رؤى وآفاق
المُعَمّرون
اشتهر رجال من العرب بطول العمر، فزادت معرفتهم بالحياة، وحصلوا من كر اليوم والليلة زادا لبقية العمر، ووصية للأجيال اللاحقة، وقد تميز هؤلاء بتحصيل المعارف، فكانوا أكثر دراية من غيرهم في أمور الحرب والسلم، وفي طرق تحصيل المال وبذله، وتقدموا على معاصريهم في احكام المنطق، وصون اللسان، والتعامل الاجتماعي، في وجوهه المختلفة, لقد أمكنت لهم فسحة الأجل من النظر في الدنيا، والتفكير في الكون، وتعاقب الأجيال، بعد ان حطوا رحالهم عند أبواب الرحيل، فهم في انتظار وتدبر,
والمعمر في عرف العرب من تجاوز مائة وعشرين سنة، أما من كان عمره أقل من ذلك فلا يعد من المعمرين، وهذا يخالف ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله اعمار أمتي ما بين الستين والسبعين ويقال: من بلغ السبعين اشتكى من غير علة, ومن مشاهير المعمرين: ربيع بن ضبع الفزاري، ويقال انه عاش ثلاثمائة سنة وأدرك الاسلام ولم يسلم، ومما يدل على طول عمره انه عاش في زمن والد امرىء القيس الشاعر ، وقد ذكر ذلك في شعره فهو يقول:
هأنذا أمل الخلود وقد
أدرك عقلي ومولدي حُجرا
أبا امرىء القيس هل سمعت به
هيهات هيهات طال ذا عمرا
ومنهم زهير بن جناب الكلبي، وقد تواترت الأخبار عن طول عمره وكثرة وقائعه، فيقال انه خاض مائتي معركة في حياته الطويلة، وعندما تقدمت به السن ضعفت قواه فحرص ابناؤه وأحفاده على عدم سيره وحده، فكان يأخذ بيده ابنه أو حفيده، فشق عليه ذلك وقال:
فالموت خير للفتى
فليهلكن وبه بقيه
من أن يرى تهديه ول
دان المقامة بالعشيه
ومنهم أكثم بن صيفي، فقد عاش مائتي سنة أكسبته خبرة ولدت حكمة، ومن حكمه السائرة في أحياء العرب: مقتل الرجل بين فكيه، ان قول الحق لم يدع لي صديقا, لم يهلك من مالك ما وعظك, الوحشة ذهاب الاعلام، حيلة من لا حيلة له الصبر, لا يغلبنكم جمال النساء عن صراحة النسب فإن المناكح الكريمة مدرجة للشرف,ومن المعمرين النمر ابن تولب العكلي، ويقال انه عاش مائتي سنة مثل اكثم بن صيفي حتى مل الحياة فقال:
يُحب الفتى طول السلامة والغنى
فكيف يرى طول السلامة يفعل
وقس بن ساعدة الايادي عاش أكثر من ثلاثمائة سنة وأدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قالت العرب فيه أحكم عن قس وأقول من قس لأنه اشتهر بحكمته وبخطابته، وهو أول من قال في الخطبة أما بعد ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: كأني أنظر اليه بسوق عكاظ يخطب الناس على جمل أحمر وهو يقول أيها الناس اجتمعوا واسمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، ثم قال: أما بعد: فإن في السماء لخبرا، وان في الارض لعبرا، نجوم تغور، وبحار تمور ولا تغور، وسقف مرفوع، ومهاد موضوع, ودريد بن الصمة عاش مائتي سنة فهو من المعمرين، وقد أدرك الاسلام ولم يسلم، ولما طال به العمر وخشي من السقط في كلامه جمع قومه ونصحهم، مخرجا ما في كنانته من التجارب، وكانت تلك النصيحة آخر خطبة له في جمع من الناس، أما حضوره في معركة حنين فليس من أجل الحرب، وإنما من أجل لمّ الشمل، والعزم على القتال، لأن دريد بن الصمة انتصر في عدد غير قليل من المعارك، ومن نصيحته لقومه قوله :انهاكم عن محاربة الملوك فإنهم كالسيل في الليل لا تدري كيف تأتيه ولا من أين يأتيك ومن المعمرين الذين أدركوا الاسلام وأسلموا حسان بن ثابت رضي الله عنه ولبيد بن ربيعة العامري رضي الله عنه، ويقال ان لبيد بن ربيعة عاش أربعين ومائة سنة مع سلامة عقل ونشاط جسم، ولم يلحظ عليه من نقص قواه في آخر عمره إلا اصطحاب العصا,
د, عبدالعزيز بن محمد الفيصل


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved