فلسفة الكفر بدعوى الإيمان الياسبرزية
أبوعبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
علينا أن نختار من بين أفراد الشعب رجالاً للإدارة من الأذلاء الذين لم يكتسبوا خبرة في شؤون الحكم، وسيكون من السهل علينا أن نجعلهم كقطع الشطرنج,
البروتوكول الأول
لقد حطمنا في الواقع جميع السلطات الحاكمة، ولكنها مازالت قائمة من الوجهة النظرية فقط,
البروتوكول التاسع
وسوف تحل محل شعارنا الماسوني الذي يتسم بالتحرر الحرية والمساواة والإخاء كلمات تعبر ببساطة عن فكرة وتصور؛ فتقول: حق الحرية، وواجب المساواة، وفكرة
الإخاء؛ وبذلك نقبض على الثور من قرنيه,
البروتوكول التاسع [
،***
يقول الأستاذ فؤاد كامل: ويؤدي بنا هذا (1) إلى الحديث عن العلاقة بين الفلسفة والدين من وجهة نظر يسبرز؛ إذ يرى أنه لما كان كل منهما يعالج الحياة
بأكملها، ويتعرض للإجابة على الأسئلة الحاسمة في حياتنا: فإن العلاقة بينهما قد تنازعها التباغض والود على مر الأجيال والعصور,, وما كانت الفلسفة لتبقى
طويلاً (باعتبارها نشاطاً حيوياً يبذله الإنسان) لو لم يدرب الدين الناس منذ طفولتهم على توجيه حياتهم نحو المتعالي؛ ولهذا فإنه يعارض المحاولات (التي
يبذلها البعض لتخفيف حدة التوتر بين الفلسفة والدين على أساس توزيع الاختصاص) معارضة شديدة، وهو ليس على استعداد كما يفعل بعض الفلاسفة للتخلي عن وسائل
الإيمان والالتزام المطلق للدين؛ بحجة أن معالجة مثل هذه المسائل خليقة بأن تنال من صرامة المناهج التي يأخذ بها الفيلسوف نفسه حين يتصدى للبحث؛ فلا بد
للفلسفة من أن تقوم على إيمانها الخاص، وألا تقبل الخضوع للنقل أو لسلطة الكنيسة؛ فهو يرفض النقل؛ لأنه محاولة لإحالة شيء ينبغي أن يبقى فردياً ووجودياً
إلى شيء مباشر وموضوعي وملزم بصورة كلية شاملة,, وليس معنى ذلك أنه ينكر أن الوحي قد حدث تاريخياً، وإنما ما ينكره هو أن تكون هذه الشفرة الجزئية هي
المتعالي في الوقت نفسه,, كما ينكر أيضاً أن يكون من الممكن امتلاك الحقيقة الدينية بمجرد التسليم بالمعتقدات الدينية؛ لأن الحقيقة الدينية لا تُنقل من
جيل إلى جيل أو من فرد إلى آخر كما تنتقل الحقائق العلمية، كما أنها لا يمكن أن توضع في مذهب عقلي منظم,, وبينما تثبت المسيحية على شفرة واحدة باعتبارها
نهائية: فإن من واجب الفلسفة أن ترى كيف تشير الشفرات جميعها الى الله، وهكذا يستطيع الفيلسوف في نظر يسبرز أن يظل أشد إخلاصاً لتعالي الله من رجل الدين؛
لأن هذا الأخير يريد أن يجسد الله دائماً في شيء متناه,, وعلى حين تعتقد المسيحية أنها تمتلك يقيناً لا سبيل إلى الشك فيه: تصر الفلسفة على الشك في كل شيء
(2) ,
قال أبو عبد الرحمن: سر التباغض بين عدول الأمة من علماء الدين المجتهدين وبين الفلاسفة: أن الأخيرين يهينون العقل بين تقصير وتحسير,, أما التقصير
فلأنهم يأخذون من حجج العقول ما شاءوا ويتركون ما شاءوا بلا بينة؛ فلا يلتفتون إلى الحجج العقلية في نصوص الوحي، ودلالات السمع من نقل صحيح يوجب العلم عن
آيات الوحي الحسية والمعنوية، وآثار الأمم المرتبطة بعصيان الأنبياء وهي بسبيل مقيم، وهم يمرون عليها مصبحين,
والحجج العقلية في نصوص الوحي قد تكون برهان قضية معينة مثل قوله تعالى عن اليهود الملاعين: (وعُلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم) ]سورة الأنعام/91[؛
فهذه حجة قاطعة على المخاطب في الحال التي خوطب وهو عليها,, وكقوله تعالى عنهم: (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم
لا يؤمنون) ]سورة الأنعام/ 20[,
وقد تكون دليلاً على ناموس كوني مثل قوله تعالى: (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر,,) ]سورة الأنعام 97[,, قال أبو عبدالرحمن:
وهي لن تكون هداية إلا بنظام ثابت دقيق واطراد على تعاقب الأجيال والأعوام؛ فالآية خطاب للحس بشهادة العقل بمبدأ السببية، ومبدأ الغائية,
وقد تكون الحجج العقلية بإرجاع إلى الناموس الكوني كاستنطاق سنة الله الكونية في الأمم الكافرة التي يُهمل الفيلسوف، والمؤرخ الوثني، والمثقف العلماني
وجودها ودعك من دلالتها في مسار التاريخ,, مثال ذلك قوله تعالى: (ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم تمكن لكم وأرسلنا السماء
عليهم مدراراً وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين) ]سورة الأنعام/ 6)، وقال تعالى: (ولو جعلناه ملكاً لجعلناه
رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون, ولقد استهزىء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون) ]سورة الأنعام/ 9-10[، وقال تعالى: (ولقد كذّبت
رسل من قبلك فصبروا على ما كُذّبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين) ]سورة الأنعام/ 34[، وقال تعالى: (ولقد أرسلنا
إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون, فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزيّن لهم الشيطان ما كانوا يعملون, فلما نسوا ما
ذُكِّروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون, فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) ]سورة
الأنعام/ 42-45[,
ومثل ذلك سنة الله في بعث الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ فإن في سيرهم عبراً وبراهين عقلية لا يحق للفيلسوف بمجرد حريته السلوكية أن يهملها ,,
ومن شواهد هذه الإحالة قوله تعالى: (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناماً آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين, وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السموات والأرض
وليكون من الموقنين, فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين, فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم
يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين, فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون, إني وجهت وجهي للذي فطر السموات
والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين, وحاجّه قومه قال أتحاجُّوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً وسع ربي كل شيء علماً أفلا
تتذكرون, وكيف أخاف ما أشركتم ولاتخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزّل به عليكم سلطاناً فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون, الذين آمنوا ولم يلبسوا
إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون, وتلك حجّتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم, ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا
ونوحاً هدينا من قبل ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين, وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين, وإسماعيل واليسع
ويونس ولوطاً وكلاً فضلنا على العالمين, ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم, ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو
أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون, أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين, أولئك الذين هدى
الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجراً إن هو إلا ذكرى للعالمين, وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب
الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون, وهذا كتاب
أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون) ]سورة الأنعام/ 74-92[,
قال أبو عبدالرحمن: إن الفيلسوف يشحن كتابه بالافتراض الميتافيزيقي، وبالمثال العادي من الطبيعة أوالحياة اليومية العادية؛ ليؤسس عليه استدلالاً!!,, ويهمل
بحريته السلوكية ما فيه للعقل خصب,, بل شرطهم لهوية الفيلسوف أن ينفصل عن اللاهوت,, يعنون دين الله,
قال أبو عبدالرحمن: ليكن ذلك؛ فهذا لا يعني تعطيل العقل والسمع والحس عن الحجة العقلية في القرآن؛ فلا عليكم أن يوردوا الآية من سورة الأنعام بنصها عن
الاهتداء بالنجوم، ولكن عليهم أن ينظروا في هذه النجوم التي موضوعها اطراد الناموس والثبات؛ لتحقق أنواع الاهتداء في السير في البر والبحر والجو، والحرث،
وما لصلاحه علاقة بمواقيت تدل عليها النجوم,, والبرهان على الله من كل ذلك ضرورة دلالة السببية والغائية في غريزة العقل الانساني المشترك,
وهكذا الخبر التاريخي ولهم أن يعملوا كل طرق التوثيق عن سير الصالحين والطالحين,, وهكذا شاهد الحس من آثار الأمم البائدة وهي بسبيل مقيم؛ فيأخذون من كل
ذلك الأجوبة الصحيحة لأسئلة العقل اللحوحة!,
وقد تكون الحجج العقلية من نصوص الوحي الإحالة إلى المتعين الذي لا يجد العقل غيره كقوله تعالى: (قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض) ]سورة
إبراهيم/ 10[,؛ لأن كل تفسير لوجود الكون بغير خالق هو الأكبر الأعظم ذو الكمال المطلق: يحيله العقل؛ فالإيمان بالله تعيين عقلي إن صدق المفكر في نظره,
ومثل ذلك قوله تعالى: (هل من خالق غير الله) ]سورة فاطر/ 3[؛ فهذا إحالة إلى متعين واحد هو الله سبحانه بحكم العقل ضرورة؛ لأن شواهد الخبرة البشرية الى
هذه اللحظة لا تسمح بخلق بشري لم يكن من مادة موجودة من ماء وهواء وتراب ودخان، وبمهارات وجوارح ومواهب مخلوقة، وبمحاولات تبدأ بالخطأ وقد تنتهي بتحقيق
المراد، وعلى مثال من الطبيعة مركب أو مجزأ؛ لأن ما لا وجود له لا تصور له,, ليس في فعل الكائنات أكثر من هذا، وليس ذلك صفة الخالق؛ إذن لا خالق إلا الله
سبحانه,
ومن التقصير الفلسفي بحرية سلوكية مراغمة للعقل اطراح مبدأ الحاجة إلى الوعظ العاقل النزيه مع أن الوعظ بقيد الصدق والنزاهة أداة عقلية؛ لأن الفيلسوف
يدعي التجرد لطلب الحق، وما هو بمعصوم في صدقه ونزاهته، وما هو بمطلق في نظره الفردي، بل هو عرضة للجهل والسهو والغلط والغفلة عن المقتضي أو المانع؛
فالوعظ العاقل الصادق النزيه شرط فكري؛ لتذكير الفيلسوف بدعوى التجرد ، ولإمداد طبيعته البشرية بمكملات طبيعته من الجهل والسهو,, إلخ,, والوعظ العاقل
الصادق النزيه وساطة بين الفيلسوف والمتلقي لامتحان صدق تجرده، وامتحان صدقه في استكمال الخبرة؛ فيعلم المتلقي: أهذا الفيلسوف هادٍ، أم مضلل، أم متعالم
متعاظم؟,, وحينئذ يلتمس سبيل التلقي الصحيح الموصل,
ومن الوعظ الكريم المحرك للعقل والقلب معاً الإلحاح على الإيمان بالغيب (الواقع المغيّب) بعد نصب الدلائل على صحة الشرع وصدقه,, قال تعالى: (ولو نزَّلنا
عليك كتاباً في قرطاسٍ فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين, وقالوا لولا أُنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر ثم لا ينظرون, ولو
جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون) ]سورة الأنعام 7-9[,, نعم إن الغيب المطلوب الايمان به لا يكون مطلباً إلا حال كونه غيباً، فإذا كان
علم شهادة فمطلب الايمان مقضي ولا معنى للتبعة؛ ولهذا لا ينفع الكافر إيمانه حال الغرغرة، ولا حال نزول العذاب الذي كذب به، ولا حال طلوع الشمس من مغربها،
ولا حال بعثه؛ لأن كل ذلك عالم شهادة، وهو مطالب بالإيمان بالغيب,
ومن الوعظ الكريم تحريك المشاعر وخبرات النفس الخفية,, قال تعالى: (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير) ]سورة
الأنعام/ 17[، وقال تعالى : (وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون) ]سورة الأنعام/ 32[، وقال تعالى: (إنما مثل
الحياة الدنيا كماءٍ أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازيَّنت وظن أهلها أنهم قادرون عليها
أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصِّل الآيات لقوم يتفكرون) ]سورة يونس/ 24[، وقال تعالى: (وما هذه الحياة الدنيا
إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون, فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم الى البر إذا هم يشركون, ليكفروا
بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون) ]سورة العنكبوت/ 64-66[,
قال أبو عبدالرحمن: فكل ذلك تذكير بألطاف الله، وقصر الحياة الدنيا، ووضعيتها وهي مؤلمة في الأكثر ، ونهايتها,, وكل ذلك في مشاعر النفس؛ فلا بد من
تحريكها وإضاءتها,
ومن الوعظ الكريم المثير للوعي الحصيف بعد تحريك المشاعر وإضاءتها التذكير بقدرة الله، وتحريك العقل ليبحث عن مصدر هذه القدرة,, قال تعالى: (وهو القاهر
فوق عباده وهو الحكيم الخبير) ]سورة الأنعام/ 18[، وقال تعالى: (قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين, بل إياه
تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون) ]سورة الأنعام/ 40-41[، وقال تعالى: (قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم
الظالمون, وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن واصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون, والذين كذَّبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون, قل لا
أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إليّ قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون, وأنذر به الذين يخافون
أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون) ]سورة الأنعام/ 47-51[، وقال تعالى: (وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء
أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرِّطون, ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو اسرع الحاسبين, قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعاً
وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين, قل الله ينجيكم منها ومن كل كربٍ ثم أنتم تشركون, قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت
أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون, وكذَّب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل) ]سورة الأنعام/ 61-67[,
ومن شواهد الوعظ الكريم الذي يحتاج إليه العقل البشري قوله تعالى: (ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذَّب بالحق لما جاءه) ]سورة العنكبوت/ 68),,
وقال تعالى: (فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذَّب بآياته) ]سورة يونس/ 17[,, وقال تعالى: (ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو قال أوحي إليّ ولم
يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ولو ترى اذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم
تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون) ]سورة الأنعام/ 93[,
قال أبو عبدالرحمن: الفيلسوف إذا لم يكن متجرداً يظلم نفسه بإيرادها في أوخم العواقب في الحياة الأبدية الحقيقية، ويظلم الناس المتلقين عنه بدعوته إياهم
إلى العاقبة نفسها، ويغمط حق خالقه أو يبخسه وذلك ظلم موجب أعظم العقوبة التي لا يبلغ التصور كنهها وأبديتها,
والتجرد ليس هو التقصير الفلسفي الذي أسلفته، بل التجرد بهذا المعنى منتج لأشنع أنواع الظلم التي أحصاها الله على خلقه، وهما:
أ - التكذيب بالحق,, ومن موارد هذا التكذيب الصد المتعمد بحرية سلوكية عن موارد العلم بالحقيقة التي أسلفتها,
ب - دعوى غير الحق افتراء,, سواء أكان ذلك عن تعمد تضليل، أم كان تعمد صد عن موارد للعلم بالحقيقة من غير مسوغ إلا شهوة حرية السلوك,
ومن التضليل المتعمد ما ذكره الله في الآية من سورة الأنعام: (أوحي إليّ ولم يوح إليه شيء)، و(سأنزل مثل ما أنزل الله),،
وهذان العنصران الرديئان ظلم، والأول استكبار كما وصفه الله في آخر الآية من سورة الأنعام,
وأما التحسير الفلسفي الذي كان عثرات بينهم وبين معاينة الحقيقة، ووقى الله منه العلماء الربانيين: فهو طلبهم من العقل ما ليس فيه؛ فإن لم يجدوه ارتدوا
وبخسوا العقل ما فيه، وجدوا أيضاً في افتراض الظنون والخيالات؛ فيصدق عليهم: الافتراء، والتكذيب,, ودعوى التجرد الفلسفي تأبى ذينك!!,
فهم يطلبون من العقل العلم بالله علم كيف ومقدار، والعقل يأبى ذلك؛ لأن علمه علم بالواقع المغيّب (الغيب)، وليس علما بالواقع المشهود الذي يُبتغى كيفه
وكمه,, فلما لم يجدوا في العقل كيفاً وكماً ارتد من ضل منهم على بينات العقل، وقالوا: العقل غير موصل إلى الله,, ونسوا أو تناسوا أن لدى العقل حضوراً من
حقائق العلم الحسي ومن حقائق غريزته تأبى تفسير وجود الكون بغير خالق أعظم وأكبر وأقدر وأكرم وأرحم,, لا شيء قبله ولا شيء بعده، ليس كمثله شيء، دائمة
قيوميته، مستقر كماله، لا يعتريه شيء من الغياب لحظة (الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم) ]سوة البقرة/ 255[,, فوجوده ضرورة علم، وكماله
بإجمال ضرورة علم, فالضروري بنظر الفيلسوف المجرد العلم بوجوده سبحانه، والعلم بوحدانيته، والعلم بوصفه بإجمال على مقتضى الكمال والتنزيه,, وليس علم كيف
وكم منظور؛ فابتغاء العلم الثاني تحسير، ورد العلم الأول لتخلف العلم الثاني تكذيب صفته ما حفظته قديما لروائي رومانسي أظنه بلزاك : دلال طفل، ولجاجة
عانس!!,
والتقصير الذي أسلفته حرم الفيلسوف من المعوض للعلم الثاني علم الكيف والكم ، وهو معرفة الله بالوصف المفصل الذي هو خبر الأعلم بنفسه سبحانه,
أما خبال التسلسل بالصياغات الفلسفية لإلقاء الشيطان: من خلق الله : فيمنع منه بالنظر الفلسفي أن قيام البرهان على وحدانية الله، وأن عدم انقطاع التسلسل
من خلق من خلق الله سبحانه وتعالى ، وأن مطلب الفكر لتفسير الكون الانتهاء إلى خالق غير مخلوق: كل ذلك يمنع من الاحتفاء بهذا الإلقاء الشيطاني,, وعلمه
بواحديته في القدرة والخلق والهيمنة والقيومية,, إلخ,, كل ذلك يقتضي منهم أن يشفقوا منه؛ فلا يعتقدون فيه غير الحق، ولا يتبعون فيه الظنون والوساوس,, أما
من استكمل حجة العقل، وعرف ربه بصفات التفصيل، وغمرت الحقيقة قلبه بمواعظ الوحي؛ فكانت حقائق العقل عقيدة في القلب: فلا فراغ له للإصغاء إلى ذلك الإلقاء
الشيطاني؛ لانه مسدد بفاعلية الحب؛ فإن الله يحب من يحبه (3) ؛ فيهديه هداية التوفيق والتسديد,, ولأنه مشغول بحق خالقه ثم حق نفسه في الكون المؤقت والكون
الأبدي؛ ولأن وحدانية الله التي عاشها وجداناً كما عاشها عقلاً منعته منطقاً وسلوكاً أن يتصور غير معنى الكمال والوحدانية,, ولأن محدوديته وكمال خالقه
وسعة الكون الذي خلقه ربه: علمه ان لله غيباً لا يطلع عليه أحد، وأن لله غيباً يُفرح المؤمنين ويغيظ الكافرين باطلاعهم عليه يوم القيامة,, وللمؤمنين بعد
ذلك خصوصية اطلاع؛ لأن لهم الحسنى وزيادة,
قال أبو عبدالرحمن: ولبقية هذر كارل ياسبرز مداخلةتأتي إن شاء الله، وحسبي ها هنا أن أسوق كلاما للأستاذ فؤاد كامل فسر به معنى الشفرة في استخدام
ياسبرز,, قال: يعتقد ياسبرز ان الحوادث المتناهية المألوفة يمكن ان تشير الى ما وراءها بصورة رمزية، وهذا ما يعنيه بكلمة شفرة ,,غير انه ينبغي فك رموز
الشفرة,, ومفتاح الشفرة ليس شكلا موضوعيا من أشكال المعرفة، بل يقتضي الأمر قرارا حاسما من الانسان كله للاجابة على الرسالة الصادرة بين الانسان
والمتعالي؛ إذ لابد ان تكون ثمة صلة بين المتعالي وبين العالم,
وتختلف الشفرة عن الرموز المستخدمة في العلم من حيث إننا لا نستطيع التحقق من صدقها مادام ما تشير اليه بتجاوز كل معرفة,, وعلى هذا فإن خير لغة للتعبير
عن العلاقة بين الانسان والمتعالي هي الأسطورة الدينية,
ولابد أولا من أن يستجيب الانسان للشفرة؛ إذ إنه من الممكن ان يتخذ مواقف يقاوم بها الشفرة، ويقطع عليها كل طريق؛ وذلك حين يظل سجينا في هذا العالم، أو
حين يجعل النظرة العقلية هي المحك الوحيد للحقيقة، أو قديسقط في نسبية لا ترى شيئا لا مشروطا أو مطلقا,, والاستجابة للمتعالي تتطلب الالتزام الشخصي،
والتسليم بحدود المعرفة الموضوعية، والبحث عن الحقيقة باعتبارها حقيقتي أنا ؛ بيد ان ياسبرز يرى ان الاخلاص الحقيقي يقتضي منا أن نترك شفرة الى أخرى؛ لأن
الشفرة تعكس الطريقة التي يتغير بها الوجود في علاقته بالأبدي,, وعلى ذلك يكون من العسير علينا التوفيق بين هذا الموقف ورأيه القائل: بأن الشفرة تتضمن في
ذاتها معيار صدقها ؛ إذ كيف يمكن أن نقول: إنه لا وجود لشفرة نهائية,, إذن نضع معيارا يكون هو نفسه مغايرا للشفرة؛ لنحكم به على حقيقة الأساطير والرموز؟
،(4) ,
قال أبوعبدالرحمن: لو كانت فلسفة الخواجات في الدين وحق الله سبحانه في عصر العلم المادي الجبار- صناعة، واكتشافا- باقية بلغات الخواجات: ما رفعت بها
رأساً، وما تطلبت ترجمتها,, ولكنها تنشر من حواة يروجون لها بعد تلقف ببغائي، بل ويسرفون في الحكم بإيمان الكافرين مثل فؤاد كامل، والله المستعان,
،(1) يعني كلامه عن المرادفات التي يعبر بها عن لفظ الجلالة مثل الشامل,
،(2) المدخل الى فلسفة الدين ص9-10,
،(3) حب الله حقيقة في القلب البشري المؤمن من معنى الربوبية؛ لمعاينته ألطاف ربه,, ومن معنى صفات الكمال لله سبحانه؛ لأنها تقتضي حمدا، والحمد شكر ومدح،
وكل مشكور ممدوح محبوب,, وبمقتضى الألوهية بالرضا بشرعه، والصبر على أقداره، والعلم بأنه غير مبخوس ولا مظلوم؛ لسعة النعيم الموعود به وأبديته، والاستمتاع
العاجل في الدنيا بحياة طيبة سعيدة,, والسعيد ملتذ بالوسائل الصعبة المؤقتة لغاية عليا دائمة هانئة، فالسعادة الدنيوية واليقين بالعطاء الأخروي مقتضٍ
للمحبة الكبرى التي ليس بعدها محبة,
وحب الله لعبده مقتضى الرحيم التي هي من الله لعباده المؤمنين خاصة,
،(4) مدخل الى فلسفة الدين ص10 ]حاشية[,


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved