على الهامش
حسين المناصرة
ظاهرة التحول
،(التناص مع الذئب والغول والسيرة)(2-3)،
،3- حكايات الغول
يحتل الغول في الثقافة الشعبية الخرافية حظاً وافراً في كثير من الحكايات، لكنه يبدو أقل شراسة من الذئب الذي تكون غايته أكل الضعفاء، وإلحاق الأذى بهم،
فالغول عادة ما يختطف فتاة ما لتكون له زوجة أو ابنة أو خادمة، مصوراً شكله في صورتين: صورة خيّرة هي الإنسان العادي أمام الفتاة الجميلة، وصورة شريرة هي
الوحش الخرافي الذي يفتك بالبشر في الخفاء,
ومع الغول يكون هناك في الانتظار الشاب المنقذ الذي تقع عليه مسئولية انقاذ الفتاة من سجنها في قصر الغول النائي، كأن يكون هذا الشاب فارس أحلامها، أو ابن
عمها او أخاها الأصغر غالباً,
في مجموعة سحر رملاوي صورة مقروءة، ص ص 45-49 قصة مهمة بعنوان ماذا لو تغيرت البداية يتداخل فيها الأبطال الثلاثة الفتاة والغول والفارس، ومن العنوان
ندرك ان لدى القاصة مقصدية ما لتغيير احداث الخرافة القديمة، معلنة في الهامش ان داخل كل امرأة بقايا,, أميرة كانت هناك ,, على سبيل المقاربة مع صورة
الماضي الذي لم يعد له في الحاضر غير البقايا,
نجد بداية الفتاة أو اميرة الأحلام في القصة القديمة في حالة الانتظار للغول الذي سيخطفها، وعليها بعد هذا الاختطاف ان تنتظر الأمير الذي سينقذها,, وهنا
تشعر بملل الانتظار فتقرر التمرد على هذا النمط من الأعراف الشعبية، لذلك تخرج من بين دفتي الكتاب لتواجه العالم وحدها مصرة على اكتشاف ما فيه من ضوء وسط
الظلام المخيم، متجهة في البداية نحو ضوء بعيد خطر هو بالنسبة لها ممارسة للخطر الذي هو افضل من الانتظار بلا هدف,
يصحو الغول الشرير ليخطف اميرة أحلامه، فلا يجدها في مكانها الموعود به، فيعود الى قصره مهزوماً مأزوماً,
وما ان ينهي الفارس الجميل الذي يتم تدريباته الفروسية لينقض على الغول، حتى يكتشف ان اميرته ليست في قصر عدوه الذي اصبح مسكيناً عاجزاً لا يملك غير
الأرجيلة لينفث من خلالها حقده على أميرته الهاربة,
ويتحول موقفا الغول والأمير من البحث الى الانتظار والخوف، كما يظهر من الحوار التالي بينهما، حيث حدثت الألفة في ظل الهزيمة:
معك حق,, إنها ليست هنا! هل اختطفها غول آخر؟
لقد اتصلت بكل زملائي من الغيلان والوحوش والخطافين وجميعهم يشكون من أن اميراتهم غير موجودات,
همس الأمير الجميل:
غير معقول، وأين ذهبن؟
هز الغول كتفيه وقال:
لست أدري,
أسقط الأمير الجميل قوسه ورمحه أرضاً وقال:
وماذا نفعل الآن؟
لا شيء,, ننتظر,, ص 48 ,
وهكذا نجد في نهاية القصة الأميرات الجميلات يتجمعن ليتجهن نحو الضوء، في حين يتجمهر الأمراء والفرسان والشطار والأبطال يبحثون عن أميراتهم بمساعدة كبيرة
من الغيلان والوحوش والخطافين؛ وفي هذا السياق نكتشف التحول الذي تنتجه القاصة من خلال توظيف الحكاية القديمة، إذ نجد سوزي المعاصرة وسيدات أخريات يتجمعن
في أسفل العمارة ليتوجهن الى العمل، رافضات تضييع الوقت في الانتظار لوحن لسوزي لكي تنزل اليهن وقالت إحداهن: هيا يا سوزي، لدينا الكثير من العمل، ولا وقت
لدينا لنضيعه,, ابتسمت سوزي وعادت الى المكتبة تضع فيها القصة القديمة برفق وهمست: كنت اريد بعض الرومانسية، ولكن يبدو ألا وقت لدي لأضيعه,, ص 49,
ومن خلال استعراض مخطط القصة الذي ينجز التحول المشابه من حيث التكنيك لقصة شريفة الشملان السابقة، ندرك المفارقة ما بين المرأة القديمة والمرأة المعاصرة
من وجهة نظر القص، فإذا كانت القديمة لا تملك غير جمالها لتنتظر من خلاله فارس الأحلام، فإن المعاصرة أصبحت تسعى نحو الضوء (الحرية) مهما كانت الخطورة
فيه، مقتنعة بأن حريتها لا تتحقق إلا من خلال اندماجها في العمل للانتاج,, وأيضاً للتفكير الجاد في مستقبل العالم,
فالتكنيك القصصي في هذه القصة يمتلك قدرته الواعية من خلال فاعلية التحول والتحوير في الحكاية القديمة لتوليد الدلالات أو الرؤى المعاصرة، ضمن انساق
التحول الاجتماعي الذي طرأ على حياة المرأة العاملة بالتحديد، مما أخرجها من سكونية الانتظار والملل والهامشية من وجهة نظر السرد، لتدخل في سياق الخروج
والمغامرة والانجاز والبطولة الذاتية، لا الموضوعة التشييئية العاجزة المناقضة لرؤية وعي القاصة على أقل تقدير!!،
،* * *
وفي مستوى آخر من مستويات توظيف الغول لدى خليل الفزيع في قصة له بعنوان الغول (مجموعة بعض الظن ص ص 71-77) يستخدم القاص الغول استخداماً رمزياً يعبر من
خلاله عن التحولات الاقتصادية التي غيرت وجه القرية تغييراً جذرياً، فأكل هذا الغول في جوفه كافة القيم الماضية الخيّرة فالشخصية المحورية المتمثلة في شاب
مغترب يعود إلى القرية بعد عشر سنوات من الرحيل، وفي ذهنه ان يخرج قريته الساذجة المحدودة الإمكانات من جهلها مع الحفاظ على قيمها الطيبة وعلاقتها الروحية
القديمة، لكنه يفاجأ بأنه أصبح غريباً وهو يرى الأمور كلها قد انقلبت رأساً على عقب بفعل النقلة المادية الكبيرة,
انغرست سهام الدهشة في ذهنه,, اذهلته مظاهر الترف البادية على كل ما تقع عليه عينه في قريته التي كانت أليفة وهادئة,, بعد عشر سنوات من الغربة,, عاد وفي
ذهنه وهم جميل عن البراءة في عيون الصغار، والطيبة في نفوس الكبار، والسذاجة على محيا الأكثر تقدماً في السن ص 73,
إنه وجد الأمور على غير ما ألفها في الماضي، فشعر باغتراب حقيقي، يحمل كافة التساؤلات المغتربة على النحو التالي: هذه اللوحات السكنية المتباعدة,, أليست
دليلاً على تباعد النفوس؟ وهذه المنشآت الاسمنتية البليدة,, أليست دليلاً على تحجر القلوب؟ كيف للمحبة أن تنمو في هذه الأجواء الخرساء؟ وكيف للتعاون أن
يزدهر في غياب المحبة , ص 76,
ولا تملك هذه الشخصية بعد تعرية التطور غير الايجابي من وجهة نظرها في القرية سوى أن تعلن انها تجاه عالم اسطوري مخيف يتلخص في كلمة غول ، هذه الكلمة
المكثفة لايقاع الرؤية تجاه المتغيرات، وهنا يعلن لصاحبه القديم الذي يحاول ايجاد الانسجام بينه وبين الواقع، انه قرر الرحيل، والعودة الى الاغتراب خارج
قريته، حيث الغربة هناك ارحم من هنا:
قال بأسى:
إنه غول يا صاحبي,
هذا الغول لا يمكن اغتياله بالهروب منه,
ومع ذلك فقد قررت الرحيل , ص 77,
فهذه ا لقصة وضعت القرية كلها في سياق التحول إلى غول، الغول الذي يجعل الإنسان في حالة اغتراب وضياع، لذلك يقرر البطل بعدما شاهده من تحول مادي غير مرضٍ،
ان يتحول هو الآخر فيهرب من قريته,,وهذا هو التحول النفسي الذي ينجز في سياق التحول المادي في فضاء هذه القصة التي تحمل رؤية رومانسية غير متفاعلة مع
التطور المادي الذي يتجسد سلبياً في رؤية المبدع,!!،


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved