قصة
حسين المناصرة
العبور من بين جداول النيران
قالت جدتي، رحمها الله، ووسع لها في الدار الآخرة:
كان ياماكان في سالف العصر والأوان بائع جوال,
تناول البائغ الجوال الشاحب الوجه كيسه المشبع بهمومه المشتراة من احزان الآخرين ومخاوفهم, وراح يجوب فضاءات المدينة وحاراتها المليئة باصوات وجوه معجونة
من الفراغ والسكينة وبقايا غبار في قدر كبير,,
خذ همّاً أثقل من همك، تزح الغم عن قلبك، في هذه الدنيا العجب العجاب!! ,
اعتذرت المرأة التي قابلته في الشارع صدفة عن الشراء ، وقالت له: ماعندي من هموم أثقل مما عندك!!
تركها يابسه مبحوحة الصوت مكسورة النظرة,,
صوّت: خفف همّك بهم أثقل منه، تغلب غمك، وتعش يومك,,
طلب منه الشاب الذي خرج من قبو المدينة لتوه ان يعطيه همّا أثقل من هم ضياع الوطن,
فتش بين الهموم، لم يجد شيئا,,, اخرج لوحة التعليمات، قلب اوراقها، قال له: حتى تختبر صبرك على همك، عليك ان تذهب إلى وادي الشيطان, وتعبر من بين جداول
النيران، فإن خرجت منها سالما، فأنت بإذن الله تعالى قادر على الصبر والنسيان ,
،***
استغرق منه العبور مائة عام,, تجاوز جداول النيران دون ان يزوده شيخه الذي باعه الحكمة حصانا يطير في السماء او سيفا يحرق العصاة,,
،***
بعد ان نجح الاختبار، وتجاوز جدران جداول النيران وفي وادي الشيطان جاءه الغراب فنقر عينيه وأكلت منه البوم لسانه ومزق العنكبوت شعره حيث بنى له بيتا في
اذنه ثم اتخذ النمل الأبيض من انفه ممرا إلى دهاليز النهاية,, وهكذا لم يعد,, بعد العبور الكبير، يرى او يسمع او يفكر او يتكلم,,
انه مازال يحس بالأشياء التي تحاصره, باحثة عن اغتياله,, يتصور حاله وقد تحولت إلى حبة قمح, تمارس الهروب الكبير خوفا من منقار دجاجة، تلتهمه من غير حاجة
إلى الماء,,
،***
حسنا حسنا ,, هذا ماردده البائع الأشعث عندما وقف على راسه واضاف قائلاً المهم أنك تجاوزت الاختبار ثم كتب على بقايا جسده: عليك ايها المتناهي في التلاشي
ان تقتنع - بعد ان نجحت في العبور الكبير - بأنك إنسان لاحبة قمح ,
فجأة تمطى الشيخ المتعثر بالأرض، وقال بصوت الخارجين من القبور : إذا أنا اقتنعت بأنني إنسان، فمن يقنع الدجاجة بأنني لست حبة القمح,, !!!،
صوّت بياع الهموم: يا اهل مدينة الغياب، من عنده هم اكبر من هم عابر جدران النيران,, اخوكم صبر وما انتصر!!،
قرر بياع الهموم ان يعبر الوادي المذكور ليشتري اغرب ما في الكون من الهموم,
وبعد التجوال والتجوال,, عاد ,, فارتمى قربة يعاني مما يعاني جسدان لايمتلكان غير بقايا مهترئة من الإحاسيس الفطرية,, أصبحا صنمين يردد قربهما المارون
حكمة البداية: من شاف مصيبة غيره هانت عليه مصيبته,,
مر من قرب الجسدين طفل مل من لعب الكرة مع الآخرين، فأمسك النملة التي جفت عروقها من الخوف، وقالت له ان تركتني سالمة اتحول إلى حبة قمح !!،
ترفق بها، وقال بعفوية حكيمة مداعبا لا هم اكبر من موت الحواس,,!!،
توقفت الجثتان فجأة وقالت معاً لا هم اكبر من موت الحواس,, إنه ضياع الوطن وفشل العبور,, فكيف تكون العودة إلى طقس البداية؟!!


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved