رؤى وآفاق
الكاتب الأول
عندما نبحث عن الكاتب الأول في العربية فإننا نحتار في زمنه، أهو جاهلي أم إسلامي، وإذا كان إسلامياً فمن هو؟
في الجاهلية برز عدي بن زيد العبادي في الكتابة واختاره كسرى كاتباً في ديوانه، فهو يكتب بالعربية والفارسية، وكتابته العربية أهلته للترجمة، ويبدو أن عدي
بن زيد يجيد الرومية لأنه أرسل سفيراً إلى بلاد الروم، ولكن كتابة عدي بن زيد توارت عن الأنظار، وربما كشفتها الأيام القادمة، فكنوز القدماء تكتشف من حين
إلى آخر, وكتابة عدي ترقى إلى النثر، أما الكتابة لخدمة الحياة اليومية فهي موجودة في الجاهلية، وقد اشترط المسلمون لفك أسرى بدر من المشركين تعليم
المسلمين الكتابة، وسهيل بن عمرو كاتب معروف، وكتبة الوحي ممن شهد لهم بجودة الكتابة، ومما يؤيد انتشار الكتابة والكتاب في الأحياء العربية ما ورد في
القرآن الكريم من الأمر بالكتابة يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه فالقرآن الكريم لم يخاطب العرب بشيء بعيد عنهم، وإنما خاطبهم
بشيء معروف لديهم، وجزء من حياتهم، وأعيد القول بأن الكاتب الأول الذي نقصده ليس كاتب الحياة اليومية، وإنما هو كاتب النثر الفني، فإذا عددنا الكاتب
الأول في العربية جاهلياً فإن عدي بن زيد هو الكاتب الأول في العربية,
وإذا أردنا الانصراف عن الجاهلية وعددناه إسلاميا فمن يكون؟ أهو عبدالحميد بن يحيى أم ابن المقفع أم الجاحظ أم أبو حيان التوحيدي؟,
لقد جاد علينا العصر الإسلامي بوفرة الكتاب وتقدمهم في الكتابة، كما أسعفنا بانتاجهم الكتابي الذي يساعدنا على اختيار الكاتب الأول، بل نكاد أن نقول: إن
وفرة ما وصل إلينا من أعمالهم تجعلنا في حيرة! أنقدم صاحب الكم لكثرة كتبه وتنوع كتابته أم نقدم من قدمه زمنه؟ إن عبدالحميد بن يحيى له حق التقديم لأن
زمنه متقدم، وقد تفنن في كتابة الرسائل وأطنب فيها ولم يسبقه كاتب في الإسلام صنع صنيعه، وأبدع في كتابته، فإن قدمناه فهو أهل للتقديم من قاعدة الزمن،
وعدم القياس على الآخر,
ولكن ابن المقفع يرغمنا على الموازنة بينه وبين عبدالحميد الكاتب، فهو يشترك مع عبدالحميد في شيء من الزمن، ويتقدم عليه في تنوع الكتابة وسعة الأفق،
والقدرة الواسعة على الترجمة، فقد اتخذ الكتابة صناعة وطوع اللغة للترجمة، وبسط العبارة عن طريق تطويلها فأطنب وأجاد، وقد كان متمكنا من الكتابة باللغات
الثلاث: العربية والفارسية واليونانية، فتلاقحت اللغات في ذهنه، مما مهد الطريق لإنطلاق النثر العربي على يديه، وقد نقسم نثر ابن المقفع إلى قسمين: نثر
الخطاب المباشر، ونثر الخطاب غير المباشر، فنثر الخطاب المباشر يمثله كتاباه الأدب الصغير والأدب الكبير، ونثر الخطاب غير المباشر يمثله كتاب كليلة
ودمنة، فهل نستقر على تقديم ابن المقفع لتنوع نثره أم يغرينا الجاحظ بالنظر في عبارته المبسوطة، وشموليته الواسعة، وتنوع رؤاه، لقد مهد ابن المقفع
لانطلاقة النثر العربي، أما الإنطلاقة الحقة فيمثلها الجاحظ في كتبه الكثيرة وقلمه الطّوع الذي لم يترك شاردة ولا واردة إلا قيدها بل بسط القول فيها، فمن
أراد الإطلاع على بلاغة العرب فليقرأ كتاب البيان والتبيين، ومن رغب في غزارة العلم والتبحر في الأدب فليقرأ كتاب الحيوان، ومن أراد الفكاهة فليقرأ في
البخلاء والتربيع والتدوير، فالجاحظ بحر لا ساحل له، فهل نعده الكاتب الأول؟
إذا وقفنا عند الجاحظ أغضبنا أبا حيان التوحيدي صاحب القلم السيال والعبارات المتنادية والألفاظ السهلة الممتنعة، فهو كاتب لكل العصور، لا ينفر منه قارئه؟
ولا يمل من أسلوبه، المتمعن فيه، إذن من نقدم أيها القارىء الكريم ومن الكاتب الأول؟ سأترك الإجابة لك!!،
د, عبدالعزيز بن محمد الفيصل


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved