رؤى وآفاق
العرب والصناعة
سكان المملكة العربية السعودية عرب يعيشون في بلادهم التي عاش فيها آباؤهم وأجدادهم، ومن المعروف ان الجزيرة العربية مستقر البداوة، وقد ارتبط بالبداوة
الجمل والرمل إذ لا نجد بلادا يهتم سكانها بالإبل مثل اهتمام سكان الجزيرة العربية بها، ولا نجد بلادا يكثر فيها الرمل مثل كثرته في الجزيرة العربية، وقد
يعلل ترحال العرب من مكان الى آخر بوجود وسيلة النقل الجمل، الذي لا نجده في البلاد الأخرى المجاورة للجزيرة العربية، وقد نعلل عدم الاستقرار وعدم وجود
القرى والمدن بكثيرة الرمال، فالرمال في الجزيرة العربية تشغل مساحات واسعة من جنوبها تعرف برمال الجزء الربع الخالي كما تشغل مساحات واسعة من وسطها
أهمها الدهناء، وتشغل مساحات واسعة عن شمالها هي رمال عالج النفود , هذه الرمال تغري العرب بالرعي فيها في الأزمان المعتدلة الخريف، الشتاء، الربيع، الصيف
فإذا حل القيط تعذر المقام فيها لندرة الماء، وصعوبة نقله الى تلك الرمال, وبما ان حياة العرب تعتمد على الرعي، ويصاحبها التنقل، فإن حاجتهم للصناعة
محدودة، ومن هنا قل من يعتمد في رزقه على الصناعة وكثر من يعتمد في رزقه على الرعي وتربية الماشية،وهذا هو السبب الرئيسي في ندرة الصناعة في بلاد العرب،
واذا التفتنا الى تاريخ الجزيرة العربية في ماضيها لم نقف على قيام دولة مهيمنة على البادية ومعتمدة في مواردها على الجزيرة العربية، وإنما هي امارات تقوم
في أجزاء من الجزيرة العربية ثم تزول، أو تكون الجزيرة العربية تابعة لدولة كبيرة لا تهتم بها، ولا تعتمد على مواردها، فعدم وجود الدولة الثابتة في الماضي
سبب مهم في انعدام الصناعة في الجزيرة العربية، فالمدن لا يستقيم نظامها وتزدهر تجارتها وصناعتها إلا في ظل الأمن، والأمن مرتبط بدولة راعية، فلما انتفى
وجود الدولة استمرت البداوة، وانتفت الصناعة التي لا تنشأ إلا في المدن, وتعليل ابن خلدون لعدم وجود الصناعة عند العرب لا يخرج عن الاشارة المتقدمة؛ فهو
يقول: والسبب في ذلك انهم أعرق في البدو وأبعد عن العمران الحضري وما يدعو اليه من الصنائع وغيرها، والعجم من أهل المشرق وأمم النصرانية عدوة البحر الرومي
أقوم الناس عليها لأنهم أعرق في العمران الحضري وأبعد عن البدو وعمرانه حتى ان الإبل التي أدانت العرب على التوحش في القفر والاغراق في البدو مفقودة لديهم
بالجملة , وابن خلدون يربط الصناعة بالعلم ويرى ان الحضارة لا تقوم إلا على الصنائع والعرب بعيدون عن ذلك, وابن خلدون ليس متحاملا على العرب فهو عربي
حضرمي بلاده تونس والعربي لا يرغب في استنقاص قومه ولكنه رجل علم وبحث واستقصاء، ولو ان ابن خلدون شاهد الجزيرة العربية الآن لاختلفت نظرته واختلفت كتابته
عن عرب الجزيرة العربية، فقد قامت في الجزيرة العربية دولة ثابتة الأركان راسية الدعائم، وطدت الأمن وحضرت البادية ووفرت الماء في الصحراء فتحولت البادية
الى حاضرة والقرية الى مدينة واصبحت البلاد مهيأة للصناعة، فهاهي المصانع تقام في ضواحي المدن وفي الأرياف، فالصناعة وجدت في جزيرة العرب في عصر العلم
والحضارة، فصناعة الأغذية تقدمت على صناعة الأمم العريقة في الصناعة، حتى ان مصانع الألبان تعد الأولى باعتراف المهتمين بصناعة الغذاء في العالم, وهناك
صناعة البناء والأثاث وأواني المنزل، وصناعة أجزاء الآلات، فنحن ولله الحمد نسير في الطريق ولا يفترض ان نصل الى نهايته في يوم وليلة، ومما يدل على ثبات
مسيرتنا ان كليات الهندسة والكليات التقنية تخرج الأعداد المؤهلة لتحمل المسؤولية، وتثبيت دعائم الصناعة في المملكة العربية السعودية, وقد ثبتت صناعة
البترول في بلادنا وأهمها ما هو قائم في مدينة الجبيل في شرقي البلاد، وفي مدينة ينبع في غربي البلاد، ومن يشاهد المصانع القائمة في المدينتين يقف على
قدرات شبابنا في هذا النوع من الصناعة,
ان معرض الصناعات الوطنية الذي يقام في كل عام ليشهد لبلادنا بتنوع صناعتها ورقيها في هذا المضمار، فالصناعة الوطنية تنافس في جودتها الصناعات الأخرى، بل
انها تتقدم عليها، فلم تعد الجزيرة العربية بلاد البدو، فالبدو دلفوا الى أبواب الحضارة بخطى واثقة وقدم ثابتة وعزيمة قوية,
د, عبدالعزيز بن محمد الفيصل


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved