Saturday 13th July,200210880العددالسبت 3 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

السكن والمسكن في العمارة العربية التقليدية (1) السكن والمسكن في العمارة العربية التقليدية (1)
د. وليد احمد السيد
معماري/جامعة لندن

  يعالج هذا المقال وما يلي ضمن سلسلة مقالات مقبلة فكرة المسكن والبيت العربي التقليدي. وتأتي هذه المقالات في محاولة لتتبع ابرز ملامح البيت العربي على طول ارجاء الوطن العربي الممتد من جهة، ولادراك خصائص البيئة الاجتماعية في الثقافة العربية الاسلامية من جهة اخرى. وذلك من اجل تتبع فرضية مفادها ان البيت العربي واحد من حيث عكسه للخصائص الاجتماعية ونظام الحياة اليومية للقاطنين على اختلاف الاقاليم الجغرافية ضمن الوطن العربي. وتنبع هذه الفرضية من ان النظام الاجتماعي المستمد من العادات والتقاليد الاجتماعية والاعراف التي مصدرها الدين كنظام تشريعي قد انعكس بالتالي على قوانين البيئة المبنية ونظمها من ناحية، كما اسهم في تشكيل البيئية المبنية وشكلها الفيزيائي الحسي من ناحية اخرى. وبذا فلأن الاسلام كدين قد انتشر وقنن الحياة الاجتماعية على طول امتداد العالم الاسلامي فإن البدهية بحسب ما يمكن التوصل اليه ضمن قوانين (حدس الاتصال) ان البيت العربي لا بد وأن يكون واحدا على امتداد العالم الاسلامي، وان التغيرات الشكلية التي نراها بين مدينة وأخرى على التكوين الفيزيائي الحسي للتوزيعات الفراغية للبيت انما هي طفيفة تعكسها عوامل (المحلية) فيما تطغى الصبغة (الاقليمية) على التكوين العضوي للبيت. فهل كان ذلك كذلك؟ الاجابة على هذا التساؤل ليست باليسيرة وتشكل موضوع المقالات الممتدة من هذا المقال الافتتاحي التي ستنظر بالدراسة والتحليل لنماذج من البيت العربي ضمن اقطار ومدن عديدة من الوطن العربي والاسلامي الممتد شرقا وغربا. حيث سيكون البيت العربي في دول الخليج العربي وبلاد الشام وشمال افريقيا والمغرب العربي بخاصة مدار البحث لهذه المقالات المقبلة.
وان فكرة دراسة البيت العربي التقليدي انما تتضمن البحث واستقصاء ابرز عواكس النظام الاجتماعي، حيث ان البيت هو نتاج واداة في نفس الوقت تعكس العادات والتقاليد التي تسود المجتمع ضمن فترة معينة من تاريخ حضارة ما. كما تسهم التكوينات الفراغية للبيت في تحديد حركة وسلوكيات القاطنين، وبكلمات اخرى فإن الطبيعة التكوينية للفراغات البيتية وطبيعة الاطلالة للخارج ومدى الاتصال بين الداخل والخارج وتحديد درجة الخصوصية تنعكس بشكل مباشر او غير مباشر على سلوكيات واخلاقيات وربما ايضا طبائع القاطنين. ولعله ليس من دليل حسي ملموس بين ايدينا في هذا المجال مما يقع في دراسات علم النفس الا ما نجده في الاثر ما مفاده ان من نعم الله تعالى على العبد الزوجة الحسنة والدابة او الركوب وسعة الدار (او كما ورد). وهكذا نجد ان البيت المريح نفسيا له مجموعة خصائص منها السعة مثلا، وهكذا، مما يدعم الفكرة بأن للبيت تأثيراً نفسياً على سلوكيات واخلاقيات القاطنين. بل ان التفاصيل اليومية في حركة اصحاب البيت خلال الفراغات المختلفة ومقدار الخصوصية والفصل بين الكبار والصغار، والقاطنين والزوار لها الاثر الكبير في هذه السلوكيات. وهو موضوع واسع بحد ذاته. ونظرا لاهمية ومركزية البيت في حياة الانسان وتأثيره على طباعه وانتاجيته كفرد ضمن المجتمع فقد ورد في القرآن الكريم اشارات ودلالات لهذه الاهمية والمركزية. وقرن ذكر البيت بالسكن والسكينة (والله جعل لكم من بيوتكم سكنا) حيث كان السكن والمسكن من السكينة ، كما ورد في ذكر الحياة الزوجية التي تتعلق بالبيت ايضا كلمة السكينة (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها....) وهكذا كان البيت جزءا حيويا من المنظومة الاجتماعية في الحياة الاسلامية، وتشكل الحياة الزوجية محورا آخر ضمن محتوى البيت نفسه، فالسكينة تتحقق مع وجود هذه العناصر المتلائمة معا. ولم يقتصر الاسلام على ذكر البيت كوصف فقط انما حدد العلاقات المختلفة ضمن البيت بما يكفل توفر الخصوصية وحصول الغاية من البيت وهو السكن. فقد حدد القرآن الكريم علاقات الافراد ضمن البيت من جهة،(لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) حيث يروى في الاثر ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه افاق من نومه ساعة القيلولة وقد انكشف من ثوبه شيء لدى دخول احد الاحداث عليه فقال لو نزل في القرآن شيء في ذلك، وهي واحدة من متوافقات عمر مع ما تنزل من القرآن الكريم. كما حدد القرآن الكريم ايضا العلاقة بين القاطنين والزوار من جهة اخرى (وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم). وهكذا تدل الآثار والادلة في الاسلام على اهمية البيت في حياة المسلم وكلبنة مهمة في المدينة العربية الاسلامية.
لعل ابرز العقبات التي تواجه الباحث لهذا النوع من المباني المعمارية هي (الخصوصية) التي تغلف وتحيط بالبيت والتي تمنع الباحث من الوقوف على نمط الحياة اليومية التي يعيشها قاطنو البيت. ولذلك نجد ان من مصادر المعلومات حول البيت هي وصف المستشرقين التي انحصرت في عكس مفهوم الخصوصية ودور المرأة في البيت وبالتالي المجتمع.ومن هنا فقد كانت الدراسات وبخاصة الاستشراقية منها سطحية من جهة، وتقع في المزالق او التحيزات الاهوائية في نقل صورة صادقة عن النمط الاجتماعي للبيت وبالتالي للمجتمع من جهة اخرى. ولذلك نجد ان اغلب الدراسات التي تصف البيت العربي تخلو من اعطاء صورة متكاملة بين اجزاء البيت (الاحيزة الفراغية المعمارية) وبين طبيعة النمط الاجتماعي السائد الذي يحياه افراد البيت. ولا بد هنا من الاشارة بأن بعض الدراسات انما نجحت في نقل صورة عما يدور في البيت من خلال وصف القسم العام من البيت الذي يسمح للضيوف بالحلول فيه، اما القسم الخاص وغالبا ما تدور به الانشطة العائلية فلم يحظ بوافر النصيب من الوصف فيما خلا ما كان يدور في القصور وبيوت كبار التجار وهذه لا تعكس نمطية مجتمعية انما فردية اقلية لطبقة مترفة من طبقات المجتمع. وكذلك نجد بعض الاوصاف العامة للبيت العربي التقليدي من خلال ما ورد في الروايات المختلفة وكتب الادب العربي، ورحلات الرحالة العرب وغيرها كالروايات الادبية.
وقد برزت مجموعة من الدراسات التي بحثت في البيت العربي التقليدي منها كتاب احسان فتحي (البيوت التقليدية في بغداد) او دراسات المستشرقين الانجليز او الفرنسيين لبيوت مدن شمال افريقيا او لبنان او منشورات الآغاخان التي بحثت في مدن مختلفة كاليمن والقاهرة ودول شرق آسيا الاسلامية. وهذه الدراسات بمجملها تعطي صورة عامة عن البيوت موضع الدراسة بيد انها قلما تجاوزالمرحلة الوصفية الى التحليلية المقارنية ، حيث تجمع معظم الدراسات على التركيز على دور المناخ في تشكيل عناصر ومفردات البيت وتحليل العناصر الرئيسة المكونة للبيت كالفناء وغيره، او دراسة عامل الخصوصية من حيث تقسيم البيت الى قسمين رئيسين: حرملك وسلاملك وهكذا. اما غاية المقالات التي تبدأ من هذا المقال الافتتاحي فهي الوقوف على اوجه الشبه والاختلاف بين البيت العربي على طول امتداد العالم الاسلامي الممتد، لدحض او تأكيد فكرة ان البيت العربي هو واحد رغم اختلاف الاقاليم الجغرافية؟ او ان هناك اكثر من (بيت عربي واحد) تتناثر اقليميا وربما (محليا)، وهو مشروعنا للمقالات المقبلة لا بشكل متتابع والله الموفق.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved