على الهامش
اللغة المحايدة!!،
حسين المناصرة
في النقد تعودنا ان ننصت الى لغتين رئيستين ، احداهما لغة ذوقية غير حيادية، واخراهما لغة موضوعية مجردة نسبيا من التواطؤ والمزاج,
ومن الناحية النظرية كثيرا ما نتحدث عن ضرورة تواجد اللغة المحايدة او المنطقية او الموضوعية في لغة النقد الادبي الذي له زي تاريخي موشى بذوقيات فنية
وجمالية، جعلت منه في اوقات كثيرة خطابا ادبيا ممتلئا بصياغات الذات المشبعة بعبارات الاعجاب والروعة والجمال,, او بعبارات نقيضة تسحب بساط الادبية من تحت
اقدام النصوص لتوصف بأنها ضئيلة الهوية الجمالية، بمعنى غير الجميلة او الرائعة ,
وبكل تأكيد ليست هناك لغة محايدة مائة بالمائة، او نقد موضوعي شامل، او نقد متجرد من الذات,, او ما شئت مما يشابه هذه المصطلحات، وذلك لسبب بسيط، وهو ان
الانسان يتكون من لحم ودم، ويشتغل بديناميتي العقل والعاطفة، وهما مثل بصمة الابهام لا يتشابه فيهما انسان مع آخر مهما سمعنا عن اساطير لتكريس صفة التشابه
في هذا الفضاء!!,
فالأمر هنا، اذن، اقناع، من ناحية تكريس المشترك، والاقناع هذا يهدف الى ترسيم جسور الاتفاق في امور مشتركة تخص الابداع والثقافة والمنطق,, لتصبح الوسيلة
الوحيدة الضامنة للانفتاح والتواصل هي المحاورة وعرض وجهات النظر للكشف عن المشترك والثابت للاتفاق عليه، وترك الخصوصيات او المتغيرات الذاتية شأنا ذاتيا
لا ينقص من قيمة النقد او ينقضه,, بل ينتجه مادة ثقافية تحمل التربية الذاتية ووعيها الحامل لرؤيتها في هذه الحياة ضمن المشروعية المتساوية بين الافراد في
دائرة الجماعة الواحدة، اذ من المستحيل ان نقرأ نقدا يدعي الحيادية وهو يمجد قصيدة صهيونية تتخيل هدم المسجد الاقصى لبناء الهيكل,, كما اننا لا نتوقع من
الآخر (العدو) ان يقرأ قصيدة عابرون في كلام عابر لمحمود درويش بالروح الجمالية العالية التي قرأها بها الغذامي على سبيل المثال، لأن لغة الغذامي هي لغة
القصيدة نفسها، ورؤيته رؤية القصيدة نفسها في سياق المشترك الثقافي والقومي والمصيري، وان هذه اللغة سواء أكانت ابداعية ام نقدية هي ثقافة الامة في مواجهة
ثقافة الآخر، وهنا لا مجال لأن تصبح اللغة النقدية لغة موضوعية في فضاء صراع المواقع، بل يجب ان تكون لغة تتصف بصفات لغة الحرب الاعلامية في بعض جوانبها,
وفي سياق الموقع الواحد، نجد انفسنا في دائرة مواقف متنوعة ولغات نقدية متعددة، قد يتصورها بعضنا ازمة نقدية، او شللية، او هيمنة للذوقية,, أو لغة مجاملات
وتطبيل,, أو لغة مصادرة وهدم,, أو لغة صحفية استهلاكية,, مما يشكل اختلافات عميقة ، ليس منبعها بكل تأكيد العلمية، لأن العلمية لا يمكن ان تنجز بطريقة
سليمة في الخطاب الأدبي لانه خطاب غير علمي بكل بساطة، وبذلك فان منبع اللغة الادبية هو الانسان المكون من اللحم والدم أو العاطفة والعقل,
وقد يتساءل كثيرون بارتياب عن اسباب غير مفهومة تجعل كثيرا من القراء/ النقاد يقبلون على قراءة نص لاسم مشهور، تعد شهرته الاسمية بحد ذاتها المعبر الاول
للتواصل مع نصه والكتابة عنه مدحا أو قدحا أو بموضوعية نسبية,
في الوقت الذي لا يقبل فيه مثل هؤلاء القراء غير الحياديين على قراءة النصوص الكثيرة لأسماء غير مشهورة، والتي ربما تكون أغنى جماليا وفنيا من نص الشهرة
الذي تختنق بتفاصيله الكتابة الثقافية الآن، أو انهم اذا قرأوها (نصوص المغمورين) يبخسونها ويلغونها، لأن اصحابها ليسوا مهمين في الحسب والنسب والمال
والشهرة والمكانة الاعلامية الثقافية (أي أن يكون ذا منصب في الاعلام الثقافي),،
ولو توقفنا قليلا عند مفهوم الشلة لوجدنا ان هذا المفهوم الذي تبلور حديثا من مواليد الصحافة الثقافية الموجهة لوعي خاص ورؤى خاصة وكتابة خاصة,, مما
يكرس الهيمنة والزيف في طريقة الاعجاب بالذات الشللية ونفي الاخر من خارج الشلة,,
وإن كانت بعض جوانب الوعي الشللي ضرورة ثقافية قد تفيد في بعض التوجهات الثقافية العمومية فانها تصبح في حالة الانغلاق هوة وارتكاسة حضارية!! وأن الطريق
الاسلم دوما هي ان يحفظ الانسان توازنه في لغته وتواصله وتصادمه، وذلك تجسيدا لصياغة الموضوعية النسبية خارج عنق الزجاجة التي يفترض ان تحشر فيها الميول
والاهواء والرغبات وما تستدعيه الاذواق من امزجة ومتغيرات,
والنقد الموضوعي لم يكن في يوم من الايام سلطة علمية او منطقية، مهما حاولت ان تدعي بعض المناهج النقدية هذا الشكل من الكتابة، بل هو دوما علاقة تفاعلية
حميمية تدمج بين الفكري (العقلي) والذوقي (القلبي) بنسب متفاوتة بين ناقد وآخر، وان هذه اللغة الدامجة بين هاتين الصفتين، تتواصل مع الآخرين وتصبح جزءا من
مشروعهم الثقافي اذا استطاعت ان تكون مقنعة لهم وذات قابلية للانسجام مع وعيهم، وهي حاملة لمفردات الجمالية والفنية التي تشعر بالتشارك بين كثيرين قادرين
على ان يعرفوا بان لغة معلقة امرىء القيس افضل بكثير من لغة شعر اسامة بن منقذ، وانه من غير المعقول ان يتقبلوا من ناقد ما افكارا تجعل لغة شعر ابن منقذ
متجاوزة جماليا لغة سابقة، وهذا الحكم لا يعني ان لغة ابن منقذ سيئة، بل قد تعد لغة متفوقة، لكونها مسترسلة في كتابة الاعتبار على كثير من اقرانه اصحاب
مدرسة السجع مثل العماد الاصفهاني أوابن شداد أو غيرهما,
والخلاصة، ان الحياد أمر عصي على الواقع، وهو غير موجود في الحياة، لأنه قيمة مثالية,, لكنه يمكن ان يتجسد بموضوعية نسبية في هذا الواقع عن طريق زيادة
نسبة الفكري المشترك قياسا الى نسبة الذاتي الخاص الذي قد يحيل الكتابة النقدية الى خطاب التزلف والشلة,, وبالتالي اللانقد!!,


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved