على الهامش
حسين المناصرة
في كيفية التشارك بكتابة الرواية
لدينا اربعة نماذج روائيةللتشارك في الكتابة، وهي مرتبة تاريخيا: القصر المسحور (1936) لطه حسين وتوفيق الحكيم، و الوان الحب الثلاث (1973) لعبد السلام
العجيلي وانور قصيباتي ، و القضية رقم 13 (1975) لمجيد حسيسي وفرحات فرحات، وعالم بلا خرائط (1985) لجبرا ابراهيم جبرا وعبدالرحمن منيف,
ولعل البحث عن التكنيك الذي تم به التشارك هو الذي يجعل طريقة كتابة الرواية الواحدة تخالف الى حد ما الطريقة التي تشكلت بها الرواية الاخرى، وبالتالي
يمكن ان نصف بإيجاز طرق الكتابة الروائية على النحو التالي:
اولاً: في القصر المسحور نستطيع ان نفصل بين ماكتبه الروائيان على حدة، وذلك بعد ان طُبعت صورة طه حسين او توفيق الحكيم على الفصول المكتوبة اشعارا
بإحالة الفصل الى صاحب الصورة، وقد كانت البداية لطه حسين الذي كتب الفصلين الاولين، ثم خضعت الفصول التالية للمبادلة بينهما، علما بان المهم في الرواية
هو ما كتب في الفصلين الاولين، اللذين يلتقي فيهما الراويان (طه حسين وتوفيق الحكيم) بشهر زاد التي خرجت بحاشيتها من العراق الى احدى القرى الفرنسية
السياحية,, ونجد مشكلة شهر زاد- كما تخبر طه حسين- انها لم تعد تعرف للنوم طعماً بسبب الهم والاورق، وان علاجها يكمن في ان يقص رجل ما عليها الحكايات، كما
كانت تفعل مع شهر يار في الماضي ، ومع حضور توفيق الحكيم نجد الفرصة مناسبة لتفرض عليه ان يتولى هذه الوظيفة رغم انفه، خاصة بعد ان كتب مسرحيته شهر زاد
فأصبح عارفاً بتفاصيل حياتها، بل ظالماً لها ولحاشيتها التي تطالب بمحاكمته وقتله لانه سخر منهم جميعا في مسرحيته المذكورة، على نحو صور فيه شهر يار على
سبيل المثال مثالا للغباء الذي يزعم الذكاء، والغفلة التي تدعي الفطنة، والضعف الذي يتكلف القوة ,, ومن هذه الاشكالية تنطلق الرواية لكتابة الحوارية
الادبية الثقافية بين الواقع والمتخيل,
ثانياً: وفي رواية الوان الحب الثلاث التي كتبت بلغة واحدة لايظهر فيها نمطية اللغتين، جاءت مسألة الاشتراك صورية من جهة عبدالسلام العجيلي الذي اخبرني،
مشكورا في رد على رسالة بعثتها اليه استوضح امر التشارك بينه وبين انور قصيباتي- ان اسمه وضع على الرواية بتصرف شخصي من انور قصيباتي، وان دوره في كتابة
هذه الرواية من جهة المشاركة الفعلية لايتجاوز ان عرض عليه قصيباتي الرواية قبل طباعتها، فقرأها وسجل عليها بعض الملحوظات، وبالتالي كان نشر اسمه على
الرواية تصرفا خاصا من مؤلفها الاصلي، ولأجل اعطاء الرواية الشهرة او السمعة عندما يجد القارىء عليها اسم عبدالسلام العجيلي ، ومن هذه الناحية نفهم ان
مافعله انور قصيباتي هو نشر اسمه المغمور بجانب اسم عبدالسلام العجيلي صاحب التاريخ الروائي المعروف عربياً على اقل تقدير,
ثالثاً: وفي رواية القضية رقم 13 التي تتكون من ثمانية وعشرين فصلا تسهل من امكانية التشارك، جاءت اللغة لتكشف عن وجود كاتبين، وانما هي لغة واحدة حاول
فيها الروائيان ان يصوغا قضية اجرامية تحول فيها المدرس الشاب القروي البسيط المحب بفعل سيطرة مومس عليه الى قاتل لامرأتين ورجل يستحقون على افعالهم
الشريرة القتل، لكنه مارس فعلهم نفسه مستغلا من الآخر، لتنتهي الرواية بسؤال مفتوح صرخ به البطل رمزي ، وهو : هل انا مجرم؟ بمعنى: هل الانسان الخير يصبح
مجرما عندما يقتل المجرمين وهو يدافع عن حبه وانسانيته ؟!, ولم يتوافر لدي اية اشارة عن طبيعة التشارك بين الروائيين في هذه الرواية، بالرغم من ان
الاشارات التاريخية الرابطة بين الكاتبين وهما من دالية الكرمل بفلسطين تشير الى ان المؤلف الفعلي للراوية قد يكون هو فرحات فرحات صاحب هذه التجربة
الادبية الوحيدة في حياته والقريبة من اختصاصه وعمله في مجال الجريمة وسلوك الاحداث، وان الاخر مجيد حسيسي الشاعر صاحب الاسلوب الادبي المعروف، ربما كان
له الدور الحاسم في اعادة صياغة الرواية اسلوبيا مما مهد لمشاركته الفنية الفعلية في اعادة كتابة الرواية بطريقة لغوية مختلفة عما كتبها بها فرحات,
رابعاً: واخيرا تجيء رواية عالم بلا خرائط التي تختلط فيها اللوحات بين المؤلفين لتكشف عن نمط جديد للتشارك الفعلي الملبس المتكافىء المهم في الكتابة
السردية، وهو نمط كتابي، بالرغم مما فيه من تمويه في الكتابة، يبقى هناك احتفاظ كل من الروائيين بلغته الخاصة داخل الرواية المشتركة، لتصبح امكانية
التفريق بين اللغتين ممكنة عندما تجيء من خلال معرفة طبيعة لغة احدهما اوكليهما، ليتسنى احالة لوحات الرواية الى نمطين مختلفين نسبيا، نكتشفه داخل
الرواية، وايضا عن طريق ماروي من اخبار عن طبيعة هذا التشارك، كما يظهر ذلك من وصف جبرا لعملية التشارك بينهما على انها كانت قائمة على اساس التناغم
بينهما، مما ساعد على تداول فصول الرواية بينهما لكتابتها بطريقة مجدية ناتجة عن معرفة احدهما بالآخر معرفة جيدة، كتب جبرا فصلها الاول واعطاها لمنيف،
وهكذا حدثت الكتابة المشتركة بالتناوب بعد ان بدأت الكتابة بطريقة لعبية، ثم تحولت الى فعل جاد كما يظهر من قول جبرا التالي : لما سرنا مسافة ادركنا ان
القضية صارت جدا، وقلنا اوله دلع وآخره ولع,, بدأنا كلعبة ثم سارت المسألة جدية, عندها قعدنا نناقش انفسنا ونناقش الشخصيات ونوعها، وما نريد ان نقوله,,
وقضينا حوالي سنتين لانفكر الا بهذه الرواية ولانتحادث الا فيها ونلتقي كل يوم حولها, وأؤكد لك ان الاحاديث التي تبادلناها لو سجلناها لكنا كتبنا اكثر من
رواية، لكانت ربما اهم من الرواية التي كتبناها, تبادلنا أفكاراً كانت جدا مثيرة لنا ، وكانت النتيجة اننا شعرنا انه يستطيع اثنان ان يكتبا رواية معا على
ان يكون بينهما هذا التفاهم العميق وهذا التناغم الحميم ,
ومن الممكن الحديث عن خيط من التشابك التاريخي في التأليف المشترك من جهة الرواية بين مجموعة الروايات المشار اليها، ولعلنانكتفي هنا بالاشارة الى صيغة
التأثر بين عالم بلا خرائط و القصر المسحور ، إذ إن مسألة التشابه بينهما مسألة واردة، بل تتأكد من خلال التناص الفعلي بين الروايتين، وهناك محاولة جادة
حاولت ان تصل الى نتائج اساسية في هذا المجال اعتمادا على كون القصر المسحور هي التي مهدت لعالم بلا خرائط وأثرت فيها، على نحو التشابه الموجود في دلالة
العنوانين: القصر المسحور/ عالم بلا خرائط، فالسحر ضد الخرائط وغياب الخرائط هو السحر بعينه, كما نجد في متني الروايتين احتفالا خاصا بالكتابة عن الكتابة
الابداعية (لغة النقد في الرواية) حيث يلتقي الرواة بأبطال روايتهم مثل التقاء علاء السلوم بأبطال روايته النوارس واحتراق الاشجار في عالم بلا خرائط,,
كما يلتقي توفيق الحكيم كشخصية روائية بأبطال مسرحيته شهر زاد فالراويان توفيق الحكيم وطه حسين كاتبا رواية القصر المسحور وراوياها ينطلقان من منطلق
الدمج بين العالم الروائي التخيلي والعالم الواقعي الابداعي الذي نجده في قول الراويين: لقد حضر صديقنا توفيق الحكيم الى هذه القرية ومنذ انتهى الينا كثر
الحديث بالطبع عن اهل الكهف وشهر زاد وعودة الروح ومثل هذا الدمج الحواري بين الكتابة والواقع نجده جزءا مهما من رواية عالم بلا خرائط يضاف الىذلك
التشابه بين الروايتين في التأثر باسلوب الف ليلة وليلة الذي يعتمد على الحكاية داخل الحكاية لمواصلة الحكي بالحبكة المتعددة إبعادا للسيف رمز الموت في
الروايتين كما هي حال شهر زاد مع شهريار في الف ليلة وليلة ,والطريف في الامر ان الموسوي يذهب الى القول بأن عنوان عالم بلا خرائط مأخوذ من متن القصر
المسحور، وبالذات من قول الحكيم في القصر المسحور عن شهريار ,, أيسألني انا عن اسم مملكته، وكيف لي ان اعرف,, ولست ادري اين مملكته ولا اين موقعها من
خريطة العالم وهذا الاستنتاج لايمكن ان يكون بعيدا عن وعي كلا الروائيين ( جبرا ومنيف) او احدهما على الاقل عند المقارنة بين الروايتين المتشابهتين في
كثير من مواقع التناص,
واذا عددنا تجربة القصر المسحور هي المحفز الرئيس لعالم بلا خرائط فإن المسألة المحورية ستبقى تتركز في السؤال التالي عند قراءة اية رواية من الروايات
المشتركة، وهو: هل مقصدية التأليف تؤثر سلبا على الجانب الابداعي في الرواية المشتركة، بمعنى ان تكون هذه المقصدية في التأليف الواعي افسادا للكتابة، بحيث
تصبح الرواية مخططا شبيها بالبحث النقدي الذي تتحول فيه اللغة الى سياق لعبي ملبس للمتلقي بترصد غير مقنع فنيا وجماليا؟
ربما لاينطبق هذا على رواية عالم بلا خرائط ذات اللغة التي تحاول ان تتسامى على المنطق والعقل، وتحاول ان تمتلك شاعريتها، وتمتلك لعبيتها السردية المثيرة
بما يتوافر فيها من خليط عجيب للأجناس الادبية والتكنيكات السردية المتعددة مما يجعل من حركية السرد حركية دائرية، ومن الكتابة قدرة متنامية في الوهم
والغرائبية بحيث لايمكن الاطمئنان الى وجود لغة مستقرة، لأنها لغة ذات تعددية في السردية والاصوات الاجتماعية، والاجناس غير الواعية والواعية والاحلام
والرسائل وملفات الطب النفسي والتحقيق في الجريمة والملاحق والنصوص الروائية والمسرحية والشعرية والحكايات الاسطورية والخرافية لنجد عالم بلا خرائط خطابا
غولاً في جسد رواية مفتوحة على كافة الاجناس والاساليب والقراءات وهي لاتمتلك خرائط منظمة ترتب الحدود بين الاشياء المختلفة، على اعتبار ان مسألة الترتيب
هذه مسألة خاصة بالقارىء او بالمتلقي وهي مسألة شاقة الى درجة كبيرة، قد لاتمكن هذا المتلقي من انجاز حكاية منطقية او مقنعة بشأنها، لان كل الاشياء فيها
ممكنة الحدوث، وفي الوقت نفسه غير ممكنة، في عالم سردي اسطوري عجيب، اصرّ فيه الروائيان على توليد الاشكاليات العميقة التي تجعلنا نتناسى اثناء قراءة
الرواية ابعاد الحديث عن الفصل بين لغتين متوقعتين في عالم بلا خرائط ، لان اللغتين تتحولان تلقائيا الى لغات كثيرة هي لغات الشخصيات المنفصلة ديناميا عن
المؤلفين دلالة وفنّا اذا تعاملنا مع الخطاب الادبي ضمن سياق نظرية ابعاد المؤلف او تغييبه لصالح تفعيل الخطاب السردي نفسه لغة وشخصيات وزمكانية,متن15>ومع
ذلك تبقى مسألة الفصل بين اللغتين مسألة مهمة عندما تتحول الى مسألة الكتابة النقدية التعليمية الاكاديمية، وحينئذ نتوقع انها ستشغل الباحث الفني، في
الوقت الذي قد لاتشغل فيه القارىء المتمتع بقراءة النص السردي، بل ربما لا تخطر على باله اشكالية الفصل هذه مطلقا,