على الهامش
بعض الكتابة ثرثرة
حسين المناصرة
يمكن ان نختزل بعض الكتابة الادبية في خاطراتها مهما كان تجنيسها في سياق الكتابة الثرثرة ,, ومعنة الكتابة الثرثرة هو ان تصبح الكتابة متولدة من
التداعيات او من الاحاديث المشابهة للثرثرة كما نتصورها تدور بين مجموعة من الرجال يلعبون البلوت او الطرنيب ، او بين مجموعة من النساء يثرثرن في شئون
البيوت اليومية وهن يشربن الشاي الساخن في الشتاء، أو بين مجموعة من الصبية يثرثرون في امور لعبة كرة القدم في دوري المدرسة,, الخ,وبكل يسر، من الممكن ان
تكون الكتابة ثرثرة اذا انزلقت هذا المنزلق,,, ومن الممكن ايضا ان تكون اي شيء آخر مشابها للثرثرة، كأن تكون بوهيمية، او سريالية، او عبثية، او متولدة من
عقل تضاربت فيوزاته كما يرى بعضهم ساخرا,,لكن يجب الا يدعي مدعٍ ان مثل هذه الكتابة هي الكتابة الجديدة، وانها الكتابة الأصلح، لأنها آخر ما توصلت اليه
الكتابة الحداثية,, الى غير هذه الصفات الملبسة المتشنجة، وذلك لكون هذا الادعاء مسلكية نفسية غير سوية، وان مثل هذا المدعي يجب ان يُحمل الى طبيب نفسي له
باع طويل في معالجة الامراض الشوفينية المستعصية، خاصة اذا كانت بعض هذه الامراض لا تتوقف عند الادعاء بوصف الكتابة الثرثرة على اساس انها آخر ما وصلت
اليه الموضة وإنما عندما يلجأ بعض منظريها او مدعيها الى نفي الكتابة الادبية الاصيلة او غير المثرثرة ومصادرة جودتها بحكم انها كتابة كلاسيكية او
تقليدية او عادية او وصفها بأية صفة دونية اخرى,, وربما يقصدون من هذه الكلمات القول: ان الكتابة الثرثرة اصبحت عصية على التجنيس، فهي مادامت كوكتيلا
فإنها كتابة عظيمة، وانها ما دامت تبتعد عن الوضوح والانتظام فهي كتابة عظيمة، لأن صفتها الفنية القائمة على الثرثرة هي العنصر الفني الحاسم الذي يجعل من
هذه الكتابة الثرثرة كتابة رائعة، وبالتالي فإن اي واصف لهذه الكتابة الرديئة - من وجهة نظر بعض المتلقين - بصفة السلبية، كقولهم: ليست بذات لون او رائحة
او طعم,, هو معياري تقليدي غير متطور، لا يفهم الكتابة الجديدة في عرف نقد الثرثرة,!!،
ثم ان الكتابة الثرثرة، لا تحتاج الى موهبة او قدرات ثقافية او اي معيار فني من معايير الكتَّاب الفحول واشباه الفحول ومحاولي الكتابة الجيدين، فالأمر كله
لا يتجاوز، اذا اردت ان تكون مثرثرا، وان تكون عارفا الكتابة بالحروف العربية، بمعنى ان تكون قادرا على فك الحرف كما تقول العجائز، فإذا كنت من اصحاب هذه
الموهبة المتواضعة اولا، ثم استطعت ان تصل، عن طريق الشفاعة، الى زاوية من زوايا الصحف والدوريات الكثيرة، وابرزت موهبة الثرثرة حتى لو كانت بلغة ركيكة
مليئة بالاخطاء الاملائية والنحوية، فسوف تجد نفسك كاتبا من الدرجة الاولى، بعد شهرين على اغلب الاراء، خاصة اذا كان قسم التصحيح اللغوي مساعدا لموهبتك،
فيلبس كتابتك ثوب السلامة اللغوية، ولو حدث، لا سمح الله، ان خرجت كتابة الثرثرة بكارثتها اللغوية المكسرة، فحينها لا تفاجأ، ايها القارئ، بادعاء لسان
المثرثر القائل اذا كان الواقع الذي اكتب عنه مكسرا فكيف تريدون مني ان اكتب بلغة غير مكسرة وهنا ما زلت اذكر ذلك المثقف الكبير الذي اخرج روايته الاولى
ممتلئة بالاخطاء اللغوية الفاضحة، وعندما اخرج روايته الثانية مصفاة من كل خطأ لاستعانته بأكثر من مصحح، حمل في الفصل الاول من روايته الثانية على الذين
حاربوا روايته الاولى لضعفها اللغوي، واتهمهم بأنهم لم يفهموا قصده، فهو عندما كتب روايته الاولى المكسرة لغويا كان يقصد تعمد هذا التكسير مائة بالمائة،
وذلك لأن الرواية تتحدث عن سقوط فلسطين، وليس من المعقول، ما دام الوطن قد سقط، ألا تسقط اللغة، وهو يتحدى الذين اتهموه ان يجيئوا بلغة مثل لغته في
روايته الثانية التي يشكر في مقدمتها ثلاثة اشخاص قرءوا مسودتها ونقحوا لغتها,!!،
وإضافة الى كون الكتابة الثرثرة لا تحتاج الى جهد يذكر من الموهبة والالهام والمعاناة,, فإن كاتبها على استعداد ان يكتب في اليوم الواحد ما يزيد على عشرة
نصوص او خواطر او قصائد نثرية او قصص قصيرة جدا او ما شئت من هذه وبنات عمها، فالامر لم يعد صعبا، لأن الكتابة بكل بساطة ثرثرة، وكثير من الناس قادر على
ان يثرثر عشر ساعات يوميا على اقل تقدير في حالات الثرثرة العادية، فكيف الحال مع اصحاب هوايات الثرثرة العاشقين لتفخيم الذات الى حد تصبح فيه حجومهم
المتواضعة جسديا اكبر من العالم كله نفسيا، وبالتالي فعليك ايها القارئ العزيز ألا تتعقد من كثرة انتاج المثرثرين، او من اصابتهم المرضية المزمنة بفايروس
اسهال الكتابة لأن الكتابة بكل بساطة من وجهة نظرهم ثرثرة ,, وعليك بالتالي ان تتقبل وجودهم في عشرات الصحف والدوريات,, ولا تستغرب اذا قدم لك احدهم نفسه
بقائمة فيها مائة مادة نشرها في اسبوع او شهر، فهو علم قادر على الكتابة المثرثرة، وقادر على الاقناع بثرثرته السمجة للمراهقين، ثم هو معذور، فماذا
بإمكانه ان يفعل اذا كانت الصحافة كلها ادركت موهبته، واصبحت تلاحقه فتطلب منه المزيد والمزيد، وهو من جهته يقدم اغراء آخر عندما يتخلى عن المكافأة
الرمزية، لأنه ابن عز وغنى ولا يحتاج الى المكافأة ما دام اسمه اصبح اسما مثرثرا مشهورا,,
ما هو مثال الكتابة الثرثرة، الأمر لا يحتاج إلا الى ورقة بيضاء، وقلم بخط اسود، ودماغ خالية من التفكير، والكتابة بأسلوب ما هب ودب وهنا مثال بقلم مثرثر
كبير ,,,,, اتركه باخطائه كما وردت في المصدر المقتبس منه قبل ان يعيد المصحح كتابته، مع إضافتي لبعض همزات القطع وحذف همزات الوصل لأنني لا استطيع ان
امررها:
تنخفض الحرارة, أغيب عن الوعي,, صباح الخير صباح الخير,, أين جدتي,, كيف أصبحت عصفورا اطير بلا اجنحة,, انني الآن اعلن الحرب على نفسي,,, احاربكم بداخلي,,
اريد ان اتحرر منكم,, انا الذي ولد في الاهرامات وشرب اللبن من اثداء الجاريات القبرصيات,, ها انا اعود عاري من اسحلتي,, اطير كهامة فوق رؤوس سجاني,,,
احاربهم، فانتصر,, مساء الخير صباح الخير ايها الوطن,
فاصلة: الوردة تصبح قبرة تحمل الجمل المكسور القدمين تأخذه الى مغارات الغولة,, يعود شابا مثل علاء الدين,
احمل امتعتي وارحل,, انظر خلفي فلا اجد غير الريح تعصف في مدينة النحاس,, كيف اعود لأرى مدينتي بعد ألف عام وعام,, ها هي حبيبتي تلوح بمنديلها الاخضر,,
الحقها فيأخذها النهر الذي يغطس في بطن الارض,,, هل انا هامة او اسطورة,, أو انني مولود من رحم التناسخ,
صباح الخير,, مساء الخير ايها الاطفال,, لماذا تلعبون بالشوارع الباردة,؟
هل انتم حجارة لا تشعر بالبرد؟ وانت ايتها المرأة التي ترضعين الطفل: كيف اصبحت بلا زوج,, ان الغزاة يقتلون الشوارع,,
عليّ ان اهرب من بوابة التاريخ,, التقي بالشنفرى الذي لا اعرف منه غير اسمه,, صباح الخير يا سيدي,, الشنفرى,
امي تقدم لي فنجان القهوة,, اخي الصغير يلعب بحقيبته المدرسية,,, اختي المطلقة تتابع المسلسل بالتلفزيون,, الشنفرة يقتل اعرابي بعد موته,!! وانا اسوِّد
مقالة لصحيفة الليل الاخير!! ماذا اريد ان اكتب,, هيا نثرثر,, الكتابة ثرثرة يا هامتي الطائرة في الشوارع,,, هذا البيت يصبح كابوسا,, وهذا الكتاب لا يقدم
لي الفكرة السريعة,, انني اشعر بالجوع,,, الهامبورغر الذي اكلته امس يطحن بطني مغصا,, اصبحت في العشرين من عمري ومازلت اتمايص واريد الهمبورجر,, مع
تحياتي لرئيس التحرير، راجيا منه ان يفكر الف مرة قبل ان يتناول الهامبرجر,, وانت ايها القارئ احذر فساد الاطعمة,, هل تريد ان تودع الحياة بسبب وجبة
هامبرغر ومع هذا فكل الذين يصنعوا الهامبورغر في بلدنا العزيز والحمد لله لا يغشوها ولا يفسدوها، فهي طازجة مائة بالمائة,, فهنيئا لك على هذه الوجبة يا
لذيذ يا رايق ,الكتابة مشروعة,, ومن حق كل كاتب ان يمارسها بطريقته الخاصة,, ولكن من حقي انا / القارئ ان ارفضها اذا كانت ثرثرة بالمعنى السلبي لهذه
الكلمة,, ومع ذلك لم يخل النص السابق من جمالية ما يمكن ان نطلق عليها جمالية الفوضى والتناقض داخل بنية النص الفوضى او نص الثرثرة تخفيفا لحدة التصادم,


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved