Wednesday 6th February,200210723العددالاربعاء 23 ,ذو القعدة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

رؤى وآفاق
تجارة الأراضي إلى أين؟
د. عبدالعزيز الفيصل

استأثرت تجارة الأراضي بعدد كبير من تجار المملكة العربية السعودية منذ ما يقرب من نصف قرن، ففي عهد الملك عبدالعزيز لم يكن لتجارة الأراضي شأن، وكانت التجارة في حاجات الناس اليومية من أرز وملابس وشاي وقهوة وإبل وأغنام، وحتى تجارة العقار من بيوت ومزارع ليست بذات شأن، وفي عهد الملك سعود حدثت الطفرة الأولى، ففي مدينة الرياض فتحت شوارع عدة، منها شارع الثميري، وشارع آل سويلم وشارع الظهيرة وشارع الشميسي، فاحتاج أصحاب البيوت المهدومة إلى بيوت بديلة، وكانت الأموال في أيديهم من التعويضات، فاتجهوا إلى شراء الأراضي لإقامة بيوت عليها، وفي الوقت نفسه قُسمت ظهرة منفوحة على أبناء البادية، وكانوا لا يرغبون في السكن في البيوت، لإلفهم حياة البادية والسكن في الخيام في ضواحي الرياض، فباع أكثرهم الأراضي التي منحت لهم، فكان ذلك دعماً لتجارة الأراضي في العقد الثامن من القرن الرابع عشر الهجري.
ولما رأى التجار أرباح الأراضي اتجهوا إليها في اندفاع غير مقدر العواقب، فخسر بعضهم، وربح البعض، اختفى بعضهم لما أثقلته الديون. وفي عهد الملك فيصل لم يتجه رأس المال إلى تجارة الأراضي وحدها، فالاتجاه إلى ذلك النوع من التجارة محدود. وتأتي الطفرة الثانية في تجارة الأراضي في عهد الملك خالد، حيث تمددت المدن في جميع الاتجاهات، حتى البحر دفن وبيع أرضاً، فالرياض اتجهت شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، وجدة اتجهت شمالاً وشرقاً وبريدة اتجهت غرباً وشمالاً، والدمام اتجهت إلى البحر فدفنته، كما اتجهت إلى الغرب، واستمر الاتجاه إلى تجارة الأراضي في عهد خادم الحرمين الشريفين بين مد وجزر، فإذا زاد دخل المملكة من النفط نشطت تجارة الأراضي، وإذا قل دخل المملكة من النفط تراجعت تجارة الأراضي، وكان من نتائج تجارة الأراضي القفز للبعيد وبيعه، وتجاوز ما هو أقرب منه حتى أصبحت مدننا أحياء متفرقة، تتخللها أراضي بيض.
وبما أن تجارة الأراضي قد مرَّ عليها ما يقرب من نصف قرن، منذ الطفرة الأولى في زمن الملك سعود، فلماذا لم تتوجه الأقلام إلى هذا النوع من التجارة بشكل مكثف، يقومها ويبين إيجابياتها وسلبياتها؟ والجواب على ذلك أن البلاد لم تعان من بطالة أبنائها، ولم تبرز مشكلة البطالة ظاهرة اجتماعية إلا في السنوات العشر الماضية، وعندما ظهرت مشكلة البطالة برز لرجال الاقتصاد أهمية الاستثمار في البلد، فاتجهت الدولة إلى جذب رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار في المجالات المختلفة من تعدين، وصحة، واستثمار الغاز، وغير ذلك، ولا شك أن من أهداف استثمار المال، الأجنبي في المملكة تشغيل الأيدي السعودية العاطلة، وبما أن الدولة الآن جادة في البحث عن أعمال للعاطلين من أبناء المملكة العربية السعودية، فلماذا لا تلتفت إلى استثمار المال السعودي الذي ربطته الأرض البيضاء وأبقته بدون حركة. إن آلاف الملايين مودعة في أراض بيض، مع أن تلك الأموال يمكن أن تستثمر في مصانع أو زراعة أو عمران.
فألف مليون مودع في أرض لا يُشغِّل يداً واحدة، بينما هو يشغل عشرين ألف عامل عندما يستثمر في الصناعة أو الزراعة أو العمران أو التعليم أو الصحة، لقد آن الأوان للالتفات إلى هذه الأموال التي لا تنفع البلد، فرجل الأعمال مواطن، وعليه مسؤولية، والمال يسهم في تثبيت الأمن، والأمن هو الذي جلب المال للتاجر، أفلا يستحق هذا الأمن من التاجر أن يسهم في توطيده عن طريق تشغيل العاطلين، بعد أن من الله عليه بتوافره لديه. ويمكن أن تفرض الدولة فرضاً مقدراً على الأراضي البيض داخل المدينة وخارجها، كما يمكن أن يفرض على التاجر استثمار 70% من ماله فيما يشغل الأيدي العاطلة، ويسمح له باستثمار 30% من الأراضي بعد تقويم ماله، وتقويم المال اليوم ليس بالصعب، ولا يكون عن طريق دفع الزكاة الذي يتلاعب به بعض التجار، وإنما يكون عن طريق البنوك، فليس هناك أموال الآن تحفظ في البيوت، وانما هي في البنوك، إن معاناة الشباب العاطلين في البحث عن عمل لا يلمسها إلا آباؤهم وأقاربهم، ومن مسؤولية الصحافة تعضيد هذه الفئة من الناس التي تبحث عن عمل أما الحجج التي نسمعها عن عدم جدية الموظف السعودي، أو العامل السعودي، فهي حجج ذات أهداف، فالموظفون لهم نظامهم الذي يضمن انضباطهم، والعمال لهم نظامهم كذلك، والدولة عامة لها أنظمتها التي تفرض الانضباط على الجميع، فأي إنسان غير منضبط سيحاسب، فلماذا ينصب عدم الانضباط على هذه الفئة!

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved