العلوم الأدبية بمعناها الأعم
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
تطرق الاستاذان مجدي وهبة، وكامل المهندس الى تطور الدلالة الادبية بين اللغة والمصطلح، فذكر هذا التسلسل: (الادب اختلف معناه عند العرب باختلاف العصور
فقصد به:
،1- التهذيب والخلق كقوله _: ادبني ربي فأحسن تأديبي,, صدر الاسلام,
،2- التعليم واشتق منه بهذا المعنى المؤدبون الذين كانوا يلقنون اولاد الخلفاء الشعر والخطب واخبار العرب وانسابهم وايامهم في الجاهلية والاسلام,, عصر بني
امية,
،3- التهذيب والتعليم معا,, مثال ذلك: الادب الكبير، والادب الصغير، لابن المقفع (142ه؟),, العصر العباسي,
،4- كل المعارف غير الدينية التي ترقى بالانسان اجتماعيا وثقافيا,, اخوان الصفا في القرن الرابع للهجرة,
،5- جميع المعارف دينية وغير دينية ابن خلدون المتوفى سنة 808ه,
،6- سنن السلوك التي يجب ان تراعى عند طبقة من الناس,, منذ القرن الثالث للهجرة,, ادب الكاتب لابن قتيبة,
،7- كل ما ينتجه العقل والشعور,, المعنى العام منذ منتصف القرن التاسع عشر,
،8- الكلام الانشائي البليغ الذي يقصد به التأثير في عواطف القراء والسامعين,, الادب الانشائي المعنى الخاص منذ منتصف القرن التاسع عشر,, شوقي ضيف/ العصر
الجاهلي) (1) ,
قال أبو عبدالرحمن: ما ذكره الاستاذان ليس اختلافا في معاني الادب، وإنما هو تعدد لمعانيه,
والخلق هو دلالة الادب اسما وهو المعنى الوضعي والتهذيب دلالته أفعالا, والمؤدبون اصطلاحا على المعلمين روعي فيه ان مؤدبي اولاد الخلفاء والوزراء يراعون
تقويم اخلاقهم قبل تدريس العلوم وخلالها,, فالمأخذ الاشتقاقي من هذا، وان كان في العلوم ذاتها أدب وتأديب,, ووجه المجاز في هذا الاصطلاح غلبة الوصف اسماً
لهذه الفئة في هذا المعنى الخاص,, واللغة تتسع لوصف رائض الدواب مثلا بالمؤدب,
وما ذكره الاستاذان في الفقرة الثالثة ليس معنى جديدا، فالمراد به كتب المؤدبين في الفقرة الثانية التي ينتج عنها تهذيب وتعليم,
وما ذكره في الفقرة السالفة هو ما اسلفته من معارف يغلب فيها النص الادبي,
وما حكاه الاستاذان عن ابن خلدون غير صحيح وقد سبق لي ايراد كلام ابن خلدون وليس فيه تطرق للعلوم الدينية,
واما سنن السلوك فهي من صميم المعنى الوضعي وقد اسلفت ان الآداب فضائل واحدة في الاديان الإلهية لانها حقائق واخبار، ولا نسخ في ذلك,, كما انها في
الفلسفات والعادات نسبية، لاختلاف الناس في سنِّ الآداب,
وما جاء في الفقرة السابعة ليس من اصطلاح العرب، وانما هو اصطلاح غربي على الابداع,
وما ذكراه في الفقرة الثامنة جزء من المصطلح الادبي الخاص المتعلق بالنص الفني، وبقية المصطلح تشمل الشعر والتنظير للنصوص الفنية,
وجمع الشيخ صديق حسن خان القنوجي (- 1307ه) اقوالا للتفتازاني الحفيد، فقال: (وله مناقشة في التعريف والتقسيم اوردها في موضوعاته),,
حيث قال: وأما علم الادب فعلم يحترز به عن الخلل في كلام العرب لفظا او كتابة,, وههنا بحثان:
الاول: ان كلام العرب بظاهره لا يتناول القرآن,, وبعلم الادب يحترز عن خلله ايضا,, الا ان يقال: المراد بكلام العرب كل كلام يتكلم العرب على اسلوبه,
الثاني: ان السيد رحمه الله تعالى قال: لعلم الادب اصول وفروع:
اما الاصول فالبحث فيها: اما عن المفردات من حيث جواهرها وموادها وهيئاتها فعلم اللغة، او من حيث صورهاوهيئاتها فقط فعلم الصرف، ومن حيث انتساب بعضها ببعض
الاصالة والفرعية فعلم الاشتقاق,
واما عن المركبات على الاطلاق: فإما باعتبار هيئاتها التركيبية وتأديتها لمعانيها الاصيلة فعلم النحو,
وإما باعتبار افادتها لمعان مغايرة لاصل المعنى فعلم المعاني,
وإما باعتبار كيفية تلك الافادة من مراتب الوضوح فعلم البيان,, وعلم البديع ذيل لعلمي المعاني والبيان، داخل تحتهما، وليس علما برأسه,
وإما عن المركبات الموزونة: فإما من حيث وزنها فعلم العروض، أو من حيث اواخرها فعلم القوافي,
وأماالفروع فالبحث فيها: إما ان يتعلق بنقوش الكتابة فعلم الخط، او يختص بالمنظوم فالعلم المسمى بقرض الشعر او بالنثر فعلم الانشاء من الرسائل أو من الخطب
ولا يختص بشيىء كعلم المحاضرات ومنه التواريخ,
قال الحفيد: هذا منظور فيه، فأورد النظر بثمانية اوجه حاصلها انه يدخل بعض العلوم في المقسّم دون الاقسام، ويخرج بعضها منه مع انه مذكور فيه,, وان جعل
التاريخ واللغة علما مدونا فمشكل (2) ، إذ ليسا بمسائل كلية,, وجواب الاخير مذكور فيه، ويمكن الجواب عن الجميع ايضا بعد التأمل الصادق,
وفي ارشاد القاصد للشيخ شمس الدين الاكفاني السخاوي: الادب هو علم يتعرف منه التفاهم عما في الضمائر بأدلة الالفاظ والكتابة,
وموضوعه (3) اللفظ والخط من جهة دلالتها على المعاني ومنفعته اظهار ما في نفس الانسان من المقاصد، وايصاله الى شخص آخر من النوع الانساني حاضرا كن او
غائبا، وهو حلية اللسان والبنان، وبه تميز ظاهر الانسان على سائر انواع الحيوان,
وتنحصر مقاصده في عشرة علوم، وهي: علم اللغة، وعلم التصريف، وعلم المعاني، وعلم البيان، وعلم البديع، وعلم العروض، وعلم القوافي، وعلم النحو، وعلم قوانين
الكتابة، وعلم قوانين القراءة، وذلك لان نظره: إما في اللفظ، والخط,, والاول، فإما في اللفظ المفرد او المركب او ما يعمهما,, وما نظرة في المفرد فاعتماده
اما على السماع وهو اللغة، أو علىالحجة وهو التصريف,, وما نظره في المركب فإما مطلقا او مختصا بوزن,, والاول ان تعلق بخواص تراكيب الكلام واحكامه
الاسنادية فعلم المعاني، والا فعلم البيان,, والمختص بالوزن فنظره: اما في الصورة، او في المادة,, الثاني علم البديع، والاول إن كان بمجرد الوزن فهو علم
العروض، والا فعلم القوافي,, وما يعم المفرد والمركب فهو علم النحو,
والثاني فإن تعلق بصورة الحروف فهو علم قوانين الكتابة، وان تعلق بالعلامات فعلم قوانين القراءة,, وهذه العلوم لا تختص بالعربية بل توجد في سائر لغات
الامم الفاضلة من اليونان وغيرهم,
واعلم ان هذه العلوم في العربية لم تؤخذ عن العرب قاطبة، بل عن الفصحاء البلغاء منهم، وهم الذين لم يخالطوا غيرهم كهذيل وكنانة، وبعض تميم وقيس عيلان، ومن
يضاهيهم من عرب الحجاز وأوساط نجد,
فأما الذين أصابوا العجم في الأطراف: فلم تعتبر لغاتهم واحوالها في اصول هذه العلوم وهؤلاء كحمير وهمدان وخولان والازد لمقاربتهم الحبشة والزنج,, وطي
وغسان لمخالطتهم الروم والشام,, وعبدالقيس لمجاورتهم اهل الجزيرة، وفارس,, ثم اتى ذوو العقول السليمة، والاذهان المستقيمة، ورتبوا أصولها، وهذبوا فصولها
حتى تقررت على غاية لا يمكن المزيد عليها,, انتهى ما في كشاف اصطلاحات الفنون (4) ,
قال ابن جني: المولدون يستشهد بهم في المعاني كما يستشهد بالقدماء في الالفاظ,, قال ابن رشيق: ما ذكره صحيح، لان المعاني اتسعت باتساع الناس في الدنيا،
وانتشار العرب بالاسلام في أقطار الارض، فإنهم حضّروا الحواضر وتفننوا في المطاعم والملابس، وعرفوا بالعيان ما دلتهم عليه بداهة عقولهم من فضل التشبيه
وغيره انتهى) (5) ,
قال أبو عبدالرحمن: هذا الكلام الطويل عن التفتازاني وحفيده، وحاجي خليفة وغيرهم مما يعتبر اليوم ضربا من تصنيف العلوم وفهرسة المعارف، لاستقرار الاصطلاح
اليوم على الاخص، وانما يلاحظ ان العلوم غير الدينية مرت بمصطلحات على هذا النحو:
،1- علوم اللغة العربية وما يخدمها من النقد والعروض والبلاغة وتواريخ العرب: كان يطلق عليها أدب في عصور مضت,
،2- كان يطلق على العلوم الدينية وغير الدينية أدب إذا اخذ منهامقتطفات للتسلية والامتاع وتنويع المعارف، للاخذ من كل فن بطرف,, وهذا هو الثقافة في عرف
العصر الحديث,
،3- جمع المختصرات في مسائل من العلوم كان يسمى أدباً ولهذا اطلق النويري على كتابه نهاية الأرب صفة الادب,
،4- في عرف الفقهاء والمحدثين والمفسرين اطلاق علوم الآلة والعلوم المساعدة على ما خدم فن الاستنباط، والتوثيق والتقعيد لهما، فشمل ذلك علوم العربية
وغيرها كالتاريخ والمنطق,
وتطرق الاستاذان مجدي وهبة وكامل المهندس الى الادب الوصفي كما تطرقا الى معنى الادب عند الغرب - باعجام الغين - فلخصاه في التالي:
،(ويقابل الادب بهذا المعنى الادب الوصفي وهو إحدى الدراسات التي تدور حول الكلام واتجاهاته ونواحي الجودة فيه,
وكان الادب في الغرب يتضمن ما يأتي,
أ- مجموع الآثار النثرية والشعرية التي تتميز بسمو الاسلوب، وخلود الفكرة الخاصة بلغة ما او بشعب معين,
ب - التراث المخطوط او المطبوع الخاص بشعب ما او بلغة معينة,
ج - كل ما كتب في موضوع معين كأدب الفلك او الزراعة,
د - كل ما أنتجه البشر مخطوطا كان او مطبوعا) (6) ,
قال أبو عبدالرحمن: الادب الوصفي مسلم به بعد استقرار موضوع النظرية الادبية اذ كان سبر الكلام من جهة القيم الجمالية,
وأما المصطلح الغربي - باعجام الغين - فجامع غير مانع، ومأخذه ان ما ذكر موضوع للتأديب والتربية، ولكنه لم يستمر بهذا العموم بل دققوا موضوع النظرية
الادبية، وحددوا الاصطلاح في هذا النطاق وتعلم منهم أدباء العرب - باهمال العين - تحديد المصطلح وفقا للنظرية الادبية,
وتطرق الدكتور محمد القونجي الى التطور الدلالي للادب عند العرب (قبل استقراره على النص الفني من خلال قيم جمالية) بهذا الترتيب: (لكلمة أدب معنيان: معنى
مادي من آدب مأدبة,, بمعنى أولم وليمة، ومعنى روحي تطور مع الزمن,
وقد مرت هذه الكلمة بمراحل عديدة تطورت في مفهومها، فقد كانت معروفة في العصر الجاهلي بمعنى الخلق النبيل الكريم وما يتداوله العامة والخاصة في حياتهم
وجاء في المأثور: كاد الادب ان يكون ثلثي الدين,
وشاع استعمالها، وتعددت مشتقاتها وتمايزت معانيها في العصر الاموي مع توسع الثقافة فقد اصبح لفظ مؤدب يطلق على جماعة المربين والمعلمين لابناء الطبقة
الخاصة وتحدد معنى ادب التهذيبي منذ اواسط القرن الاول للهجرة، فنجدها مستعملة في معنيين متمايزين:
،1- المعنى الخلقي التهذيبي: وهو تمرين النفس على الفضائل,
،2- المعنى التعليمي: وهو قائم على رواية الشعر والنثر، وما يتصل بهما من انساب واخبار، وامثال ومعارف,, باستثناء العلوم الدينية والدنيوية والفلسفية,
ورغم تنوع مفهومها ظلت ذات معان لصيقة بالشمائل,, حتى ان العرب حين ترجموا كتب الأبين الفارسية ترجموها بمعنى السلوك والتقاليد، ولهذا فإن مفهومها منذ
نهاية العصر الاموي تحدد اكثر فالاديب هو المؤدب، وهو مختلف عن الشاعر وعن الناثر، فمن غلب عليه درس الادب اوتدريسه سمي أديبا، ومن نظم الشعر سمي شاعرا،
ومن كتب النثر دعي كاتبا,
وتوسع مفهوم اللفظة في العصر العباسي فغدت تدل على اربعة معان منذ مطلع القرن الرابع الهجري:
،1- المعنى الخاص، وهو الشعر والنثر وما يتصل بهما من اخبار وانساب واحكام نقدية,
،2- المعنى العام وهو الذي يتناول المعارف الانسانية والآثار العلمية وانواع الفنون الثقافية، فصار لكل وضع ادب ولكل علم ادب ولكل مجلس أدب، لذا قالوا:
أدب
مجالسة الملوك، وادب النديم والمنادمة وأدب الوزير، وأدب الحديث,, واصبح للعود والشطرنج واللعب بالصوالج و,, ادب وهذا كله من اثر الفرس واقبال العرب على
الحضارة,
،3- ما يستعين به المرء على فهم الادب ونقده وانشائه كالغة والنحو والاخبار والنقد، فألفوا كتبا في أدب العالم والمتعلم، وادب المدرس والداس، وأدب الكاتب،
وأدب القاضي,
،4- أدب النفس، ويتناول كل اسلوب منمق في علم او عمل او حرفة,
وحين اتسع افق الادب في القرن الخامس اخذ يتفرع عنه علوم كانت جزءا منه في الاصل ففصلوا النقد والبلاغة، لانهما استوفيا مظاهرهما، كما فصلوا اللغة والنحو
في باب خاص وحولوا الاخبار والانساب الى علم التاريخ,
وبالنهاية نراهم قصروا الأدب على الكلام الجيد شعرا ونثرا,, وهذا هو الادب الخاص,, في حين ان الادب العام ظل متسع الافق يشمل جميع الآثار العقلية، فلاحظنا
ان مدلول الادب ضاق حتى اقتصر على علم اللغة العربية، وان العلوم الادبية التي كانت جزءا منه استقلت عنه,, وشيئا فشيئا ترسخت قواعد الادب لتعود الىاحتضان
هذه الفنون الكتابية والالقائية) (7) ,
قال أبو عبدالرحمن: مبدأ الادب في لغة العرب من معنى روحي فحسب، وهو الفضائل المعتبرة في الاديان والفلسفات والتقاليد والاعراف,, والمادي اشتق من المعنى
الوضعي الروحي بدلالات الافعال من الادب,
والاصطلاع بالمؤدب ليس سابقا لاصطلاح الادب، بل اخذ مجازا النصوص والكتب التي تعلم الآداب، فجاء المؤدب من ذلك,
وليس الاديب هو المؤدب، بل الاديب هو المتحلي بالادب وان لم يعلِّم غيره، فإذا قام على تعليم غيره كان مؤدبا,
واختلاف المؤدب عن الشاعر والناثر: ان المؤدب يعلِّم شعر غيره ونثر غيره اذا كان غير قادر على الابداع ولكن هذا لا ينفي صفة الاديب عن الشاعر والناثر,
اما المعاني الاربعة التي ذكر انه توسع بها مفهوم الادب في العصر العباسي ففيها تداخل فالثالث تبع للاول,, وما في الثالث من أدب العالم والمتعلم، وأدب
القاضي تبع للامر الثاني,
والامر الرابع غير مفهوم ولا محدد الا ما يتعلق بجماليات النص الفني، فهذا داخل في الاصطلاح الاخير المحدد على النص الفني وقيمه الجمالية (النظرية
الادبية),،
،
حواشي:
،(1) معجم المصطلحات العربية في اللغة والادب ص 16,
،(2) في الاصل المطبوع: لمشكل,, وهو تطبيع,
،(3) في الاصل المطبوع: وموشعه,, وهو تطبيع,
،(4)انظر كشاف اصطلاحات الفنون 1/المقدمة,
،(5) أبجد العلوم 45/1 - 47,
،(6) معجم المصطلحات العربية ص 16 - 17,
،(7) المعجم في الآداب 46/1 - 47,


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved