هيجل عربياً
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: أريد بهذا العنوان التأكد عن مدى إحاطة الوسائل الثقافية العربية المعاصرة بفلسفة هيجل كما أرادها هيجل نفسه,, ذلك أن دراسة اي أثر
مكتوب تقوم على أربعة أعباء:
أولها: الأثر تصوراتٍ وأحكاماً كما هو في لغة صاحب الأثر موصلة إلى مراده,
وثانيها: حكم المتلقي في التصورات والأحكام معاً,
وثالثها: بيان المتلقي للمطابقة أو الاختلاف بين تصورات وأحكام صاحب الأثر كما هي في لغته المؤدية إلى مراده,, وتصورات المتلقين للأثر التي ينسبونها لصاحب
الأثر عن فهم صحيح أو خاطىء لمراده وخطابه,
ورابعها: الدراسات المقارنة بين الأثر المذكور وما سبقه، أو عاصره، أو جاء بعده من آثار في موضوعه,
ولأزيد الأمر وضوحاً وبياناً أقول: هذا كتاب باللغة العربية عن المنهج الجدلي عند هيجل الفيلسوف الألماني لمفكر عربي، أو فيلسوف عربي، أو مثقف عربي، أو
لعربي يعرف الألمانية والعربية وليس ذا تخصص بفلسفة هيجل,, وعلى كل تقدير أسأل: هل أدى مراد هيجل، وهل ملك من وسائل البيان العربي ما يستطيع به التوصيل من
لغة هيجل الألمانية وفق مراده؟
وأجد كتاباً آخر بنفس الطريقة عن دراسة المنهج الجدلي عند هيجل، فأتساءل: هل أحكامه وتصوراته صادرة عن فهم صحيح لمراد هيجل ومدلول لغته أم لا؟
وأجد كتاباً ثالثا يقارن بين هيجل ومن سبقه وعاصره وجاء بعده في موضوع المنهج الجدلي فاتساءل: هل أحكامه وتصوراته صادرة عن فهم صحيح لمراد هيجل، ومراد من
سبقه، ومراد من عاصره، ومراد من جاء بعده,, وفق مدلول لغتهم أم لا؟
وأجد كتاباً رابعاً يستعرض تعريفات دارسين لمنهج الجدل عند هيجل فأتساءل: هل عبر عن مرادهم بمدلول لغتهم إذا كانت الدراسات بلغات أجنبية ، وهل هم فهموا
فلسفة هيجل وفق مراده بمقتضى لغته أم لا؟
وبعد هذا كله يبقى التساؤل: كيف أثق وأنا مثقف عربي، أو مفكر عربي، أو فيلسوف عربي,, لا أجيد إلا اللغة العربية، أو أجيد العربية ولغة ثانية كالإنجليزية،
ولكنني لا أجيد اللغة التي كتب بها هيجل ,, كيف أثق بأنني فهمت فلسفة هيجل كما هي، أو شيئاً منها كما هو؟
وقد تطول على قراء جريدة الجزيرة مدة إجابتي على التساؤل الأخير، وحسبي هاهنا أن أبين الدافع لإثارة الشكوك حول الحضور الهيجلي كما هو عربياً,, أي بلغتنا
العربية,, إن الباعث بلا ريب يتعلق بأعباء الترجمة، وبهيجل نفسه,, اما أعباء الترجمة فمن عناصرها كون المترجم نقل عن لغة هيجل مباشرة، أو نقل بالواسطة,,
أي بالعربية مثلاً: عن الفرنسية: عن الألمانية,, وكون المترجم فناناً في اللغتين مختصاً في المادة، أو أنه كما هو صفة الترجمات التجارية محترف ذو علم
باللغتين دون تخصص في المادة,, وفنان في أدبيات وبلاغات اللغتين أو مقصر في ذلك,, ولقد عالج الدكتور طه عبدالرحمن أعباء الترجمة في كتابه الفلسفة والترجمة
وهو الحلقة الأولى في سلسلة فقه الفلسفة (1) ,, وقد طرح بآخر الكتاب صيغة الكوجيتو الديكارتية مثالاً للتناول الفلسفي من خلال الترجمات,
وأما ما يتعلق بهيجل نفسه فمن جهتين:
أولاهما: قلة المأثور العربي لهيجل,
وأخراهما: غموض هيجل بحكم ابناء لغته، وحكم كثير منهم بعجزه عن التوصيل لبعض مسائل فلسفته,, فكيف سيكون الوضع عند نقل فلسفته إلى العربية؟
ولعلي في هذه السبتية أكتفي بالجهة الأولى، فقد أحصيت على عجل أهم الطرح العربي الهيجلي، ثم ترجمت لي إحدى بُنَيَّاتي قوائم بالمأثور الهيجلي في لغات
أجنبية مما رجع إليه الدارسون العرب: فوجدت أن ما وصل إلينا نزر,
المأثور العربي لهيجل:
وأهم هذا المأثور ما كان من تأليف هيجل معرباً,, وقد نقل إلى اللغة العربية كتيبات صغيرة كانت من مقتنياتي، ثم خلت منها مكتبتي أو أنها فيما استحوذ عليه
أحد أولادي ، وهي : الفن الرومانسي، والفن الرمزي، وفكرة الجمال، والفن الكلاسيكي، وفن العمارة,, وكتاب له أكبر حجماً عن فلسفة التاريخ,
وبحوزتي الآن ثلاثة كتب معربة من أمهات كتبه، وهي: أصول فلسفة الحق، وموسوعة العلوم الفلسفية (ضميمة منها)، وتاريخ الفلسفة,, صدرت كلها في ثلاثة مجلدات
بعنوان المكتبة الهيجلية/ المؤلفات , وكلها بتعريب الدكتور إمام عبدالفتاح إمام,
ويلي ذلك فقرات من رسائله وكتبه غير المترجمة في الدراسات العربية (2) ,
ثم يلي آثار هيجل باللغة العربية الدراسات المفردة لهيجل مثل هيجل أو المثالية المطلقة للدكتور زكريا إبراهيم نشر مكتبة مصر عام 1970م، وهيجل في سلسلة
نوابغ الفكر الغربي للدكتور عبدالفتاح الديدي نشر دار المعارف بمصر عام 1968م، وهيغل والهيغلية لرينيه سرو ترجمة الدكتور أدونيس العكرة نشر دار الطليعة
ببيروت، ودراسات في الفلسفة السياسية عند هيجل للدكتور إمام عبدالفتاح إمام نشر دار الثقافة بالفجالة عام 1413ه والمنهج الجدلي عند هيجل له نشر دار
المعارف بمصر,, ثم أعيد طبعهما في سلسلة المكتبة الهيجلية/ الدراسات الذي صدر في ثلاثة أجزاء تضمنت أيضاً:
،1 تطور الجدل بعد هيجل: جدل الفكر، وجدل الطبيعة، وجدل الإنسان,
،2 فلسفة هيجل لولتر ستيس,
،3 هيجل والديمقراطية لميشيل ميتاس,
،4 دراسات هيجلية للدكتور إمام,, فهي كلها من تأليفه، أو تعريبه,
وصدر قديماً حياة هيجل للدكتور عبدالرحمن بدوي سنة 1400ه عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وهيغل للدكتور مصطفى غالب سنة 1990م ضمن سلسلة في سبيل
موسوعة فلسفية وفكر هيغل لغارودي ترجمة إلياس مرقص,
وبعض كتيبات في مكتبتي بجدة لا استحضرها الآن,
وفي حكم ذلك الدراسات الجزئية عن هيجل في الدوريات كالعدد المخصص لهيجل بمجلة الفكر المعاصر في سبتمبر سنة 1970م (3) ,, وياليت زميلي الدكتور أمين سليمان
سيدو يساعدني بحصر بيبولجرافي على نحو ما أصدرناه معاً عن الكرملي، ثم الفارابي، ثم السياب,
ثم يأتي المأثور العربي عن هيجل في كتب الدراسات الفلسفية المعاصرة، والأعلام الفلسفية، وموسوعات الفلسفة المرتبة على المواد أو أسماء الفلسفة,, وهذا شيء
كثير جداً، وإنما أذكر نماذج مثل كتابي جلال العشري: الفكر المعاصر ، وصرخات في وجه العصر ، وكتاب المثالية الالمانية: فشته، وهيجل، وشلنغ للدكتور
عبدالرحمن بدوي، وبين الفلسفة والأدب لعلي أدهم نشر دار المعارف بمصر عام 1978م، وتاريخ الفلسفة الحديثة ليوسف كرم نشر دار المعارف بمصر، وأعلام الفلسفة
للدكتور علي عبدالمعطي محمد، ودراسات في الفلسفة المعاصرة للدكتور زكريا إبراهيم حيث أورد نقد الفيلسوف بنتدتو كروتشه لهيجل، والمبادىء الفلسفية الجديدة/
فلسفة التناقض والأساس الفلسفي للعلوم لإسماعيل المهدوي، ومداخل الفلسفة المعاصرة لعدد من الأجانب ترجمة خليل أحمد خليل نشر دار الطليعة ببيروت، وعصر
الأيدلوجية لهنري د, إيكن ترجمة الدكتور فؤاد زكريا، ومع الفيلسوف للدكتور محمد ثابت الفندي، ونحو فلسفة علمية للدكتور يحيى هويدي، ومعجم المصطلحات
والشواهد الفلسفية لجلال الدين سعيد، والمعجم الفلسفي للدكتور جميل صليبا، والمعجم الفلسفي الصادر عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وقصة الفلسفة لول
ديورانت,, ومع الأسف فلم تصل موسوعته قصة الحضارة البالغة اثنين وأربعين جزءاً إلى عهد هيجل، والموسوعة الفلسفية المختصرة، وموسوعة الفلسفة للدكتور
عبدالرحمن بدوي في الجزء الثاني، والملحق,, أما موسوعة شارل حلو فقد بينت في بعض المناسبات أنه لا يُعبأ بها: لأنها سطو على عمل بدوي وغيره,
وهذه أيها الأحباب توصل إلى مسائل كثيرة من فلسفة هيجل بعد أن تمخضها بالمقارنة: لأن أكثر العرض اختصار من الدارس بمقتضى فهمه,, وفي بعضها تراكم فلسفي حيث
يأخذ دارس عن دارس، ويردد أقواله دون إضافة ملحوظة,, وهي غير موصلة في مسائل كالمنهج الجدلي وإن أُفرِدَ له مجلد ضخم ، بل تحتاج إلى استئناف مشروط يأتي
بيانه إن شاء اللَّه في مناسبة قادمة,, ولكن ذلك يظل نزراً بالنسبة لأعمال هيجل وما كتب عنه بلغات أجنبية مما لم يعرب بعد، وإليكم سياق ذلك ابتداء بنص
الموسوعة الفلسفية المختصرة التي ساهم في إعدادها غربيون ونقلت من الإنجليزية بتعريب فؤاد كامل، وجلال العشري، وعبدالرشيد الصادق,, وراجعها الدكتور زكي
نجيب محمود، وأضاف شخصيات إسلامية,, والمادة عن هيجل بقلم فلتر كاوفمان (4) ,, قال: إنه على الرغم من أن مجموعة مؤلفات هيجل بالألمانية تبلغ حوالي عشرين
مجلداً وقد بلغت في أفضل طبعة نقدية ما يزيد على ثلاثين مجلداً: فإن هيجل نفسه لم ينشر سوى أربعة كتب هي: علم ظواهر الروح 1807 ، والمنطق 1812 1816 ،
وموسوعة العلوم الفلسفية 1817,, أعيد طبعها بعد أن كتبت من جديد تماماً عام 1827، وظهرت في طبعة منقحة أخرى عام 1830 ,, وفلسفة القانون 1821 ,, وقد ترجمت
هذه المؤلفات جميعاً إلى الإنجليزية، كما ترجمت كذلك محاضراته التي نشرت بعد وفاته: وهي محاضرات عن فلسفة التاريخ، وفلسفة الفن، وفلسفة الدين، وتاريخ
الفلسفة ترجمة تنقصها الدقة أشد النقصان في أكثر الأجزاء، وتعد ترجمة ت,م, نوكس لكتاب فلسفة القانون أفضل ترجمة إنجليزية,
ومن الممكن على سبيل التيسير تقسيم فلسفة هيجل إلى مراحل ثلاث، وتبدأ المرحلة الأولى وهي مرحلة تَلقى كثيراً من التجاهل في المؤلفات الإنجليزية قبل
نشره لكتابه الأول عام 1807,, ويمثل المرحلة الثانية كتابه الأول ذاك الفينوسنولوجيا ، وتمثل المرحلة الثالثة وهي المرحلة التي عني بها الهيجليون، وأعداء
الهيجلية من البريطانيين مؤلفاته المتأخرة التي تبدأ بكتابه المنطق ,
وقد أثارت المرحلتان الأولى والثانية في ألمانيا وفرنسا اهتماماً أشد مما اثارته المرحلة الثالثة,, وإن هذا ليصدق على الأقل في القرن العشرين,
وفي المرحلة الأولى تلتقي بهيجل الذي لم يبلغ بعد طور الاحتراف، وهو يكاد في هذه الحالة لا يختلف كثيراً عن الصورة الشائعة عنه,
نشرت كتابات هيجل المبكرة وهي عبارة عن المسودات والمقالات التي كتبها في العشرينات من عمره لأول مرة عام 1907 تحت هذا العنوان المضلل: كتابات هيجل
اللاهوتية المبكرة ، ونشرت منها مقالتان كبيرتان ومجموعها الكلي أربع باللغة الإنجليزية عام 1947 بعنوان كتابات هيجل اللاهوتية المبكرة ترجمها نوكس
،(5) ,
وقال الأستاذ يوسف كرم: كتبه الحاوية لمختلف وجهات مذهبه سبعة: أولها: فينومنولوجيا الذهن 1807 ,, أي وصف الظواهر الذهنية، وآثارها في حياة الإنسان,, يصف
فيه تطور الفرد وتطور النوع,, اي علم النفس وتاريخ المدنية متداخلين حتى ليصعب أحياناً كثيرة التمييز بينهما,, والكتاب بمثابة مدخل إلى المذهب، ثم يجيء
كتاب المنطق في ثلاثة مجلدات 1812-1816،وهو عرض للمعاني الاساسية الميتافيزيقية والمنطقية، فهو حجر الزاوية في بناء المذهب,, والكتب الباقية تعالج أقسام
المذهب: موسوعة العلوم الفلسفية 1817 ، ومبادىء فلسفة الفقه 1821 ودروس في فلسفة الدين ، وتاريخ الفلسفة ، وفلسفة الجمال ,, نشرت بعد وفاته,, أما أسلوبه
فغاية في التجريد والتعقيد، حافل بالمصطلحات (6) ,, وإلى لقاء في مناسبة ثانية إن شاء الله,
،(1) صدر عن المركز الثقافي العربي سنة 1995م بالدار البيضاء,, ولعلها تسنح فرصة للسبح معه في أعباء الترجمة,
،(2) ويحفل كتاب حياة هيجل للدكتور عبدالرحمن بدوي بفقرات عديدة من رسائل هيجل,
،(3) وانظر جريدة المراجع العربية من كتاب المنهج الجدلي للدكتور إمام,
،(4) انظر المنهج الجدلي عند هيجل ص 407 رقم 35 من أرقام مراجعه العربية,
،(5) الموسوعة الفلسفية المختصرة عن 512515,, وانظر ص 519520 عن تأثير فلسفته,
،(6) تاريخ الفلسفة الحديثة ص 274,


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved