رؤى وآفا ق
من غرائب الوصايا
للوصية سلطان على القلوب وهيمنة على النفوس، فهي تحتل مكانها بين الجوانح، لانها عصارة فكر، وخلاصة تجربة، إضافة الى اخلاص صاحبها، ورغبته في نفع من يأخذ
عنه تلك الوصية, والوصية اقوال مأثورة لم يختص بها زمان دون زمان، فالناس يأخذون اجودها، وينتقون افضلها، ولذلك لم يلتفت الى كون الوصية جاهلية او اسلامية
لان قاعدة الوصية الخير، وهدفها النفع، فالوصايا، الجاهلية المتعلقة بالاوثان لم يرغب الرواة في روايتها، وانما رووا النافع، الذي لا يتعارض مع دين
الاسلام، وهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهذا هو سر بقاء وصايا الجاهلية مثبتة في الكتب، ينتفع بها القارىء، ويستمع اليها المتلقي, واصحاب الوصايا هم
من عرفوا بالحكمة، ورجاحة العقل، وكثرة التجارب في الحياة، لان كثرة التجارب تكسب الانسان المعرفة والوصول الى الخبرة التي يطلبها الانسان في كل زمان
ومكان، وممن اشتهر من اصحاب الوصايا اكثر من غيره: اكثم بن صيفي، وزهير بن جناب ، وذو الاصبع العدواني، والافوه الاودي وقيس بن زهير، والمهلب بن ابي صفرة,
ووصايا المهلب كثيرة ونافعة وهي من الوصايا التي يحرص الاباء على تحصيلها لايصالها الى ابنائهم، ومن وصيته لابنائه قوله: (يابني اذا وقفتم في الاسواق فلا
تقفوا الا على من يبيع السلاح او يبيع الكتب) ووصايا اكثم بن صيفي حفظها الرواة، واحتلت مكانها في الكتب، وهي عبارات قصيرة, وجمل مقتضبة، تساعد المتلقي
على الحفظ في يسر وسهولة ومن تلك الوصايا: (كفوا السنتكم فان مقتل الرجل بين فكيه، ان قول الحق لم يدع لي صديقا، في طلب المعالي يكون الغرر, لم يهلك من
مالك ما وعظك، الوحشة ذهاب الاعلام, حيلة من لا حيلة له الصبر, لا يغلبنكم جمال النساء عن صراحة النسب فان المناكح الكريمة مدرجة للشرف) ومما أثر عن ذي
الاصبع العدواني من الوصايا النافعة قوله: (من جمع بين الحق والباطل لم يجتمعا له وكان الباطل اولى به, قبل الرماء تملأ الكنائن) ومما يلحظ على اصحاب
الوصايا انفراد كل رجل منهم بوصايا اختص بها دون غيره، وهذه ميزة يتميز بها صاحب الاصالة،وهذا ما نجده عند اكثم بن صيفي، وذي الاصبع، والافوه الاودي,
ومما اثر عن الافوة الاودي قوله: (كونوا من الفتن على حذر, التجربة علم, النظر قبل اللقاء حزم),،
ومن غرائب الوصايا وصية حصن بن حذيفة، فقد طُعن في حرب، واشتد به الالم، فجمع بنيه وقال: الموت اروح لي مما انا فيه، فإياكم يطيعني؟ قالوا كلنا لك مطيع،
فبدأ بأكبرهم فقال خذ سيفي هذا فضعه على صدري ثم اتكىء عليه حتى يخرج من ظهري, فقال: يا أبتاه، وهل يقتل الرجل اباه فعدل عنه الى من يليه في الكبر من
ابنائه وقال له مقالة ابنه الاكبر، فاخذ يقول مقالته لابنائه العشرة حتى وصل الى التاسع فلما وصل الى ابنه الاصغر وهو عاشرهم ووجه اليه مقالته قال الابن:
اليس لك فيما تأمرني به سلوى وراحة، ولك مني فيه طاعة، قال: بلى, قال: فمرني كيف اصنع, قال حصن: ألق السيف يابني، فاني اردت ان ابلوكم، فأعرف اطوعك لي في
حياتي، فهو اطوعكم لي بعد وفاتي، فاذهب فأنت سيد ولدي من بعدي، ولك رياستي، وهذا الابن الاصغر هو عيينه بن حصن, وللحطيئة وصية فيها غرابة لعلنا نعرض لها
في موقف اخر,
د, عبدالعزيز بن محمد الفيصل


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved