رؤى وآفاق
قَرنُ المدح النبوي
برز المدح النبوي في القرن السابع أكثر من بروزه في غيره من القرون، ففي هذا القرن اشتهرت قصائد البوصيري، وعرفت، وتناقلها المسلمون ومن المعروف ان حسان
رضي الله عنه قد مدح النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، من ذلك قوله
فإن أبي ووالده وعرضي
لعرض محمد منكم وقاءُ
ومدحه الاعشى في حياته، ولكن قصيدة الاعشى لم تلق بين يدي الرسول, ومدحه كعب بن زهير في حياته بقصيدته المشهورة (بانت سعاد) التي يقول فيها
إن الرسول لنور يستضاء به
مهند من سيوف الله مسلول
وقد اشتهرت قصيدة كعب بن زهير، وتناقلها المسلمون، وحفظوها وشرحها العلماء، وقد بلغت شروحها ثمانين شرحا, وقد تألقت قصيدة كعب، ولم تنافسها قصيدة اخرى،
طيلة القرون الستة، وفي القرن السابع بعثت (بانت سعاد) قريحة البوصيري فعارضها بقصيدته
إلى متى انت باللذات مشغول
وأنت عن كل ما قدمت مسؤول
وهي قصيدة طويلة، استوفى فيها مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، وفتحت للشاعر الطريق، فأخذ ينظم القصائد الطوال في مدح المصطفى مثل قصيدته
كيف ترقى رقيك الانبياء
يا سماء ماطاولتها سماء
وهذه الهمزية أطول قصائد البوصيري، التي قالها في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وقصيدته البائية التي منها قوله
نبي كامل الاوصاف تمت
محاسنه فقيل له الحبيب
وقد تميزت (البردة) عن غيرها من قصائد الشاعر، لما حيك حولها من الحكايات التي لانعرف مدى صدقها، وقد ذاعت، واشتهرت في حياة الشاعر مع انه قالها في كبره،
ونعزو شهرتها إلى تلك الحكايات، وإلا فإن الهمزية تتقدم عليها في الطول، ولا تقل عنها في الاشادة بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومطلع البردة
أمن تذكر جيران بذي سلم
مزجت دمعا جرى من مقلة بدم
وبالإضافة الى مدح المصطفى فإن الميمية تشتمل على الحكم التي انتفع بها الناس، وسارت على ألسنهم، من مثل قول الشاعر
والنفس كالطفل ان تهمله شب على
حب الرضاع وان تفطمه ينفطم
وقوله: (وخالف النفس والشيطان واعصهما), ويتقدم البوصيري على غيره من شعراء المدائح النبوية بكثرة القصائد وطولها، وبتأثيره في الشعراء بعده، فقد اقتفى
الشعراء اثره في هذا النمط من الشعر، حتى عصرنا الحديث, وشهرة البوصيري بالمدائح النبوية صرفت الدارسين عن النظر في اشعاره الاخرى، في الهجاء، والتعريض،
ونقد المجتمع، مع انه قد اسهم في ذلك بنصيب وافر,
وعندما تظلّم إليه شيوخ حلقت لحاهم في ذنب رأى ان حلق لحاهم افضل من نتفها,, نلحظ ذلك في قوله
ان حلق الذقن خير للفتى
يابني الاعمام من ان تُنتفا
ونجد في شعر البوصيري نقدا موجعا لبعض الموظفين والمستخدمين، وهو يهدف الى تقويم الجتمع، والموظف في نظره وكل إليه الامر، فعليه ان يحفظ ما وُكل إليه، يقول
وكيف يلام فساق النصارى
إذا خانت عدول المسلمينا
وينظر إلى الكتبة نظرة ارتياب، فالأمانة بعيدة عنهم
الكاتبون، وليسوا بالكرام فما
منهم على المال انسان بمأمون
ويقول في قصيدة اخرى
أليس الآخذون بغير حق
لما فوق الكفاية خائنينا؟!،
وعلى الرغم من اسهامه في هذا المجال إلا ان المدائح النبوية لها القدح المُعَلَّى في اشعاره,
د, عبدالعزيز بن محمد الفيصل


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved