المعاني والصيغ قبل مصطلحات الأدب
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو العباس المبرد (210 - 285ه): أدَبَهُ يأدِبُه أدباً،، إذا دعاه،،
قال الشاعر:
وما أصبح الضحاك إلا كخالع
عصانا فأرسلنا المنيةَ تأدِبُه (1) ،
وذكر أبو بكر محمد بن الحسن الأزدي البصري (ابن دريد) (- 321ه) قول منظور بن حية:
بشمجَى المشي عجول الوثب
حتى أتى أُزبيها بالأدب
ثم علق بقوله: الأزبي النشاط، والأدب هاهنا العجب، والأدِب صاحب المأدبة (2) ،
وقال: الأدب العجب ،، قال ذو الرمة:
أدب على لباتها الحوالي
أي يتعجب من هذه اللبات التي عليها الحلي (3) ،
قال أبو عبدالرحمن: بيت ذي الرمة من أرجوزة، والبيت في الغزل، وهو برواية ثعلب:
أَدباً على لباتها الحوالي
هز السنا في ليلة الشمال
وفسره أبو نصر الباهلي صاحب الأصمعي بقوله: أدباً: عجباً،، الحوالي: ذوات الحلي،، هز السنا: شجر إذا هبت الريح سمعت له خشخشة،، ويروى هز القنا،
ويفسر هذا البيت البيتان قبله يصف النساء:
إذا خرجن طَفَلَ الآصالِ
يركضن ريطاً وعتاقَ الخال
سمعت من صلاصل الأشكال
والشذرِ والفرائد الغوالي
أَدباً،، إلخ،
يقول إذا خرجن عند إقبال الليل يطأن الريط والخال - من أنواع الثياب - لإسبالهن يجررن الذيول: سمعت من أصوات حليهن من اللؤلؤ والفضة المعلق في شعورهن
ادباً مثل خشخشة السنا (4) ،
قال أبو عبدالرحمن: إذن يلزم على هذا أن المسموع هو العجب،، والمسموع هاهنا صوت الحلي، فالمعنى سمعت صوتاً عجباً،، والمهم أن تفسير الأدب بالعجب استنباط
أديب، وليس تنصيص نقل عن العرب، وسيأتي إن شاء الله سياق الإمام ابن فارس لهذا المعنى بصيغة التمريض،
وذكر أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الفارابي (- 350ه) الأدب في باب فَعَل الاسم بفتح الفاء والعين ولم يزد (5) ،
وذكر الفعل أدب بفتح الدال في الماضي، وكسرها من المستقبل؛ فقال:
أَدًبتُ القوم،، أي دعوتهم (6) ،
وفي باب فَعُل بضم العين من الماضي والمستقبل جميعاً ذكر أَدُبَ أَدباً ،، أي صار أديباً (7) ،
وفي صيغة الماضي أَفعل الذي مصدره الإفعال ذكر آدبت القوم،، أي دعوتهم (8) ،
وذكر في الفعل المضعف العين فَعَّل الذي مصدره التفعيل: أدبته فتأدب (9) ،
وذكر في الفعل المضعف العين بصيغة تفعَّل الذي مصدره التفعل: تأدب لما أَدَّبه (10) ،
وقال الأزهري: قال أبو زيد: أدُب الرجل يأدُب فهو أديب وأدِب (11) ،
وذكر أديباً مؤدباً بمعنى البعير إذا رِيض، واستشهد بقول مزاحم العقيلي:
وهن يُصَرِّفن النوى بين عالج،
وجران تصريفَ الأديب المذلل (12) ،
ونقل الأزهري عن أبي عمرو: جاش أَدَب البحر - وهو كثرة مائه - ،، قال: وأنشد:
عن ثبج البحر يجيش أدبه (13) ،
وقال أبو سليمان حمد بن محمد الخطَّابي ( - 388ه): يقال: أَدَبَ على القوم يأدِب أدباً؛ فهو آدب،، وهم أدَبة - كما قيل: كاتب وكتبة، وحافظ وحفظة -،، قال
ثعلب: ما كنت أديباً، ولقد أَدُبتُ،، وما كنت آدِباً ولقد آدبت،، أي داعياً (14) ،
وقال: في حديث علي (رضي الله عنه): أن رجلاً قال له: أخبرني عن قريش؟،، قال: أما نحن بنو هاشم فأنجاد أمجاد، وأما إخواننا بنو أمية فقادة أدبَة ذادَة،
أخبرناه محمد بن هاشم: أخبرنا الدبري: عن عبدالرزاق: عن معمر: أن رجلاً سأل علياً (15) ،
وذكر إسماعيل بن حماد الجوهري (- 393ه) الأدب (بفتح الهمزة، وسكون الدال) بمعنى العجب، وأورد شعر منظور الذي استشهد به ابن دريد ،، كما ذكر أنها مصدر
أدَبَ القومَ يأدبهم بالكسر بمعنى دعاهم إلى طعامه،
وذكر بيت طرفة، وفسر الآدب بمعنى الداعي،
وذكر أن أبا زيد حكى: آدب القومَ إلى طعامه يُؤدبهم إيداباً، وذكر قول الشاعر (وهو صخر الغي):،
كأن قلوب الطير في قعر عشها
نوى القَسب ملقى عند بعض المآدب (16) ،
وذكر أبو الحسين أحمد بن فارس ( - 395ه) الأدب بمعنى العجب،، وسياقه جاء بصيغة التمريض والشك (17) ،
وقال الزمخشري عن خبر ابن مسعود (إذ قال له رجل: ما أدبت فأحسنت الأدب): التفات إلى الرجل بالتقريع (18) ،
وقال: الأَدَبة جمع آدب من المأدُبة (19) ،
وقال أبو موسى المديني (-581ه): أَدُبَ: صار أديباً، وكثر أَدَبُه (20) ،
وقال جمال الدين أبو الفضل محمد بن مكرَّم (ابن منظور) (630 - 711ه): فلان قد استأدب بمعنى تأدب ،
وقال: والمأدوبة التي قد صنع لها الصنيع ،
وقال: ورأيت في حاشية في بعض نسخ الصحاح المعروف الإدب بكسر الهمزة، ووجد كذلك بخط أبي زكريا في نسخته،، قال: وكذلك أورده ابن فارس في المجمل (21) ،
ونقل أبو عبيد عن الاصمعي: جاء فلان بأمرِ أدبٍ،، مجزوم الدال،، أي بأمر عجيب، وأنشد:
سمعت من صلاصل الأشكال
أدبا على لباتها الحوالي (22) ،
وقال أبو عبيد: قال أبو زيد: يقال: آدبت أودب إيداباً،، وأَدَبتُ آدب أَدباً (23) ،
وقال أحمد بن محمد الفيومي (- 770ه): أدبته أدباً من باب ضرب: علَّمته رياضة النفس ومحاسن الأخلاق،، قال أبو زيد الأنصاري: الأدب يقع على كل رياضة محمودة
يتخرج بها الإنسان في فضيلة من الفضائل،، وقال الأزهري نحوه؛ فالأدب اسم لذلك، والجمع آداب مثل سببٍ وأسبابٍ،، وأدبته تأديباً مبالغة وتكثير،، منه قيل
أدبته تأديباً إذا عاقبته على إساءته؛ لأنه سبب يدعو إلى حقيقة الأدب،، وأدب أدباً من باب ضرب أيضاً صنع صنيعاً ودعا الناس إليه فهو آدِب على فاعل (24) ،
وفسر مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي (729 - 817ه) الأدب - محركة - بالظرف وحسن التناول،، وذكر أدَب البلاد بمعنى ملأها عدلاً،، وذكر الأدب بفتح
الهمزة وسكون الدال بمعنى العجب كالأُدبة - بضم الهمزة وسكون الدال، وأنها أيضاً مصدر أَدَبَه يأدبه،، وذكر أدِب (بكسر الدال) أدباً - محركة - بمعنى عمل
مأدبة (بفتح الدال)، وأُدبة (بضم الهمزة وسكون الدال) (25) ،
ولما قال الفيروز آبادي: والأدب بالفتح العجب محركة مع أنه سلف قول ابن منظور من ذكره كسر الدال وسكون الدال، وفتحها وجزم الدال؛ فذكر الزبيدي أن شيخه
استدرك ذلك على الفيروز آبادي ، ثم تعقب شيخه بأن علم الفيروز آبادي بالخلاف هو ثمرة قوله: بالفتح ، وأن ذلك إشارة إلى المختار من القولين عنده،
وعبارة شيخ الزبيدي: إلا أن يكون ذكره تأكيداً ودفعاً لما اشتهر أنه بالتحريك ،
وقال الزبيدي في رده: وليس كذلك أيضا، بل هو في مقابلة ما اشتهر أنه بالكسر كما عرفت ،
وقال الزبيدي عن المأدوبة في شعر عدي: التي قد صنع لها الصنيع (26) ،
وقال: الإدب بالكسر السرعة والنشاط، وبالتحريك الجمع،، يقال: أدبهم على الأمر،، إذا جمعهم عليه،، نقله الزمخشري (27) ،
وقال: وقال أبو زيد: أدُب الرجل كحسن يأدب أدباً فهو أديب جمعه أدباء ،، وقال ابن بزرج: لقد أدبت أدباً حسناً، وأنت أديب، وأدبه،، أي علمه، فتأدب،، تعلم،
واستعمله الزجاج في الله عز وجل ، فقال: والحق في هذا ما أدب الله تعالى به نبيه صلى الله عليه وسلم،
وفلان قد استأدب بمعنى تأدب، ونقل شيخنا عن المصباح: أدبته أدباً (من باب ضرب): علمته رياضة النفس ومحاسن الأخلاق، وأدبته تأديباً مبالغة وتكثير، ومنه
قيل: أدبته تأديباً،، إذا عاقبته على إساءته؛ لأنه سبب يدعو إلى حقيقة الأدب،، وقال غيره: أدَبه، كضرب وأدَّبه: راض أخلاقه وعاقبه على إساءته؛ لدعائه إياه
إلى حقيقة الأدب، ثم قال: وبه تعلم أن في كلام المصنف قصوراً من وجهين (28) ،
وقال: والأدب بفتح، فسكون أيضاً مصدر أدبه يأدبه بالكسر إذا دعاه إلى طعامه، والأدب الداعي إلى الطعام (29) ،
وقال: ومما يستدرك عليه: جمل أديب،، إذا ريض وذلل، وكذا مؤدب، وقال مزاحم العقيلي:
فهن يصرفن النوى بين عالج
ونجران تصريف الأديب المذلل (30) ،
وفي الوجيز الصادر عن مجمع اللغة العربية بمصر: أدَب القوم أدباً: دعاهم إلى مأدبته، وفلانا راضه على محاسن الأخلاق والعادات، والقوم على الأمر جمعهم
عليه، وندبهم إليه،
أدُبَ فلان أدباً: راض نفسه على المحاسن، وحذق فنون الأدب؛ فهو أديب،، وأدَّب فلانا: راضه على محاسن الأخلاق، ولقنه فنون الأدب، وجازاه على إساءته،، تأدب
بأدب القرآن، أو أدب الرسول: احتذاه،، الآدب: صاحب المأدبة، والداعي إليها،
والأدب: رياضة النفس بالتعليم والتهذيب على ما ينبغي، وجملة ما ينبغي لذي الصناعة أو الفن أن يتمسك به، كأدب القاضي وأدب الكاتب، والجميل من النظم
والنثر،، آداب: وتطلق الآداب حديثاً على الأدب بالمعنى الخاص، والتاريخ والجغرافيا، وعلوم اللسان، والفلسفة،، والآداب العامة: العرف المقرر المرضي، وآداب
البحث والمناظرة: قواعد تبين وتنظم كيفية المناظرة وشرائطها،
والادبي: يقابل المادي،، وقيمة أدبية: تقدير معنوي غير مادي،
والأديب: الحاذق بالادب وفنونه جمعه ادباء،
والتأديب: التهذيب، والمجازاة،، ومجلس التأديب: شبه محكمة تؤلف لمحاسبة العاملين في الحكومة على المخالفات،
والمأدبة: الطعام يصنع لدعوة،
والمؤدب: لقب لمن كان الخليفة يختاره لتربية أبنائه (31) ،
قال ابو عبدالرحمن: هنا هنا وقفات اكتفي منها هذا اليوم بالوقفة الأولى، وهي تفسير الأدب - بفتح الهمزة، وسكون الدال - بالعجب،، فسرها بذلك ابن دريد
مستندا على فهمه لشعر منظور بن حية من كون نشاط الدابة أتى بالأدب،، واستند ايضا على فهمه لبيت ذي الرمة: ان لصوت حلي النساء أدباً تسمعه مثل خشخشة الريح؛
ولهذا فسر الأدب بأنه تعجب من اللبات التي عليها الحلي،
وتابع ابن دريد جمهرة من اللغويين كالجوهري ، ونقله أبو عبيد: عن الأصمعي مستشهداً بشعر ذي الرمة،
أما الإمام ابن فارس فساق هذا المعنى بصيغة التمريض،
قال أبو عبدالرحمن: المحقق عندي أن الأَدب ليست بمعنى العجب، وأن إيراد هذا المعنى دعوى على العرب؛ لسوء فهم بعض العلماء لشاهدي الشعر اللذين أوردوهما،،
والعجب في الشاهدين قد يكون نتيجة للمعنى اللغوي؛ فهو استنباط عقلي من كلام مركب، وليس هو المعنى اللغوي ذاته للمفردة،، وبيان ذلك أن المعنى في بيت ذي
الرمة الدعاء والنداء،، أي لصوت الحلي نداء كنداء خشخشة السنا،، أما كون ذلك النداء معجباً فقد يكون دلالة الموصوف - وهو الصوت - ، وليس دلالة الصفة وهي
الأدب،، مثال ذلك عرف الديك إذا كان معجباً للنظر فليس معنى ذلك أن العرف عجب،
وليس السياق تعجباً من اللبات كما قال ابن دريد، وإنما هو تشبيه لصوت الحلي الذي تحمله البات،
وأما شعر منظور بن حية فيأتي بيان وجهه في الوقفات إن شاء الله
،(1) الكامل959/2،
،(2) جمهرة اللغة 366/3،
،(3) الجمهرة 481/4،، وتابعه الفارابي في ديوان الأدب 140/4، وذكر بيت منظور،، والأدب على وزن فَعل بفتح الفاء وسكون العين،
،(4) راجع ديوان ذي الرمة/ شرح أبي نصر/ تعليق الدكتور عبدالقدوس ابو صالح 276/1 - 277،
،(5) ديوان الأدب 158/4،
،(6) المرجع السابق 201/4،
،(7) المرجع السابق 219/4،
،(8) المرجع السابق 220/4،
،(9) المرجع السابق 227/4،
،(10) المرجع السابق 239/4،
،(11) تهذيب اللغة 209/14،
،(12) المرجع السابق209/14،
،(13) المرجع السابق 209/14،
،(14) غريب الحديث 148/2،
،(15) المرجع السابق 146/2،
،(16) الصحاح 86/1،
،(17) انظر مقاييس اللغة 74/1 - 75،، وانظر كتاب المجمل ص 48، وكلامه فيه مختصر جدا،
،(18) الفائق 173/1،
،(19) المرجع السابق 408/3،
،(20) المجموع المغيث 44/1،
،(21) انظر لسان العرب 93/1 - 94،
،(22) انظر تهذيب اللغة 208/14،
،(23) انظر تهذيب اللغة 209/14،
،(24) المصباح المنير 9/1،
،(25) القاموس المحيط 155/1،
،(26) تاج العروس 296/1 - 298، والتكملة والذيل والصلة للزبيدي 139/1 - 140،
،(27) التكملة والذيل والصلة للزبيدي 140/1،
،(28) تاج العروس 296/1،
،(29) تاج العروس 297/1،
،(30) تاج العروس 298/1،
،(31) المعجم الوجيز ص 9،


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved