكل قاطع انها فعل ثقافي حضاري، وهي غالبا فضائيات رسمية، في حين هناك فضائيات انتحرت
بسخافاتها، ولكنها الاكثر رواجا لانها ببساطة عرفت من اين تؤكل الكتف لدى المراهقين، وعرفت ايضا كيف تخلع آخر اردية الحياء، وهو رداء احترام المشاهد في
مجموعة الأسرة


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved