المصطلح وَفق النظرية الأدبية
أبوعبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
ذكر الأستاذ جبور عبدالنور أن الأدب في معناه الحديث علم يشمل أصول فن الكتابة، ويُعنى بالآثار الخطية (النثرية، والشعرية) (1) ,
قال أبو عبدالرحمن: وهذا حق، ولكن الصياغة توحي بالتحجيم؛ فيفهم من أصول فن الكتابة صناعة الإنشاء، ويفهم من الآثار الخطية أنه مجرد تحقيق تراث,
وواقع الأدب في معناه الحديث أنه اصطفاء للظواهر والقيم الجمالية في النصوص شعراً ونثراً، وأنه إبداع لقيم جمالية جديدة، وإمداد بنصوص إبداعية جديدة، وأنه
تصنيف دقيق للأنواع الادبية، وإعطاء كل نوع نظريته الفنية، وأنه ربط للنص الفني بالفنون الجميلة في عناصرها التي يشترك فيها النص الفني,
ثم أسهب جبور في بيان دلالة الآداب على الشعوب، ودورها الدلالي والتأثيري، فقال: وهو المعبر عن حالة المجتمع البشري، والمبين بدقة وأمانة عن العواطف التي
تعتمل في نفوس شعب، أو جيل من الناس، أو أهل حضارة من الحضارات,, وموضوعه وصف الطبيعة في جميع مظاهرها، وفي معناها المطلق، في أعماق الإنسان، وخارج نفسه؛
بحيث انه يكشف عن المشاعر من أفراح، وآلام، ويصور الأخيلة والأحلام، وكل ما يمر في الأذهان من الخواطر,, من غاياته أن يكون مصدراً من مصادر المتعة
المرتبطة بمصير الإنسان، وقضاياه الاجتماعية الكبرى، فيؤثر فيها، ويغنيها بعناصره الفنية؛ وبذلك يكون أداة في صقل الشخصية البشرية وإسعادها، ويتيح لها
التبلور، والكشف عن مكنوناتها,, وهو يؤدي من خلال فنونه المتطورة المعاني المتراكمة خلال الأزمنة والمستحدثات المعاصرة في شموليتها الإنسانية أو حصريتها
الفردية، ويبرز في نصوصه المتوارثة إسهام الشعوب (كبيرة وصغيرة، قديمة ومعاصرة) في بناء الحضارة، متوخياً المزاوجة بين المضمون والشكل؛ ليجعل منهما وحدة
فنية,
ويستوعب الأدب معظم الفنون الأخرى ويتجاوزها باستعماله الأصوات، والجرس (وتناغم المقاطع هو موسيقى) وبالتأليف، والتركيب، واللون، وبراعة الأسلوب,, هو
هندسة معمارية، ورسم ونحت، وهو يحلق بجناحي الفكر متخطياً الزمان والمكان؛ ولذلك يعتبر الأدب أكمل الفنون وأسماها، وهو أقلها تعرضاً للفناء؛ لأن عوامل
الزمان والمكان تعجز عن تدميره والقضاء عليه,, لاسيما بعد اهتداء الإنسان إلى عملية النساخة والطباعة، ففي حين أن لوحة الرسام قد تتعرض للفساد أو للحريق،
وأن التمثال قد يتحطم؛ فإن الأثر الأدبي لتعدد نسخه وانتشاره في أماكن مختلفة، ينجو في معظم الأحيان من الضياع (2) ,
قال أبو عبدالرحمن: الموجز من هذا الإسهاب ربطه بالمعنى الحقيقي الوضعي لكلمة أدب، وأنه ذو أثر في تأديب النفوس تربية وصقلاً,
وموجزه جمالياً أنه التعبير الأسمى عن الحقائق؛ لأنه تعبير باللذة الجمالية,
وموجزه دلالياً أنه ديوان الشعوب كما كان الشعر - أحد أنواعه - ديوان العرب,
وأما استيعابه معظم الفنون الأخرى وأنه تجاوزها: فحكم واسع غير متصور لا بالشرح، ولا بالمثال، ولا بالبرهنة,, وإنما أفهم انه يلتقي مع الفنون الجميلة في
المعايير الجمالية، وأنه يقوم على عناصر منها، وأنه أداة تناغم معها؛ فلا قيمة مثلاً للموسيقى واللحن بدون نص فني معبر محقق لمطالب اللحن والموسيقى,
وذكر ظواهر أدبية معدودة من غير استيعاب؛ فقال: مجموع آثار كتابية ذات مستوى ينتجها أحد الشعوب في مرحلة من مراحل تاريخه، مثال ذلك: أدب النهضة في لبنان،
أو في معظم مراحل هذا التاريخ,, مثال ذلك: الأدب العربي، والأدب الإنكليزي,, إلخ,
والأدب الشفوي مجموع الأساطير والحكايات التي تنتقل من جيل إلى آخر مع تقاليد الشعب,
والأدب المقارن قسم من تاريخ الأدب ظهر في انكلترا وألمانيا في أواخر القرن التاسع عشر,, الغاية منه دراسة الروابط بين مختلف الآداب في العالم، والبحث في
التيارات الفنية، وبروزها في الآثار العالمية، وتعليل التشابه والتقارب بينها على ضوء التاريخ والتحليل الأدبي والنفسي والاجتماعي والسياسي,, ويفرض في
المتصدي لهذا العلم أن يتصف بميزات الناقد الناجح، وأن يكون ضليعاً في اللغات التي يعنى بآدابها (3) ,
قال أبو عبدالرحمن : كلامه عن مجموع آثار كتابية فضول ليس وراءه تحديد نوع، أو ظاهرة، أو قيم، وإنما هو تحصيل الحاصل من العلم بأن لكل عصر ومصر أدبه,
والأدب الشفوي ليس نوعاً يتميز عن غيره إلا من جهة طريق نقله، وليس هو وقفاً على الأساطير والحكايات بل يشمل الأدب الحقيقي,, إلا أن ما أفلت من التدوين
قديماً، ولم يدون إلا في عصور متأخرة غلبت عليه العامية المحلية، والأسطورة البحتة، والمزج بين التاريخ والأسطورة,, وأما الأدب المقارن فليس أيضاً نوعاً
متميزاً، وإنما هو مزج بين آداب وفق عنصرين هما: التأثر والتأثير، والمفاضلة,, وهو من أجلِّ ما استجد في دنيانا الأدبية وإن كان له نواة ضئيلة في تراثنا
في ظاهرتين دراسيتين:
أولاهما : الدراسات النقدية عن السرقات الأدبية وما هو في حكمها، أو خارج عنها من التأثر والتأثير,
وأخراهما : دراسات المفاضلة بين آداب بعض البلدان والشعوب كما في التنافس والمفاضلة والمقارنة بين أدب الأندلس والمشرق,
قال أبو عبدالرحمن: إلا أن إشراف الأسلاف على آداب الشعوب - ولا أقول: علومها، وأفكارها - ضيق النطاق لعوامل الغلبة، والاعتزاز بالقيم الأدبية القومية،
والاعتقاد بتفوقها، وتخلف آداب الشعوب إلا ما كان تنظيراً أخذ من اليونان، أو حكايات من الهند وفارس، أو ألحاناً من شعوب عديدة,, واليوم كثرت آداب الشعوب
المتفوقة، وطالت الرتابة في مأثورنا، واحتجنا إلى إمداد أدبنا أكثر من حاجتنا إلى امتداده، فتوازع العرب المثقفون لغات الشعوب، وأشرفنا من خلالهم على
الأدب الأسباني، والأدب التركي، والأدب الفارسي، والأدب الهندي، والأدب الصيني، والأدب السنسكريتي المؤدى بلغات هندية وأوربية,, ونتج عن كل ذلك ما سمي
بالأدب العالمي، وهو اصطفاء من القيم الجمالية في إبداع أدباء كبار لهم صفة العالمية مثل هوميروس ودانتي وشكسبير وجلال الرومي وسعدي وحكمت ولوركا,, أضف
إلى ذلك الأدب الإنجليزي، والأدب الألماني، والأدب الروسي، والأدب الفرنسي، والأدب الأمريكي,, وعن إلمام مثقفي العصر - كل في نطاق اللغة التي تعلمها - كان
حذقنا في الأدب المقارن، ومن الأدب المقارن تولد فرع جديد كان نتيجة من نتائج المقارنة وهو الأدب العام (4) ,
ومن الإشراف على الآداب العالمية دخل في تصنيفنا الأدبي مصطلحات مدارس ومذاهب كالرومانتيكية، والتصويرية، والطبيعية، وأدب الهروب، والأدب الوجودي، والأدب
الماركسي، والأدب العمالي (البروليتاري)، والأدب الأوتوبي، وأرجو أن أتناول هذا الأدب بدراسة خاصة,
وعن سر الانطواء على الأدب المحلي قديماً، وامتزاج الأدب العالمي حديثاً قال الأستاذ جبور عبدالنور وهو يتكلم عن ظاهرتين:
الأولى: تؤكد استقلالية كل أدب عما سواه في الاعصر القديمة، تبعاً لصعوبة المواصلات، وتفشي الأمية، فينحصر التناضح الفكري والفني ضمن نطاق ضيق، أو يرتبط
بمناسبات تاريخية فاصلة مثل الفتح الروماني الذي يَسَّر للثقافة اليونانية بمعناها الواسع غزو أوروبا، والفتح العربي الذي اجتذب محصلات المدنيات الغابرة؛
ليغتذي بها، ويحولها إلى نسغ جديد,
والثانية : تؤكد أن انهيار السدود، وزوال الحدود بين البلدان، ووفرة وسائل النشر في العصر الحديث: أدى كلها إلى امتزاج الشعوب، واستقائها من منابع مشتركة،
وإلى تعاونها في تقرير مبادئ متشابهة، والانتماء إلى مذاهب متقاربة,, بحيث بدا الأدب المعاصر (على تنوع لغاته) موحد الملامح ضمن التيارات الكبرى، وإن تفرق
أنصارها في مختلف الأصقاع,
وقد طغت هذه الظاهرة انطلاقاً من مستهل النهضة الأوروبية في القرن الخامس عشر، وأخذت تقوى على مرور الزمن حتى غزت الشرق الأدنى والأوسط والأقصى، وهذا ما
حاولنا (بإيجازٍ معجمي) الكشف عن بعض جوانبه في المقل من الصفحات من خلال الإلمام بعدد من الآداب وبإبراز الآثار التي ظهرت فيها (5) ,
قال أبو عبدالرحمن: وفي كلام السياسيين - ككلام روزفلت عن محادثته للملك عبدالعزيز -: ولقد استفدت منه في خمس دقائق عن المسألة (أي مسألة تهجير اليهود إلى
فلسطين، واحتجاج الملك عبدالعزيز ضد ذلك) مالم أستفده من مذكراتها وأدبياتها ,, والإدارة لها أدبياتها,, ويراد بذلك الخطابات والإيضاحات المصوغة أدبياً,
الهوامش
،(1) المعجم الأدبي ص316,
،(2) المعجم الأدبي ص 316 - 317,
،(3) المعجم الأدبي ص317,
،(4) انظر عنه كتاب معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب ص19,
،(5) المعجم الأدبي ص318 - 319,, ومن مراجعه العربية الأدب وقيم الحياة المعاصرة لمحمد زكي العشماوي/ الدار القومية للطباعة والنشر، 1966م، والثورة والأدب
للويس عوض: دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، القاهرة 1967م والأدب المسؤول لرئيف خوري/ دار الآداب، بيروت 1968م، ومجلة الآداب، (العدد الخاص باليوبيل
الفضي)، كانون الأول، 1977م، (بيروت),،
،


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved