رؤى وآفاق
تأثر العرب في العرب
،(بين الإشادة والجحود)،
الحضارة العربية الاسلامية هي حضارة العالم كله في قرون مديدة امتدت من بزوغ فجر الاسلام حتى انبعاث أوربا في عصر النهضة ، لقد خرج العرب عن جزيرتهم،
واختلطوا بالأمم المجاورة، من فرس وروم وهنود، فعلموهم الاسلام وشقوا لهم طرق العلم فتكونت أمة اسلامية تشملها دولة امتدت من بحر الظلمات وأواسط أفريقيا
وغرب أوربا الى تخوم الصين، تدين بدين الاسلام ، وتتحدث باللغة العربية وتكتب بها، وقد احتضنت الدولة الاسلامية ثقافات الأمم التى احتوتها، وثقافات الأمم
المجاورة لها من فرس واغريق وهنود، حتى تكونت ثقافة عالمية ، قاعدتها الاسلام ولغتها العربية،وقد انصبت في هذه الثقافة روافد لا حصر لها، ومن هنا نقول ان
الثقافة العربية الاسلامية حفظت علوم الأخرين، وتناول علماؤها تلك العلوم بالشرح، والاضافة مما هيأ لها الاستمرار، والاحتفاظ بمحتواها حتى سلمت الى
الحضارة الأوربية في عصر النهضة، ولا أبالغ اذا قلت ان المكتبة العربية مازالت تهدى للغرب نفائس احتفظت بها وصانتها على مدى القرون المتطاولة، ولم تقف
الحضارة العربية الاسلامية عند الحفظ والصيانة والشرح، بل انطلقت في مجال الابتكار، والاضافة في العلوم المختلفة ، وازدهار الحضارة العربية في الأندلس
برهان واضح على جهود العرب واسهامهم في صناعة الحضارة الانسانية ، لقد صهرت بغدد في بوتقتها الأمم الاسلامية فهي قاعدة العالم، ومقصد العلماء ففيها
الفارسي، والعربي ، والهندي، أما قرطبة فقد انفرد بها العرب المهاجرون، فالعرب في قرطبة هم الذين علموا أوربا كيف تدلف الى سلم الحضارة الانسانية، وجهود
العرب في المشرق والمغرب شملت العلوم المختلفة،ولازالت الكتب التى عبرت القرون ونجت من الحرق والغرق في الأنهار، وعبث الأرضة والرطوبة تعرض علينا تلك
الجهود، مثل قوائم الكتب التى وصلت الينا من كتاب الفهرست لابن النديم، وطبقات الأطباء لابن أبى أصيبعة، وكتاب العبر لابن خلدون، وغيرها مما تشتمل عليه
المكتبات في عصرنا الحاضر، لقد برع العرب في الحساب، والطب،والفلسفة وتعليل التاريخ واستحداث علم الاجتماع، ورسم خرائط الأرض، ومسالك الطرق، ولم يتركو
شيئا من معارف الانسان إلادونوه حتى الموسيقى والألعاب، هذه العلوم المختلفة نقلها الغرب عن العرب، فقد نقلوا الأرقام العربية وأثبتوها بالنطق العربي، ولم
يستطع الغرب حتى الآن أن يخضع تلك الأرقام لكتابته، بل بقيت على ابتدائها من اليمين ، تبعا للقراءة العربية, ولقد انبهرالغرب من الصفر الذى نقله بلفظه،
فكلمة (زيرو) هي (صفرو) هذا الصفر تعجب منه الغربيون، فهو يحيل الواحد الى عشرة والعشرة الى مائة والمائة الى ألف فأمره عجيب، ونقل الغرب كتب الطب، وكانت
تدرس في معاهده العلمية وكلياته، ونقل الفلسفة، وبهره تاريخ ابن خلدون، لأنه تاريخ وتعليل للتاريخ، وممن أثر في الغرب من العلماء ابن سينا والفارابي وابن
رشد والرازي وحتى زرياب الموسيقي كان له الأثر الملموس في الموسيقى الأوربية، ولعبة الشطرنج انتقلت الى الغرب وأغرم بها الى يومنا هذا, ومع الاثر الواضح
للحضارة العربية في الحضارة الغربية واعتراف كثير من علماء الغرب بذلك التأثير ، الا أن بعض علماء الغرب يرى أن الحضارة الغربية امتداد طبيعي للحضارة
الاغريقية والرومانية، وقد تابعهم في طريق الجحود كثير من أبناء جلدتنا، ومازلنا نسمع كل يوم نغمة الجحود من هذه الفئة,
د, عبد العزيز بن محمد الفيصل


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved