Wednesday 10th April,200210786العددالاربعاء 27 ,محرم 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

رؤى وآفاق رؤى وآفاق
رسالة من لَقِيط بن يَعْْمُر إلى العرب
د. عبدالعزيز الفيصل

لقيط بن يعمر عربي جمع بين الثقافتين العربية والفارسية، وكان ملمَّاً بالسياسة العالمية في عصره، فسياسة العالم آنذاك مناطة بدولتين، هما الدولة الفارسية والدولة الرومية، وبما أن قبيلة إياد من أقوى القبائل العربية فإنها تشن حرباً على الفرس، والفرس دولة قوية وإياد قبيلة مهما بلغت قوتها فإنها تبقى في اطار قوة القبيلة، ولذلك فإن لقيط بن يعمر الايادي ينصح قومه بالاعتدال، إلا أن بعض فرسان القبيلة لا يستمعون إلى نصحه، فقد هاجم اولئك بعض ممتلكات كسرى وسبوا بعض نسائه وجواريه، فاستاء لقيط واستاء العقلاء من إياد، وكان يرأس المهاجمين رجلان من إياد ينتسبان إلى فرع الاحمر، وقد ظهر الاستياء في اشعار شعراء القبيلة، ومما قيل في تلك الحادثة:


الأحمران أهلكا إيادا
وحرما قومهما السَّوادا

وعلى أثر تلك الحادثة أخذ كسرى يتتبع قبيلة إياد في كل موضع، فهو يجهز الجيوش ويرسل الرسل، والقبيلة تنتقل من مكان إلى آخر لحماية نفسها من بطش كسرى، ولكنها مع ماهي فيه من وضع المدافع تدّعي القوة وتباهي بقوتها، فلا تكترث للخطر المحدق بها، فهي متفرقة في الجزيرة الفراتية، مما حدا بلقيط الى إرسال الرسائل إلى قومه، ينصحهم بالاجتماع وعدم التفرق، فالخطر سيعمهم، ولا يقتصر على الاحمرين، وكانت رسالته الاولى الى قومه:


سلامٌ في الصحيفةِ من لقيطٍ
الى مَن بالجزيرة من إياد

وبعد ارسال الرسالة الاولى لم تكترث القبيلة وتأخذ الامر بجد، فهي في حروب اعتادت عليها، ولكنَّ لقيطاً القريب من مصدر اتخاذ القرار يعرف اكثر مما يعرف أي فرد في قبيلة إياد، فالحملة يقصد بها استئصال القبيلة، بحيث لا يبقى لها قوة ولا اجماع على أمر ولا رأي في حرب، فهدف حملة كسرى تجزئة القبيلة، وتشريد المقاتلين، وانعدام مصادر الرزق للقبيلة، وبما أن لقيطاً يعرف ذلك حق المعرفة، فقد عزم على إرسال رسالة طويلة تشتمل على نصائح وافية، لعلَّ القوم ينتفعون بها فتنجيهم من حملة كسرى، التي لن تقف عند حدٍّ، وقد أودع نصائحه في قصيدة عينية افتتحها بقوله:


يا دار عَمْرَةَ من مُحْتَلِّها الجَرَعا
هاجت لي الهمَّ والاحزانَ والوَجَعَا

وقد وصف عمل قومه بالقائمين على أمر سفينة يوجهونها إلى الطين والوعث، فتنغرس فيها بينما الاعداء خلفهم يسنُّون حرابهم، وينظرون إليهم بعيون يطير منها الشر:


في كل يوم يسنُّون الحراب لكم
لا يهجعون إذا ما غافلٌ هجعا
خُزْراً عيونُهُم كأنَّ لحظهُمُ
حريقُ نارٍ ترى منه السَّنا قِطَعَا

ويتابع لقيط نصائحه في قصيدته الطويلة، ويستنهض همم قومه بدون يأس ولا ملل، فهو يرى ما لا يرون، فقد عركته الأيام ووقف على نكبات الأمم، وما تجرُّه الحروب من ويلات، ونزوح أقوام عن بلدانهم، فيصرخ صرخته الأخيرة في آخر قصيدته:


قوموا قياماً على أمشاط أرجلكم
ثم افزعوا، قد ينال الأمن من فَزِعا
هذا كتابي إليكم والنذيرُ لكم
فمن رأى رأيه منكم ومَنْ سمعا

وبما أن من عادة العرب منذ القديم عدم الاصغاء إلى النصح، فقد جزأت حملة كسرى إياداً وشردتهم، وقتلت الكثير منهم، أما البقية فقد هربوا من وجه كسرى واستقرُّوا في انقرة شمالاً من الجزيرة، ولذلك قال شاعرٌ منهم:


حََلُّوا بأنقرةٍ يسيل عليهِمُ
ماء الفرات يجيءُ من أطواد

واذا كانت رسالة لقيط بن يعمر موجهة إلى عرب إياد في آخر العصر الجاهلي، فإن مادتها لا تزال حية متجددة فكأنه يوجهها من جديد إلى عرب اليوم، الذين يجتمعون لتدارس أمورهم، وحماية أنفسهم، ومقدساتهم من كيد الاعداء الذين يملكون القوة والسلاح، اننا نطلب من العرب الاجتماع وعدم التفرق، ففي الاجتماع القوة وفي التفرق الضعف، فإجماعهم على أمر هو الذي سيوصلهم الى نتيجة مشرفة، واستمرار الخلاف سيفرقهم، وعاقبة الفرقة التشرذم. إن القمة فرصة العرب لدرء الأخطار المحدقة بهم. لقد وضعت المملكة ثقلها مع قضية العرب، القضية الفلسطينية، وهي بانتظار مؤازرتها في الوصول إلى نتائج تحقق للفلسطينيين الحياة الكريمة. لقد وضعت المملكة ثقلها بالأمس مع القضية اللبنانية، فأنقذت لبنان عن طريق اتفاق الطائف، فهل يجمع العرب على رؤية المملكة للمستقبل العربي؟ أرجو أن يكون ذلك.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved