Wednesday 13th February,200210730العددالاربعاء 1 ,ذو الحجة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

رؤى وآفاق
الكرة والكرويون
د. عبدالعزيز الفيصل

لست من محترفي الكتابة في الكرة، فلها فرسانها المتمرسون في الكتابة عنها، من أمثال الأستاذ تركي الناصر السديري، الذي مهد طرق الكتابة، فلم يقصرها على الأندية والملاعب والمنتخبات، وإنما أراد لها مضمار التاريخ، بحيث يقرن الماضي بالحاضر، وتندرج ضمن الألعاب الأخرى التي عرفتها الشعوب على امتداد التاريخ القديم .
بالإضافة الى تاريخ الكرة العربي، وما وصلت إليه الشعوب العربية في مشاركاتها للعالم في هذه اللعبة السحرية التي خلبت ألباب الشباب والشيوخ على حد سواء، فالكل يتابع المرناة في شغف لا يكل، ورغبة جامحة لا تتوانى، فالكرة اليوم مشغلة للشعوب أكثر من احترافها لتقوية الأجسام، فالمنشغلون بها هم الأكثر، والمتجهون إليها رغبة في تقوية الأجسام هم الأقل .
فقد برزت كرة القدم في عصرنا أداة للتقارب بين الشعوب، فهي مفتاح للسلم، وطريق الى صفاء القلوب، ووسيلة للخروج من ماضي القطيعة إلى مد اليد للمصافحة والتقارب، إنها لعبة العصر، وخطوة الأخوة، ورمز الألفة، ولا أبالغ إذا قلت: إن الكرة في استدارتها ترمز الى تآلف سكان الكرة الأرضية، واجتماعهم على طريق الخير والوئام. ولكن لا ننسى ما تثيره هذه اللعبة من الشقاق والنزاع بين المشجعين في البلد الواحد، وبين المشجعين للمنتخبات في الفرق العالمية، التي تنتمي إلى بلدان متعددة، وقد يتجاوز الأمر المشجعين العاديين إلى مشجعي الطبقة الأعلى، فيتحول الأمر إلى نزاع بين الدول، كما حصل في أمريكا اللاتينية في سنوات ماضية.
إن كرة القدم هي لعبة العصر، التي سادت الألعاب الأخرى، وفرضت لغتها على شعوب الأرض، فالعالمية تتمثل فيها بكل أبعادها، وقد أصبحت هذه اللعبة وسيلة من وسائل التنشيط الاقتصادي، فالدول تتسابق في استضافة المناسبات العالمية لفتح فنادقها وأسواقها أمام الوافدين.
لقد برزت الكرة العربية في عصرنا الحاضر، وشاركت العالم في لعبة العصر، وإذا كنت لست من محترفي المتابعة للرياضة عامة، ومنها كرة القدم كما أشرت من قبل فلا أقل من الالتفات إلى الماضي العربي لأطلع القارىء الكريم على التفات العرب الى هذه اللعبة، وأنهم جزء من العالم، فعيونهم رصدت من لعب بها، وألسنتهم نطقت بالشعر الذي روي ودوِّن، فصور لنا اهتمامهم بالكرة كغيرهم من شعوب الأرض، على الرغم من شح موارد بلادهم في العصر الجاهلي، قبل مجيء الإسلام، وانسياحهم في البلدان المفتوحة من بلاد فارس، وبلاد الأندلس، وغيرها، لقد تناسى العرب المحدثون استعمالات العرب في لعب الكرة، فلا نسمع اليوم إلا كلمات: لعب بالكرة، وضرب اللاعب الكرة، بينما الأوائل يقولون: كَرا الغلام بالكرة يَكْرُو، وتقول: كَرَوتُ بالكرة إذا لعبت بها، وجمع العرب الكرة على كُرين، ولم أسمع أحداً اليوم يقول (كُرُون) وإنما يقول: كرات، في جمع الكرة .
وقد ورد جمع الكرة على كرات كما يستعمل اليوم في قول ليلى الأخيلية، عندما شبهت قطاة بالكرة في حال تدليها على فراخها بسرعة وخفة تقول:


تَدَلَّتْ على حُصِّ ظماءٍ كأنَّهاَ
كُراَتُ غُلامٍ في كِسَاءٍ مُؤرْنَبِ

ويصف عمرو بن كلثوم لاعبي الكرة بأنهم حَزَاورَة، وواحد الحزاورة حَزَوَّر، والحزور الغلام الممتلىء الجسم. ولعب الكرة باليدين وليس بالرجلين، يقول عمرو بن كلثوم:


يُدَهْدِهْنَ الرُّؤوسَ كَمَا يُدَهْدِي
حَزَاوِرَةٌ بأيْدِيهَا الكُرِينا

ويبدو أن لعب الكرة الشائع في العصر الجاهلي إنما هو باليدين، فهذا المُسيَّب بن علس يقول:


مَرِحَتْ يَدَاها َ للنَّجاءِ كأنَّما
تكْرُو بِكَفَّيْ لاعبٍ في صَاعِ

ويحدد المسيب بن علس طريقة اللعب أكثر مما ورد في بيت ليلى الأخيلية أو بيت عمرو بن كلثوم، فقوله (في صاع) إضافة جيدة ترشدنا إلى الطريقة التي كان يلعب بها الأوائل .
فالصاع حفرة تُهَيّأ لسقوط الكرة بها، وهذه الطريقة الجاهلية هي طريقة لعب الكرة باليد والمضرب، وهي شائعة في وسط الجزيرة العربية إلى عهد قريب، فتهيأ الكرة من قماش، ويختار لها مضرب جيد، وتحفر حفرة في عمق ذراع، وفي قطر ذراع، فيقف الغلام بجانب الحفرة ومعه المضرب، بينما يرمي صاحبه الكرة باتجاه الحفرة، فيصدها زميله بالمضرب، فإن سقطت في (الصاع) الحفرة فقد نجح زميله في إصابة الهدف، فيأخذ المضرب ويقف مكان زميله، بينما الآخر يذهب بعيدا لرمي الكرة، وهكذا تستمر اللعبة.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved