رؤى وآفاق
المتلمِّس وعمرو ابن هند
صحيفة المتلمس حاضرة في كل نادٍ مذكورة في كل وادٍ، ان تحدث الملوك في مجالسهم ذكرت الصحيفة، وإن أنشد الشعراء اشعارهم وردت فيها، وهي مذكورة في كتب
الامثال، ومثبتة في المؤلفات في كل قرن، بل في كل عقد، إن اراد الرجل ضرب مثل على الغفلة استحضرها وان رغب في ضرب مثل على الشؤم اشار اليها، فما الذي رفع
ذكرها وأعلى شأنها وجعل لها هذه المنزلة عبر الأجيال المتعاقبة والقرون المتطاولة؟ أهو ما انفردت به من قسوة عمرو بن هند ام ما عُرفت به من فطنة المتلمس
وبُعد نظره؟ انها اسئلة لا تجد جواباً مقنعاً، فالصحف التي عرفت على امتداد التاريخ كثيرة، منها:
،- صحيفة النعمان,
،- صحيفة المعلقة,
،- صحيفة عُيَينَة بن حصن,
،- صحيفة المقاطعة,
،- صحيفة الرشيد,
وقد تصدرت صحيفة المتلمس الصحف وبزّتها وتقدمت عليها في كل زمان ومكان، بل إن تلك الصحيفة عرّفت بصاحبها فعُرف بصاحب الصحيفة مع انه شاعر معروف ومحدث لبق،
ومجالس ملوك لقد وصل الينا ديوان المتلمس ولكننا لم نعرفه بديوانه، وانما عرفناه بصحيفته التي قلّ ان يخلو منها كتاب قديم او حديث، وكان سبب وجود
الصحيفة صحبة المتلمس لقابوس بن هند أخي عمرو بن هند، وقد ملّ المتلمس طول الاقامة مع عمرو بن هند واخيه قابوس فاستأذن للخروج من الحيرة فأذن له عمرو بن
هند وكتب له كتاباً الى عامله على البحرين يأمره فيه بقتله وكان طرفة بن العبد قد كُتِبَ له كتاب يشبهه، فخرج المتلمس وطرفة من الحيرة فلما وصلا الى النجف
رغب المتلمس في معرفة مضمون كتابه فعرضه على غلام يجيد القراءة فقرأه عليه، فإذا فيه الأمر بقتله، فألقى المتلمس صحيفته في النهر وقال
رميتُ بها حتى رأيت مدادها
يطوف بها التيار في كل جدول
وقال لطرفة: اعرض كتابك على الغلام فأبى طرفة فافترق الرجلان، المتلمس اتجه الى الشام وطرفة اتجه الى البحرين ووصل المتلمس الى الشام واقام فيها، وقنع
بسماع اخبار عمرو بن هند الذي اخذ يهدده، ويقسم انه لن يطأ ارض العراق، ويرد عليه المتلمس بالهجاء الذي يتناقله الناس، فيزداد عمرو بن هند غضباً على
المتلمس، وتمر الايام بالمتلمس وهو بالشام يجترُّ ايام النشأة والصِّبا في قُرَّان القرينة ومَلهَم وقرى اليمامة، فيشتاق الى ملاعب الصِّبا فيقول
وذاك أوان العرض حي ذبابه
زنابيره والأزرق المتلمِّس
ولكن من اين للشاعر الوصول الى اليمامة وقد قال في عمرو بن هند
ان الخيانة والمغالة والخنا
والغدر أتركه ببلدة مُفسدِ
ملك يلاعب أُمَّه وقطينَها
رخو المفاصل أيره كالمبرد
لقد ازداد عمرو بن هند تجبُّراً وقوة حتى انه قال في مجلسه: هل هناك امرأة تأنف من خدمة أمي؟ فقال احد الجلوس: نعم إنها أم عمرو بن كلثوم فاستقدم عمرو بن
هند عمرو بن كلثوم مع أمه، وعندما حاولت أم عمرو بن هند إذلال أم عمرو بن كلثوم صاحت بقولها: واذلاّه فسمعها عمرو بن كلثوم ونهض فإذا بسيف معلق فأخذه وضرب
به عمرو بن هند فقتله، وسمع المتلمس بمقتل عمرو بن هند الذي حكم العراق ثلاثاً وخمسين سنة فارتاح لذلك، ولكن أخاه قابوس خلفه على الحكم فلا مفر من البقاء
في الشام والاقامة في بصرى التي توفي بها الشاعر بعيداً عن وطنه اليمامة, لقد قُتل عمرو بن هند وقُتل طرفة، أما صاحب الصحيفة فقد مات على فراشه ولكنه
مات غريباً, وخلّف لنا شعره الذي يحوي الهجاء والحكم، كما خلّف لنا اشهر صحيفة عرفها الأدب العربي وهي صحيفة المتلمس اليمامي أرضاً، الربعي قبيلة ونسباً,
د, عبد العزيز بن محمد الفيصل


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved