علاقات أم مباينات بين الفكر والإيمان؟!،
أبو عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري
]الحاجة إلى رغيف الخبز كل يوم تُكره الغوييم على ان يخلدوا إلى السكينة، ويكونوا خداماً لنا طائعين ,, والعملاء الذين نختارهم منهم لخدمتنا في الصحف
سيقومون بإيعاز منا بمناقشة اي موضوع لا يناسبنا ان نعالجه نحن في بيانات رسمية نصدرها إلى الجمهور تواً,, لكننا والنقاش دائر حامي الوطيس في اخذ ورد ما
علينا سوى ان نقوم بهدوء تام بالإجراءات التي نراها ضرورية حسب رغبتنا، وهي ما يتعلق بموضوع النقاش الدائر، ثم نعرض المسألة على الرأي العام كأنها امر
واقع فرغ منه,, حينئذ لن يجرؤ احد على ان يتقدم فيطلب إلغاء هذا الرأي الواقع، وتضيق الحلقة به وبأمثاله عندما نكون قدمناما قدمنا بمثابة إصلاح وتحسين،
وفوراً تقوم الصحف بدعوة الرأي العام واجتذابه إلى ما هو اشياء جديدة فاتنة؛ فتنصرف اليها الأذهان,, ألم نكن قد عودناها اشتهاء الجديد المستحب الصالح؟!,,
ثم ينبري لبحث الامور الجديدة اشخاص ما وُهبوا من مقسَّم الحظوظ إلا فراغ العقول، وهم الذين يغيب عنهم ان يفهموا انهم ليسوا على شيء واعجز من ان يدركوا
اللباب؛ فأمور السياسة إنما نحن وحدنا نحذقها وقد هيأنا الله لها بفعل الاجيال الجديدة، فمن مبدعها غيرنا؟,
ولكي نصرف اذهان الجمهور المزعج الشكس عن مناقشة الأمور السياسية: فإننا نجيء اليه بما ندعيه بأنه الجديد المختار في باب الصناعات وما اليها، وندعه يخوض
في هذا ويسبح ما شاء,, واعتادت الجماهير الا تستسلم الى الاسترخاء، وتنفض يدها مما تعده من متاعب السياسة (مما عودناها معاناته من قبل)؛ لنستغل ذلك في
مكافحة حكومات الغوييم,, إلا إذا توافر لها من الاعمال المناسبة الاخرى ما تعتاض به عما تتخلى عنه من شواغل السياسة,, ولكي تبقى الجماهير في ضلال لاتدري
ما وراءها وما أمامها ولاما يراد بها: فإننا سنعمل على زيادة صرف اذهانها بإنشاء وسائل المباهج والمسليات والألعاب الفكهة وضروب اشكال الرياضة، واللهو وما
به الغذاء لملذاتها وشهواتها والإكثار من القصور المزوقة والمباني المزركشة، ثم نجعل الصحف تدعو إلى مباريات فنية رياضية ومن كل جنس؛ فتتوجه أذهانها إلى
هذه الامور وتنصرف عما هيأناه؛ فنمضي به إلى حيث نريد، فيسلم موقفنا (وهو الموقف الذي لو اعلناه بارزاً مكشوفاً تواً بغير اصطناع هذه الوسائل الملهية:
لوقعنا في التناقض امام الجماهير),, ثم ان الجماهير - بحكم ما ألفته واعتادته من قلة التفكير داخل آفاقها النفسية - لا قدرة لها على الاستنباط,
البروتوكول الثالث عشر [
***
قال أبو عبد الرحمن: الوقفة الخامسة عند هرطقة ياسبرز: انه عبر بكلمة الإيمان، ولم يذكر المؤمن به وهو الله جل جلاله؛ مشياً على منهجه في التعويم بمثل
الشامل,
الوقفة السادسة: تعبيره بثنائية المطلق والنسبي، وإيجاد وسيط بين هذين المتناقضين ليكونا متضادين لا متناقضين، وهو الجمع بين الصفتين في الإيمان بالله على
حالتين مختلفتين عندما جعل الإيمان مطلقاً ونسبياً، ثم فسر وجه الجمع بانه مطلق؛ لأنه غير مشروط، وبأنه نسبي؛ لأنه فردي تاريخي,, وكذب عدو الله في أمور:
أولها: ان هذه الثنائية محالة إذا كان موضوع الإيمان إلهاً واحداً؛ فقد كذب بتضليل القارىء؛ ليؤنِّسه علىتصور هذا المحال بناء على العرف العام لمعنى
الإيمان الذي يفر منه ياسبرز بمخاتلة؛ ليجعله إيماناً بالمتعدد,
وثانيها: ان الإيمان في العرف العام إيمان برب إله واحد له الكمال المطلق، والكفر جحده، أو جحد بعض حقه، أو إشراك غيره معه؛ فإذا كان الإيمان بإله واحد
بدعوى المطلق فمحال ان يكون نسبياً عند الرجل المؤمن,,وهذا هو المحك؛ لأن الثنائية - في إمكانها او إحالتها - إنما هي في حق الفرد الذي صدر عنه الإيمان,,
أما رؤية الآخرين فليست هي موضوع الثنائية؛ لأن الكلام عن إيمان المؤمن أو المؤمنين؛ فإيمانهم مطلق لا ثنائية فيه؛ فقد كذب بالتضليل في مفهوم الإيمان في
العرف العام؛ من اجل الغرض الذي ذكرته في الأمر الثاني,
وثالثها: أنه ضلل في التعبير بمفهومهم المطلق، ولم يفسره بغير المرادف وهواللامشروط، ولم يذكر موضوع المطلق واللاشرط,, والواقع ان للمطلق واللاشرط لدى
المؤمن مفهوماً واحداً صحيحاً - من جهة المعنى لااللفظ؛ لأن تسمية الله توقيفية -، وله لازم معنى صحيح ايضاً، وله معنى ثالث باطل ينقض دعوى الإيمان,
فأما المعنى الصحيح للمطلق اللامشروط عند المؤمن فهو ان له الكمال والمثل الأعلى بلا استثناء، ومنفي عنه النقص بلا استثناء,, وهذه ضرورة عقلية إيمانية
بإجمال محال تفصيلها إلى بيان الشرع,
وأما لازم المعنى الصحيح فهو ان الإيمان بالله لدى المؤمن على الإطلاق من امر الفرد المؤمن؛ فلا يكون الإيمان عنده نسبياً في وقت دون وقت؛ إذ لو حصل ذلك
لكان كفراً,, والفرد عرضة لان يكون مؤمناً فترة، كافراً فترة؛ فلا يكون إيمانه نسبياً مطلقاً إلا بافتراض المحال، وهو ان تكون الحالتان إيماناً,, ومقياس
الإيمان عندنا نحن البشر ان نحكم بأنه إن مات على الإيمان فهو مؤمن,
ومقياس الإيمان في حكم الله الكوني يوم القيامة كمال علمه سبحانه بمن آمن وكفر، ثم آمن وكفر، ثم آمن بعد كفر,, إلخ,
وأما المعنى الباطل الذي ينقض معنى الإيمان فهو الإيمان بإله مطلق غير مشروط بمعنى تجريده من كل صفة وجودية؛ فهذا عدم محض، وهو دعوى إيمان باللسان، وعجز
عن تحقيق معنىالإيمان واقعاً,
ويدخل في ذلك ما أراده هذا الماسوني النذل من كونه غير مشروط بإله واحد، وقد أسلفت ان هذا الاستثناء إن كان عند غير المؤمن بإله واحد فلا أثر له في دعوى
ثنائية المطلق والنسبي لدى المؤمنين؛ لأن الكلام عن عقيدتهم هم وليس عن عقيدة غيرهم,, وإن كان في عقيدة من نسب إليه الإيمان فليس ذلك هو معنى الإيمان
العرفي العام الذي هو موضوع الاختلاف بين المؤمن والكافر,, وذوو الفكرالماسوني يَلُفُّون المفكر الساذج، وذا الفكر الأنوثي، ويتعبون المفكر في كشف
أغاليطهم، وتخليصها، والوفاء بما يقتضي كل ذلك من كلام طويل,
الوقفة السابعة: أن الإيمان المطلق غير المشروط مع إضافة النسبي بمعنى الفردي التاريخي يحدد معنى المطلق اللامشروط هاهنا بأنه تعدد الاعتقادات، وتعدد
الآلهة، وهذا هو مفهوم الكفر، وليس هو مفهوم الإيمان بالمعنى العرفي العام؛ فآل كلام هذا النذل إلى تسويغ الكفر بمغالطات تجعله بمفهوم الإيمان!!,
قال أبو عبد الرحمن: اعرفوا مكايد التضليل الفكري الصادر عن الأفعى مباشرة، أو عن ضحاياها المغبونين في عقولهم: إذا رأيتم التضليل متعمداً,, ويعرف التعمد
بإحكام أحيل المغالطة في الدين والسياسة والأخلاق، وفي كل حقل علمي من جهة علاقتة بما سبق,
الوقفة الثامنة: برهان ما أسلفته لكم من تحسين الكفر باسم الإيمان دعوته إلى ضرورة عدم التجرد من إيمان يكون متعدداً (هو مطلق، وهو نسبي!!)، وحكمه بأن
التجرد من هذا الكفر خواء وفراغ!,
الوقفة التاسعة: سوغ النذل الكفر بوسيلة ثالثة بقوله: أما الاستعداد للاتصال (أي بالإيمان بالله سبحانه، وذكر لفظ الجلالة هذه المرة) فمعناه أنني قد أجد
في نظرة غريبة عن تجلياً لله لم أكن اراه ,, أي لم أكن أرى ذلك التجلي قبل هذه النظرة,
وقرر فؤاد كامل ان هذا حل مثالي مستحيل عند ياسبرز,, اي ان الإيمان بالله اذا لم يكن إلا بهذه النظرة فهو محال؛ لأن تلك النظرة غير محققة للإيمان في
الاتجاه الفكري لفلسفة ياسبرز؛ ولهذا وصف نظرته بانها غريبة عنه!!,
قال أبو عبد الرحمن: وجه التسويل ها هنا ان الإيمان - وحدد انه الإيمان بالله سبحانه - قد يوجد بنظرة غريبة عن معطيات الفكر والعلم؛ ولهذا قال عقب ذلك
مباشرة - والمتحدث فؤاد كامل بلسان ياسبرز -: واليوم يواجه ايدلوجيات قد حلت محل الأديان,, إلى ان قال: ابعد ما تكون عن الاتصال الحقيقي (اي اتصال التجلي
الإيماني بنظرة غريبة)!!،
الوقفة العاشرة: ان ياسبرز يمعن ويسرف في تعويم السذج بوصف الإيمان (الذي اعطاه مسبقاً صفة الاتصال الحقيقي، ثم جعل هذاالوصف الفخم يضمحل بأنه عن نظرة
غريبة لا تحقق غيرالمحال) بانه قائم على الحب، والكرامة الإنسانية، والحرية الروحية,
قال أبو عبد الرحمن: اي حب يعني: أهو حب الإنسان للإنسان بلا ولاء ولا براء، أم هو حب الإنسان لأهوائه وملذاته ام هو حبه لله؟!!,, الأولان خارج سياق تقرير
الإيمان بالله او نفيه والثالث لا قيمة له إلا بمعرفة يقينية؛ فإن كانت المعرفة عن نظرة غريبة تحقق محالاً؛ فمعنى ذلك ان حب الله - سبحانه عن مذاهبهم - حب
لمعتقد خرافي!!,
والكرامة الإنسانية خارج محل قضية الإيمان؛ لأنها قد تكون مقتضى عقلياً من غير مؤمن، وقد تكون مقتضى دينياً بعد الإيمان بمنزل الدين,, وإنمنا اراد ياسبرز
بإقحام هذا الفضول صدَّ الناس عن تطلب الإيمان بالله بالتعويض بالحب المطلق، والكرامة الإنسانية المطلقة,
وهكذا الحرية الروحية تركيب مضلل، لأن الروح موضوع لمحمولات عديدة من الفكر والوعي ووجدان المشاعر والسلوك، وكل حرية غير حرية الفكر اتباع لنوازع الشبهات
والشهوات؛ فليكن ذلك هو العوض عن الإيمان بالله,, وحرية الفكر إنما هي في بداية النظر والتأمل حتى يقف استرساله محال أو تعين أو إمكان بيقين أو رجحان أو
احتمال، ومن ثم تقتضي حرية الفكر حرية الانصياع لضروراته وإيجابياته؛ لأن الحريتين من مسؤولياته,, هو مسؤول عن النزاهة والصدق في ابتغاء الحق بتجرد ثم هو
مسؤول عن الخضوع والالتزام، والامتثال لمعطياته بتجرد وفق أحكامه وبدهياته,, ولكن ياسبرز بتركيبه الحرية الروحية يغمس مسؤولية الفكر في موضوع يقبل أكثر
من محمول؛ لينصرف الذهن إلى حرية السلوك!,, وهذا التضليل أنتج اسراباً تهافتت في المصيدة؛ حتى قال أحدهم - وهوفؤاد كامل -: وهكذا تتخذ جهود ياسبرز -
للوصول إلى الإيمان الفلسفي - صورة ديالكتيك طرفاها التحدي والخضوع,, إلخ,
قال أبو عبد الرحمن: والله ما رأينا شيئاً من هذا في السياق الذي ساقه فؤاد نفسه، ثم زكاه بما سلف من كلامه,, وإنما وجدنا ما اسلفته من تضليل ومن هروب من
فكر وعلم ينتج إيماناً إلى محالات تنتج عن نظرة غريبة، وتعويض بحرية سلوك,, إلخ,
الوقفة الحادية عشرة: أسلفت ان ما سلف من سياق لفلسفة ياسبرز لاينتج ما سلف من تزكية فؤاد؛ فلننظر في انطباق هذه التزكية على ما سيستأنفه من فلسفة
ياسبرزية؟,, يحكي فؤاد ان طرفي فلسفة ياسبرز حول الإيمان: التحدي، والخضوع,, الخطوة الأولى الاستقلال التام؛ لأن الشخص الذي تعلم ان يثق بنفسه هو وحده
الذي يستطيع ان يؤمن بان المتعالي موضع الثقة!!,
قال أبو عبد الرحمن: على أي اساس نقبل هذا الطرف أو نرده ما دمنا لا نعرف ماهو الاستقلال التام، ومن الفاعل للاستقلال: أهو السلوك، أم العقل، أم تقنينات
المنابع الياسبرزية؟!,, أهذا الاستقلال يعني شك ديكارت التوسلي، أم الاستجابة لقانون الشهوة (الحق الطبيعي) الذي قننه مثل سبينوزا, أم نظرية جديدة في
المعرفة؟,
ثم تلك الثقة ما هي: أهي الثقة بمعرفته، أم الثقة بألوهيته التي تقتضيها ربوبيته سبحانه؟,, إن هذا النذل الماسوني يصرف عبارات بلا معنى كالنقود المزيفة،
أوالسندات بلا رصيد؛ ليأنس الجمهور بالثقة بالله؛ فيعلموا انهم يدخلون إلى فلسفة تعني ذلك، ثم يأخذ بهم إلى الكفرتدريجياً بمثل عبارة: هناك شيء من الحقيقة
في الإلحاد!! ,
وهذه الخطوة الأولى اولها عن الخضوع، وآخرها عن التحدي,
الوقفة الثانية عشرة: في اسرع من مراوغة الثعلب نسف المدخل الجميل عن الثقة بالله،وتحسين الاستقلال التام بهذا البديل الكفري الذي هو نقيض؛
فقال: ما من شخص أمين صادق مع نفسه (هذا معنى الاستقلال التام) إلا وتدفعه مأساة الحياة الى التمرد على الوجود !,
قال أبو عبد الرحمن: ها هنا يبدأ التحدي من الخطوة الأولى، ولم ننعم بعد بلحظة من لحظات الخضوع إلا الوعد بأن المستقل يستطيع الإيمان بالله، وقد عبر عنه
سبحانه بالمتعالي، وسبق لي التعريف بمعنى هذا الاصطلاح,, ثم لم يتحقق هذا الوعد إلا بنقيضه!! ,
وفسر نتيجة التمرد على الوجود بنبذ الحلول الزائفة,
قال أبو عبد الرحمن: أية حلول زائفة معهودة لنا في سياقه؟,, إنه حينئذ يعني استطاعة الإيمان بأن المتعالي موضع الثقة؟!,, ثم ظهر فحيحه المريض العفن إلى
صراحة التعبير بأن المراد حرية الفكر، وصريح الكفر,, قال:لاعلاج للشر والعذاب والخطيئة إلا ما يحققه الإنسان بحريته والحياة الجديرة بأن نحياها لا تكون
باصطناع نوع من العزاء الديني أو الفلسفي تجعل هذه المأساة (يعني مآسي الحياة) تبدو لنا غير حقيقية ,
قال أبو عبدالرحمن: ها هنا أنواع من المضغ الفلسفي (1) :
أولها: انه لا يوجد في فلسفة ياسبرز عزاء ديني صحيح,, إذن الثقة بالمتعالي تدين مصطنع,
وثانيها: أطلق النذل التعبير عن حرية الإنسان، وقد أسلفت الكلام عن حرية الفكر، وحرية السلوك,
وثالثها: أنه أطلق القول عن معنى حقيقة المأساة: أهي حقيقة وجود، أم حقيقة ثمرة؟!,, وحجب جانب نعيم الحياة؛ فلم يبد لنا غير المأساة!,
قال أبو عبد الرحمن: أما وجود مآسٍ في الحياة ومنغصات فلا يحتاج الاعتراف بوجوده إلى تفلسفه، فالناس معترفون بذلك من الرجل العادي إلى الفيلسوف,
وأما وجود ثمرات سعيدة لمآسي الحياة، وأن الحياة ليست مأساة دائماً: فذلك مفترق الطريق بين المؤمن والكافر، والمؤمن والوجودي بعامة,, فالمؤمن - لإيمانه
بربه، وبحقائق الغيب - يحيا حياة طيبة سعيدة كريمة بإطلاقٍ بعنصري الشكر والصبر اعتقاداً وسلوكاً، وبعنصر المواءمة بين سلوكه وسلوك الكائنات (الطبيعية) ،
سلوكاً ممتزجاً بأن له هداية من عقله ودين ربه تحدد اتجاهه فلا يحيف على فطرته وفطرة الكائنات حوله؛ لأن الفساد يظهر في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس,,
وبأن له هداية من عقله وحسه وخبرة البشرية يكتشف بها وجه التواؤم بين فطرته وفطرة الكون؛ فيكون سوي الفكر، مستقيم السلوك، ظافراً بالحياة الجديرة بأن
يحياها,, وهذا خلاف منطق العبث بالوجود البشري باسم العدمية والتمرد والهيبية المتمثل في فلسفة ياسبنز: إنما تكون الحياة الجديرة بأن نصبح نحن أنفسنا
شيئاً نستطيع ان نؤكده على الرغم من موقف الإنسان الضعيف القابل للكسر ,
وبعنصر الشكر -المبني على المعرفة الحقيقية بالله، والإيمان بالواقع المغيب - تسعد حياته بحقائق النعمة والامتنان في الوجود، وتسعد حياته بمرارة الكدح
لحلاوة العقبى، ويعمل ولا يعجز؛ فإذا اصطدم بحتميات القدر من فقر أو مرض مقعد,, إلخ،وقد بذل كل الوسائل والأسباب رضي رضىً يجمع بين عنصر الشكر فيما أسلفته
وعنصر الصبر على أقدار الله، وعن محارم الله، وعلى طاعة الله,, ولا تواكل في ذلك ولا جبرية؛ لأنه لايعطل أسبابه الدنوية ومعارفه وخبرة البشر,,ومن العقبى
الحلوة اليقين بالنعيم الأبدي في الدارالآخرة,, وسواء أرضي أم سخط فهذه الحتميات عن وضعية الحياة كحتمية الولادة والوفاة؛ لا يد للفرد فيها,, إلا ان
الملحد غير الراضي ليس له إلا السخط والعبثية والعدمية، والمؤمن في نعيم بين حقائق الدنيا وحقائق الآخرة,
الوقفة الثالثة عشرة: يدور هذا الماسوني حول تزيين التمرد على الأقذار,, ومعلوم انه لا يملك احد الاستيلاء على حتميات القدر، ولا معنى لذلك إلا العبثية
والغثيان واللامبالاة والسلوك الهيبي، واسترحال كل ضروب الكفر والإلحاد,, والنذل أذكى من المصارحة بهذا بأسلوب مباشر، ولكنه يغرز في ذيول المتلقي مسامير
وأطناباً تشده في هذا الوحل بمثل: هناك شيء من الحقيقة في الإلحاد وينبغي ان اصحح إجابتي الخاصة ,, يعني ما يحققه عن حريته السلوكية المتعامية، ولا
أنتظرالإجابة من الدين والملحد ممدوح لصدقه مع نفسه؛ فذلك أمانة وإخلاص,,وبهذا الإصرار على الصد في الإلحاد يكون ماثلاً في حضرة الله !!،
قال أبو عبد الرحمن: فأي تلاعب بالعقول أكثر من هذا،ومن ذا الذي يغيب عن قيومية الله وعلمه وقدرته حتى يكون للملحد ميزة المثول في حضرة الله!!؟,
إن الذين بدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون والذين يُدعُّون إلى النار دعاً كانوا ماثلين لعلم الله وسمعه وبصره وقدرته وهيمنته منذ دنياهم إلى محاصتهم
أعمالهم في يوم الدين,
قال أبو عبد الرحمن: قبل استكمال الوقفات اسوق هذه الكليمة (2) للدكتور حسن حنفي عن إيمان ياسبرز,, قال: لم يكن ياسبرز في حياته الشخصية متحمساً للطقوس
الدينية,, ومنذ صباه كان قليل الاتصال بالكنيسة، وقد أثرت فيه التربية الدينية في المدرسة,, خاصة الروايات والأساطير عن الجنة والنار والمسيح,, وفي طقس
تثبيت العماد اراد ترك الكنيسة احتراماً للحقيقة، ولكن والده نصحه بالبقاء حرصاً على المسؤولية الجماعية قائلاً أوافق معك على ان جانباً كبيراً من الكذب
موجود في الكنيسة (3) ,, كما نصحه بألا يتركها إلا وهو في سن الشيخوخة (وهو مافعله والده بالفعل)؛ لأن الكنيسة تعطي لنفسها حق الإدانة (أدانت الكنيسة
وقتئذ انتحار شاب ورفضت دفنه),, ولكن ياسبرز لم يتركها في الكبر بل ظل محترماً لها ولكل المؤسسات الدينية,
ولم يهتم ياسبرز باللاهوت حتى الحرب العالمية الأولى؛ لأنه لم يكن ميداناً فلسفياً علمياً، ولكنه رأى فيه مظاهر للسلوك العملي، وهو الإيمان الأخلاقي
المعروف عند البروتستانت,, ولكن في الحقيقة كانت محاضرات ياسبرز في الميتافيزيقا (الانفتاح نحو المطلق) لاهوتاً مقنعاً ترضي اللاهوتيين حتى أن احدهم شد
على يده بعدإحدى المحاضرات، وأعلن اتفاقه معه؛ لأنه لا فرق بين متيافيزيقا ياسبرز ولاهوت الراهب,, ومنذ ذلك الحين اعتبر ياسبرز الكنيسة واللاهوت موضوعات
فلسفية (مع عدم اعتراف الكنيسة باستقلال الفلسفة؛ بل وآثر أن يضم الدين داخل الفلسفة؛ فالفلسفة في رأيه سابقة على الدين وتالية له,, لم يهاجم الكنيسة
واللاهوت كما فعل المفكرون الأحرار، وأراد الانتساب إلى جماعة تعتمد على التراث والتاريخ الغربي، وقد رأى ذلك قائماً في الكنيسة، وبدأ في العناية
باللاهوت حتى أنه تعرض سنة 1916م في محاضراته في علم النفس الديني إلى موضوع اللاهوت، وأخذ لاهوت مارتنسن (عدو كركجارد) نقطة تطبيق له؛ لتفسير اللاهوت على
أساس نفسي، ورأى أن الإيمان فعل من أفعال التقليد على حد قول كيركجارد إجابة على من سأله: لِمَ يعتقد: لأن أبي قال لي ذلك ,
وفي أحد المؤتمرات الدولية في جنيف وجد نفسه محصوراً بين إيمان الكاثوليك وإيمان البروتستانت وإيمان الشيوعيين ولكل منهم واقعه الاجتماعي، ولما رأى أخيراً
ان فلسفته إن هي إلا مقدمة للإيمان بدأ يفكر في الإيمان الفلسفي وهوالأليق بالجامعة,, ولما كانت الفلسفة لاتقوم على إيمان بكنيسة، كما أنها ليست تصوراً
علمياً للعالم؛ بل تفكير من طراز أفلاطون وكانط دون واقع اجتماعي؛ لأن الفلسفة كما يتصورها ياسبرز لا تخطط للعالم: أصبح الإيمان الفلسفي إحدى مقولات
الفلسفة داخلاً في مشكلة الاتصال,, ومادام الإنسان محتاجاً إلى الإيمان في فكره أصبح ربط الدين بالفلسفة أحد الأسس الجامعية، ويحق لكلية اللاهوت التوسع في
نشاطها حتى تعطي العلم قوة وحياة! ويصبح العلم حينئذ ميدان تطبيق للفلسفة المؤمنة وللإيمان الفلسفي,, صحيح أن الإيمان الفلسفي ليس له أية صياغة لاهوتية
عقائدية؛ بل إيمان كل فرد بنفسه لا يحتاج فيه إلى قسيس أو إلى كتاب أو إلى تعليم؛ بل يحتاج إلى التراث الفلسفي الغربي، ولكنه في الحقيقة هو الإيمان
التقليدي المصاغ بإحدى صيغ العصر الوسيط المتأخر عند توما الأكويني,, وقد عبر ياسبرز عن افكاره هذه سنة 1947م في كتابه الإيمان الفلسفي ,, يضع فيه مقولة
اللامعقول ويجعلها من وظائف الإيمان كما تفعل الكنيسة، ويجعل مبادىء الإيمان ثلاثة: وجود الله، ومطلب المطلق، وزوال العالم,, وهي مبادىء الإيمان اللاهوتي
المعروف (وجود الله، وخلود النفس، وخلق العالم)؛ بل يقبل ياسبرز الإيمان الكنسي نفسه بكل محتواه مع تجسد وخلاص وفداء، ويعتبر فلسفته خارجة عن التراث
الكنسي,, وفي هذا الوقت ايضاً اصدر كتابه المدخل إلى الفلسفة (مكون من اثني عشر حديثاً ألقاه ياسبرز في إذاعة بازل) يؤكد فيه الإيمان بالله بلا براهين
والمطلب نحو المطلق، ويبني فيه الإيمان على خمس: وجودالله، ومطلب المطلق، وفناء الإنسان ونقصه، والالتزام بطاعة الأوامر، وفناء العالم,, ولا عجب أن يصبح
ياسبرز عميداً للإيمان في التراث الغربي المعاصر يحتمي به اللاهوتيون، ويجعلونه درعاً ضد كل حركات التجدد الديني، وكل الاتجاهات العلمية في دراسات الكتب
المقدسة (بولتمان مثلاً),, كما يحتمي ]به[ أنصار الأنظمة الغربية، ويتخذونه درعاً لمهاجمة الأنظمة الاشتراكية (4) ,
قال أبو عبد الرحمن: في هذا النص كل مقومات التضليل الصهيوني الماسوني، ولذلك حديث يأتي، وإلى لقاء,
وكتبه لكم:
أبو عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري
،- عفا الله عنه -
،(1) أعني بالمضغ الفلسفي الاستهزاء بالمتلقي؛ بالاستخفاف بعقله,,وأعني تشبع المرسل بالمغالطات,
،(2) قال أبو عبد الرحمن: هذا الدكتور أظهر نموذج لمن يوصف بالحاوي,, مكثر في التأليف على عجل بتسطيح، وفقر معرفي؛ لنقص مصادره، مع بدوات فكرية - وقد شرحت
أمر البدوات في غير هذا الموضع - يسود بها الورق مع تمذهب سهل القياد، وأمعية كما في كتابه التراث والتجديد/موقفنا من التراث,, صدر في خمسة مجلدات بعنوان
من العقيدة إلى الثورة,, تناول فيه كل المسائل الكبار من علم الكلام بذلك الفقر العلمي والثراء في الإنشاء والبدوات!,, ومثل ذلك أنوثته الفكرية تجاه فلسفة
سبنوزا، وقد قلت عن ذلك بكتابي الحق الطبيعي وقوانينه ص105: من الخذلان الذي يغيظ الأسلاف، ويذل المستقبل: أن يتساذج العربي المسلم؛فيفصل بين الفكر وبين
الوكر الموبوء لصاحبه,, لاسيما إن كان من أمة لا تحسن إلا الغدر والتضليل والعداء الضاري للبشرية,, ثم يزيد في البوق بحة فيجعل فكر هذا اليهودي مثالاً
للفكر المتجرد,, ويتغنى غناء رومانسياً بعبقريته,
والعجب أن المترجم -وهو الدكتور حسن حنفي - تنصل من تعريف القارىءبسبينوزا؛ لأن ذلك من باب التعالم ]يعني التمعلم[، واكتفى بالمهمة الحقيقة - حسب اعتقاده
،- للمقدمة، وهي بسط افكار الكتاب ونصرها!,
قال أبو عبد الرحمن: لست أنكر عبقرية هذا الفرخ - أعني سبينوزا - وأمثاله، إلا أنها عبقرية يرفضها خلق المسلم لفقدان عنصر الصدق وحسن النية,, كما أن
المتفلسف العربي غنى بما يؤذيه من تضليل تلك العبقرية دون تبصر في مقوماتها وبواعثها ليأخذ ما يقبله عقله وضميره، ويرفض مالا يرضيه من ذكاء الشياطين ,
،(3) سيرة ذاتية فلسفية ص171 ]حنفي[,
،(4) مجلة الفكر المعاصر ص18-19,


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved