Wednesday 6th March,200210751العددالاربعاء 22 ,ذو الحجة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

رؤى وآفاقرؤى وآفاق
ابن الرومي والبحتري
د.عبدالعزيز الفيصل

شاعران من العصر العباسي، عاشا في القرن الثالث الهجري، حيث ولدا في اول القرن، وماتا في آخره، بفارق سنة بينهما، وقيل بل توفيا في سنة واحدة هي سنة اربع وثمانين بعد المائتين.
لقد تعاصر الشاعران في العصر العباسي، كما تعاصر جرير والفرزدق في العصر الاموي. واذا كان شعر جرير والفرزدق قد حظى بالسيرورة والقبول، وصاحباه قد نالا الهبات، وعاشا على كسبهما من الشعر في حياة معيشية متشابهة فان شعر ابن الرومي والبحتري تجمعه السيرورة وطول النفس في القصيدة، ولكن شعر البحتري اكسب الشاعر سعة العيش والهبات والضياع، اما شعر ابن الرومي فلم يكسب صاحبه الا الفقر وضيق العيش، مع كثرته وتصرفه في الاغراض والمعاني، ان من يطلع على شعر الشاعرين يجد تقارباً في الشعر، فكلاهما شاعر مطبوع يصنع الشعر متى شاء، وكلاهما قادر على صناعة قصيدة المدح، التي هي الوسيلة للتكسب بالشعر، ومع ذلك فان قصيدة المدح عند البحتري أغنته هو واولاده واحفاده، فاحفاده عرفوا بالثراء في مَنْبِج، اما قصيدة المدح عند ابن الرومي فلم تكسبه الا الفقر.
ان شخصية ابن الرومي القلقة والحائرة والمقترنة بالتطير، قد اسهمت في فقره، فهو يصنع القصيدة الطويلة في المدح، فاذا لم يعطه الممدوح، او تباطأ في عطائه، صنع قصيدة اخري في هجائه، فخافه كبار القوم، وتحاشوا مدحه، خوفاً من هجائه، وهذا عامل مهم قلل من شأن مدحه، وبالتالي قل كسبه من قصائد المدح.
لقد كثر هجاء ابن الرومي، وسار في الناس، فاخافهم، وابعد صاحبه عن اصحاب الجاه والعطاء، فهو يقول في كذبه في المدح:


مدحتُكم طمعاً فيما أؤمِّلُهُ
فَلَمْ أنل غير حظ الاثم والوَصَبِ
ان لم تكن صلة منكم لذي ادب
فأجرةُ الخط او كفارة الكذب

وهجاء ابن الرومي عم طبقات المجتمع، من اشراف، ومغنين، وغيرهم، فهو يقول في بني خاقان مع علو منزلتهم:


اموركم بني خاقان عندي
عُجَابٌ في عجاب في عُجَاب
قرون في رؤس في وجوه
صلاب في صِلاب في صِلاب

وقال في مغنٍّ لم يعجبه غناؤه:


وكأن جرذان المحَلَّةِ كلها
في حَلْقِه يقرضن خبزاً يابسا

وتطيره عامل آخر اضعف من علاقته بالمجتمع ورجاله، فهو يفسر مايرى او يسمع بالامر بالخير او الشر، فربما هم بالخروج من داره، ثم سمع صوت طائر فرجع ولزم بيته، وربما، استمر ذلك لعدة ايام، وقد حدث ان طالت مدته في البقاء في داره، فعلم بذلك احد وجوه المجتمع في بغداد، فأرسل اليه خادماً من خدمه اسمه اقبال، حرصاً منه على تفاؤله باسمه، فيستجيب للدعوة، ويخرج من داره، وعندما حضر الخادم الى منزل ابن الرومي، واخبره بالدعوة، استجاب لذلك، وهم بالركوب، ثم سأل الخادم عن اسمه، فقال: اقبال، فتمهل الشاعر قليلاً واخذ يفكر في الاسم «اقبال» ثم قال: اسم جميل في ظاهره سيء في معرفة كنهه، فاذا قلبناه اصبح «لابقا» لا حاجة لي في الركوب، فرجع الى داره واغلق عليه الباب. وشاعر هذه حاله في الهجاء والتطير لا بد ان يكون له اعداء، واعداؤه من اصحاب النفوذ، فعلاقة ابن الرومي بوزير الخليفة المعتضد القاسم بن عبيدالله بن وهب متوترة، ومع ذلك فابن الرومي يستجيب لدعوته خوفاً منه، فعندما دعاه الوزير قدم له طعاماً مسموماً، فأحس ابن الرومي بالالم وخرج من المجلس، فقال الوزير الى أين تذهب، فقال ابن الرومي: الى الموضع الذي بعثتني اليه، فقال له: سلم على والدي، فقال: ما طريقي على النار.
اما البحتري فيحظى بعلاقة جيدة مع الخليفة وعلية، المجتمع، من وزراء ووجهاء، وهو يختلف عن ابن الرومي، فهو يجيد المدح ولا يجيد الهجاء، ومدحه في الخليفة من افضل ما قيل في الخلفاء من الشعر، من ذلك قصيدته المشهورة في مدح الخليفة المتوكل التي منها:


فلو ان مشتاقاً تكلف فوق ما
في وسعه لسعى اليك المنبر

وله في المتوكل مدائح كثيرة ادَرَّت عليه الاموال الطائلة، مما هيأ له ان يعيش في رغد من العيش، وفي آخر عمره رجع الى منبج، وملك فيها الضياع، وعاش عيشة الاغنياء، وامتدت الثروة في ابنائه واحفاده. والبحتري شاعر يصنع الشعر في المدح وفي غير المدح، فله الامثال السائرة من مثل قوله:


عليَّ نَحْتُ القوافي من مقاطعها
وما عليَّ اذا لم تفهم البقرُ

والتصوير الدقيق، الذي يشترك فيه مع ابن الرومي، فسينية البحتري معرض للصور الجميلة اما صور ابن الرومي فهي مبثوثة في جل شعره.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved