الملكُ شكلُ ولايةٍ، والحكم على الأداء
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال الله تعالى عن عموم الملك: (ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب
عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وابنائنا فلما كُتب عليهم القتال تولوا الا قليلا منهم والله عليم
بالظالمين * وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه
عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم* وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما
ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين) (سورة البقرة/ 246 - 248) وقال تعالى: (ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا
أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين* فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله
الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض ولكن الله ذو فضل على العالمين) (سورة البقرة _250 - 251) وقال تعالى: (واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر
سليمان ولكن الشياطين كفروا,,) (سورة البقرة/ 102) وقال تعالى: (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي
ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين) (سورة البقرة/ 258) ،
وقال تعالى: (قل اللهمّ مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير) (سورة آل عمران/
،26) وقال الله عن يوسف عليه السلام: (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الاحاديث فاطر السماوات والارض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما
وألحقني بالصالحين) (سورة يوسف/101) وقال عن فرعون لعنه الله: (,, أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي) (سورة الزخرف/51) وقال تعالى: (ألم تر إلى
الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا * أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد
له نصيرا * أم لهم نصيب من الملك فاذاً لا يؤتون الناس نقيرا* أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم
ملكا عظيما* فمنهم من آمن به ومنهم من صدّ عنه وكفى بجهنم سعيرا) (سورة النساء/ 51 -55) وقال عن داود عليه السلام: (وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل
الخطاب) (سورة ص/20) وقال عن سليمان عليه السلام: (قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي انك أنت الوهاب),(سورة ص/ 35) وقال الله عن بلقيس:
،(إن الملوك اذا دخلوا قرية أفسدوها) (سورة النمل/ 34) وقال تعالى: (وإذ قال موسى لقومه ياقوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا
وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين) (سورة المائدة/20),،
قال ابو عبدالرحمن: مدلول كل هذه النصوص مجتمعة كالتالي:
،1 - ان موسى عليه السلام اخبر بني اسرائيل عن ربه انه قد بعث لهم طالوت ملكا قائما بشريعة ربه اصطفاه ربه، وزاده بسطة في العلم والجسم، وامتن الله عليه
احتجاجا على بني اسرائيل؛ بأنه يؤتي ملكه من يشاء، وأوجب الجهاد معه؛ فملك طالوت شريعة ربانية,
،2 - ان داود النبي الكريم ذا الحكمة والعلم وفصل الخطاب: ملك من الملوك شد الله ملكه,, وبملكه نفذ نبوته وشريعة ربه؛ فالملك هاهنا شريعة ربانية,
،3 - ان الله استجاب لدعاء عبده ورسوله سليمان عليه السلام، ووهبه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، وبرأ ملكه من كفر الشياطين، فملكه العظيم ولاية شرعية نفذ
بها مراد ربه,
،4 - ان يوسف عليه السلام ملك فاضل، ونبي كريم؛ فهو الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم,
،5 - ان الملك من فضل الله,, جاء ذلك في معرض الرد على بني اسرائيل: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة
واتيناهم ملكا عظيما(,, والملك هاهنا هو المقصود الاول بالخبر عن المنة الاعم؛ لأن الخبر في معرض قول الله عنه: (أم لهم نصيب من الملك فاذاً لايؤتون الناس
نقيرا* أم يحسدون الناس,,) ,, وذكّر موسى عليه السلام بمنة الله على قومه بقوله: (إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا,,),،
،6 - ثبت ان الملك شريعة ربانية، ولكن بشرط ان يكون قوامه العلم والحكمة بهداية الله الشرعية في الوحي، وهدايته الكونية حسا وعقلا، ولهذا اقترنت المنة
بالملك فيما سلف من النصوص بالمنة بالعلم والحكمة,
،7 - قص الله عن بلقيس قولها: (إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها) على خلاف في قوله تعالى: (وكذلك يفعلون): اهو من قول بلقيس تأكيدا (1) ام من تصديق
الله لها؟,, وعلى أي تقدير فمن العلم المتيقن ان داود وسليمان ويوسف ومن لم يسمه الله من الانبياء الملوك، وكذلك صلحاء الملوك على مدار التاريخ: ليس وصفهم
انهم يفسدون القرى إذا دخلوها؛ بل هم عمّارها وصلاحها، والفساد ينافي نبوتهم وثناء الله عليهم؛ فعلم بيقين كالشمس ان الملوك في الآية من سورة النمل
لمعهودٍ لبلقيس من ملوك كفار، وملوك فيهم جبروت وفسق تجاوزوا ما شرعه الله قواما للملك من العلم والحكمة، وكانت تحسب سليمان عليه السلام وكرمه الله من
أولئك الملوك المعهودين,, وكثرة الملوك الكفار، وكثرة الملوك المسلمين المتجاوزين ماشرع الله لهم: لا يعني ان جواز ولاية الملك ينبغي ان تكون محل خلاف؛ بل
يعني ان الظاهرة التاريخية خلاف الامثل,
،8 - ذم الله ملوكا لا لذات الملك؛ بل لكون الحائد عن مشروعية الملك كافرا، او متجبرا كالملك الذي حاجه ابراهيم عليه السلام، وكفرعون مدعي الربوبية، وكالذي
يأخذ كل سفينة غصبا، وكمعهودي بلقيس,
قال ابو عبدالرحمن: ليس بعد خلافة النبوة على الاطلاق أفضل من ملك الرحمة؛ لأن قوامه الشرع,, وكل انماط السلطة غيرها: اما استبداد طاغية، واما تحكم حزب او
جماعة او مؤسسة مالية، او حرية شبهات وشهوات وإسقاط لحق الرب وعبودية للذات، او عبودية لكيد كافرين بخلاف المرسلين والمصلحين دعوتهم الى المنكر والصد عن
المعروف,
وما كان ملكا غير ملك رحمة - سواء أكان ملك كافر لكفار، او ملك مسلم ظالم لمسلمين - أكثر استقرارا من كل انظمة الزوابع؛ ولهذا سعت الصهيونية السياسية
العالمية الى تسليط الرعاع، وتحريك الرويبضة على رموز امتهم التاريخيين من الملوك العظام,, مع تمسك هؤلاء الانذال المفسدين برمزهم التاريخي الملك الداودي
وهذا نصهم من بروتوكولهم: فخير النتائج التي يراد تحقيقها من التسلط على الغوييم بطريق الحكومة انما يكون بالعنف والارهاب، لا بالمجادلات النظرية المجردة؛
إذ كل امرىء مشتهاه الوصول الى امتلاك زمام السلطة، وكل فرد يود لو اصبح دكتاتورا ، وقليلون الذين لا يشتهون تضحية مصالح الجمهور من اجل منافعهم الخاصة,
ولعمري ما هي الروادع التي تكف الحيوانات المفترسة عن الوثوب، وهذه العجماوات ما هي الا الغوييم؟,, وما هو الامر الذي قام فيهم حتى اليوم لضبط احوالهم؟,
أما بدايتهم (بداية تكوين المجتمع)؛ فانهم كانوا مأخوذين بالقهر من القوة الغاشمة العمياء؛ ولهذه القوة كانوا خانعين,, أما بعد ذلك فسيطر عليهم القانون
الموضوع، وهو القوة الغاشمة نفسها، ولكنه جاء بزي مختلف في المظهر لا غير، استنتج من هذا انه بموجب ناموس الطبيعة الحق للقوة (2) ,
ولم نزل منذ الثورة الفرنسية نقود الشعوب، ونحررها من طلاسم الشعبذات، وفي النهاية ستتحول الشعوب عنا ايضا التفاتا الى الملك المتسلط من سلالة صهيون، وهو
الذي نعد ونهيىء للعالم (3) ,
ففي الزمن الغابر لما كانت الشعوب تنظر الى الملوك المتبوئة العروش كأنها تنظر الى من تجلت فيه ارادة الله: كانت تلك الشعوب وقتئذ خاضعة للسلطة المطلقة
التي للملوك؛ بلا مناقشة ولا حراك، لكن منذ أخذنا نحن نُشرِب عقول الشعوب عقيدة ان لهم حقوقا: شرعوا يعتبرون الجالسين على الارائك بشرا وقوما عاديين يأتي
عليهم الفناء كسائر الناس,, والزيت المقدس الذي مُسح به رأس الملك الذي هو ظل الله على الارض زيت عادي غير مقدس في عيون الشعب ,, ولما سلبناهم إيمانهم
بالله: فاذا يجبروت السلطة رمي به الى الشوارع حيث حق التملك هو حق الجمهور؛ فاقتنصناه نحن,
وفوق ذلك فإن فن توجيه الجماهير والافراد بوسائل تتقن القاء النظريات وإشباعها بكثرة الكلام حولها: مما يرمي الى ضبط مدار الحياة المشتركة بهذا وغيره من
الحيل التي لا يعرف الغوييم من اكتناه اسرارها شيئا,, ان هذا الفن عندنا نحن اربابه الاختصاصيون الذين تلقوا اصوله من ينابيع ادمغتنا الادارية؛ فهؤلاء
الاختصاصيون قد نشأوا على التمرس بالتحليل والملاحظة، ومعاناة حصر الدقائق في القضايا الحساسة الرفيعة,, وفي هذا المضمار ليس لنا ند ولا نظير في رسم
المخططات للنشاط السياسي، ومعالجة المسؤوليات,, وفي هذا المجال لاسقاط هيبتهم عند الدهماء وسواد الناس الذين لا يفكرون الا سطحيا، وانما تمكنا من الجزويت؛
لان مؤسستهم مكشوفة، بينما نحن استطعنا ان تبقى اجهزتنا السرية مغطاة محجوبة كل الوقت,, وعلى كل فالعالم قد لا يبالي شيئا بمن يتبوأ عرشه: أهو رأس
الكثلكة، ام المتسلط الذي يظهر منا منحدرا بدمه من صهيون,, هذا من جهة العالم، اما من جهتنا نحن فهذا الامر يهمنا جدا، فاننا الشعب المختار، والمسألة
تقتضي منا كل المبالاة (4) ,
والاعتراف بصاحبنا (صاحب السلطة المستبدة المطلقة) قد يقع حتى قبل تدمير الدساتير، وانما تقع هذه الحالة عندما تهب الشعوب وقد سئمت من عجز الحكام
ومخالفاتهم للقوانين - وهذا ما سنعنى بتدبيره - صائحة: اذهبوا بهؤلاء عنا، وأعطونا ملكا واحدا يحكم الدنيا كلها، ويوحد أمرنا، ويجمع شملنا، ويلاشي اسباب
فرقتنا، ويخلصنا من مسائل الخلافات على الحدود الاقليمية، والتباهي بالقومية والعنصرية، والتزمت الديني، والديون التي ترزح تحتها الدولة,, ويوردنا موارد
الامان والسلامة، ويحقق لنا ما فشل فيه حكامنا وممثلونا السابقون (5) ,
قال أبو عبدالرحمن: الملك في ذاته ليس مذموما، وليست سنة الخلفاء الراشدين في الاسم والوراثة وعدمها؛ بل لو انه ولي الامر من يرثه كما ورث سليمان داود
عليهما الله، ثم التزام وارث الملك نصوص الشريعة وسنة الخلفاء الراشدين في العدل بين الرعية، وإمضاء احكام الشريعة فيهم بلا هوى، ثم خلفه ابنه بنفس
السيرة: لكان هذا الملك خلافة نبوة اداء لا تحملا؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لم يجعل الامر وراثة لبني بنته,
قال أبو عبدالرحمن: وقد تعذر - بقضاء الله الكوني - بعد خلافة النبوة (التي مدتها ثلاثون بالخبر الشرعي الصادق): ان توجد الولاية تحملا خلافة نبوة؛ لانه
لو وجد مثل ابي بكر رضي الله عنه (وأنى ذلك!!) لما وجد مثل رعيته؛ فخلافة النبوة بعد علي رضي الله عنه معجوز عنها لنقص في الرعية اولا: ومحال تعطيل الامة
بلاولاية؛ لأن الشرع يمنع من ذلك ويحرمه، ويوجب الولاية الشرعية؛ فلم يبق الا أن يوجد من الامة من يتولى شأنها بولاية رحمة,, وتسلسل الولاية في بيت دانت
له الامة بالطاعة، والتزم البيت ذاته بالحمية لدين الله، والوفاء بشرط البيعة على كتاب الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أصلح وأرحم للأمة من
تعريض الولاية لطارىء ينقلها الى غير دعاية الاسلام، كما حصل في كل حكومات الانقلابات العسكرية بعد سقوط الخلافة الاسلامية,,
والى لقاء والله المستعان,
،(1) قال أبو عبدالرحمن: وهذا هو الأرجح عندي؛ لأن ما قبل هذه الجملة وما بعدها مباشرة كله من كلام بلقيس بلا خلاف؛ فلا يجوز نقل الكلام عن سياقه بلا برهان,
،(2) بروتوكولات حكماء صهيون ص 179 - /180 البروتوكول الأول,
،(3) بروتوكولات حكماء صهيون ص 197 - /198 البروتوكول الثالث,
،(4) المرجع السابق ص 204 - /205 البروتوكول الخامس,
،(5) المرجع السابق ص 227 - /228 البروتوكول العاشر,


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved