Saturday 3rd August,200210901العددالسبت 24 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

الجامعات ودور العلم في التاريخ الاسلامي: (1) الجامعات ودور العلم في التاريخ الاسلامي: (1)
الزيتونة والازهر معاهد علم انارت العصور الوسطى المظلمة
د. وليد احمد السيد / معماري - جامعة لندن

لم يكن بالغريب أن تصل الحضارة العربية الإسلامية إلى ما وصلت إليه من تقدم معرفي وعلمي في أوج عظمتها في العصور الوسطى، إذ كان الإسلام كدين هو المحرك والباعث لهذه الطفرة الحضارية التي لم تضاهها أي من الحضارات المعاصرة آنذاك.
وكانت (اقرأ) أول ما نزل من القرآن محفزة ورابطة بين العلم وبين الدين. ويعد المؤرخون المعاصرون أن الحضارة العربية الإسلامية هي الحلقة الأساسية للنهضة الأوروبية الحديثة، ذلك أن أوروبا بعد سقوط الدولة الرومانية الغربية في أواخر القرن الخامس الميلادي قد غطت لستة قرون كاملة في سبات علمي وحضاري عميق لم تستيقظ منه إلا مع مطلع القرن الحادي عشر لتجد نفسها غير قادرة على التخاطب مع لغة العلم القديم المنقول عن اليونان، فعمدت إلى تراث العرب والمسلمين الذين نقلوا أصلا هذا التراث العلمي من خلال الترجمة عن اليونان. حيث ترجم الأوروبيون تلك العلوم إلى اللاتينية لغة أوروبا العلمية آنذاك. ونلقي تاليا بالضوء على أبرز ملامح هذه النهضة الفكرية وكيف عبرت عن ذلك عمرانيا في الحضارة العربية الإسلامية؟.
لعل مما يشهد للحضارة الإسلامية ومن أبرز خصائصها أنها كانت حضارة دين ودنيا، ذلك أنها بينت سبل التقدم للأمة بالحض على العلم، كما هذبت الأخلاق والنفوس وكفلت بذلك للأمة أن تتفيأ ظلال بيئة أبسط ما يمكن وصفها أنها كانت ميسرة وآمنة، وأهم من ذلك كله أن هذه البيئة لم تكن غاية إنما كانت وسيلة للعيش بخلاف المنظور في الحضارات الأخرى التي عدت البيئة غاية ومطلبا نهائيا. ولذلك فقد مثلت المنشآت العمرانية بعض التعبير الحسي للمحتوى الحضاري والاجتماعي والفكري الذي ساد في أية فترة من الفترات التي سادت فيها الحضارة الإسلامية على مدى قرون معينة، ومن هنا فإن تتبع أية فترة تاريخية إنما يمكن من خلال دراسة بعض أوجه التعبير العمراني للبيئة المبنية. وتمتاز لذلك الحضارة الإسلامية بجملة من المميزات أبرزها أنها حضارة شاملة متراكبة، إذ أنها لم تغفل عينا عما سبقها من الحضارات الاخرى التي كانت متقدمة في وقتها، ولذلك فلم تنسخها انما استفادت من العلوم القديمة وأعادت صياغة ما يلائم عقيدتها منها بأسلوب يتناسب مع مكانها وزمانها. وهذا بالضبط ما يتضمنه مفهوم الأصالة والمعاصرة والذي تعاني منه مختلف مناحي الحضارة العربية اليوم، بيد أن الفارق هنا هو أن الحضارة الإسلامية سابقا كانت اليد العليا التي تملي ما تأخذ وما ترد، فيما ليس هذا هو الحال اليوم مع العمارة والحضارة العربية .
وكنتيجة لهذا المنهج الرائد في الحض على العلم ودمج العلم والدين معا، فقد تفجرت طاقات العرب المسلمين في أوج مدنية وعظمة الحضارة وتبلور عن ذلك طفرة علمية وعمرانية لم يشهد العالم القديم في العصور الوسطى لها مثيلا. ونتجت عن ذلك مؤسسات عمرانية كانت تعنى بشؤون العلم، وهذه تم التعبير عنها من خلال الدور والقصور والمساجد والمدارس والجامعات حيث كانت تجري حلقات الدرس، و ساعد في ذلك تشجيع الأمراء والخلفاء والسلاطين، وهي من أهم العوامل التي ساعدت على هذه الطفرة المتسارعة. وفي هذا الإطار برزت مجموعة من المؤسسات والجامعات التي أنارت للعالم القديم ظلمات الجهل والبيئة المبنية وما تزال منارات مضيئة إلى اليوم في تاريخ العرب والمسلمين . ومن هذه الجامعات ومعاهد الدرس المساجد على كافة نشأتها في التاريخ الإسلامي كون المسجد كان أول منار علم للدراسة واقامة الحلقات العلمية ومن أقدمها المسجد الحرام بمكة والمسجد النبوي بالمدينة حيث تعلم المسلمون أصول دينهم وهذبت أخلاقهم ونفوسهم، كما توسعت حلقات الدرس المختلفة لتدريس الفقه في العصور العباسية الأولى والثانية. ويروي التاريخ الرحلات في طلب العلم الشرعي التي كانت تشد الرحال إلى المسجدين الشريفين للتلمذة على مالك بن أنس. وكذلك في العهود الإسلامية المختلفة برز دور المسجد كجامعة علمية، وكان المسجد الاقصى ببيت المقدس وفي ساحاته وأفنيته تقام دروس العلم الشرعية وعلوم اللغة العربية وغيرها مثل الجامع الأموي بدمشق وجامع الكوفة ببغداد وجامع المنصور ببغداد المدورة عاصمة المنصور. وامتد دور المسجد إلى أبعد من الجزيرة العربية وبلاد الشام مع توسع الفتوحات الإسلامية لتشمل مصر وشمال أفريقيا والأندلس، فقد أسس عمرو بن العاص الجامع الذي يحمل اسمه في مدينة الفسطاط، ويشير المقريزي إلى حلقات العلم والدرس التي شهدها هذا المسجد. أما جامعة الأزهر بالقاهرة فلا تزال إلى اليوم منارة علم وكواحدة من أقدم الجامعات الإسلامية المعروفة التي توافد إليها طلاب العلم من أصقاع العالم الإسلامي القديم والمعاصر. وهناك جامع القيروان الذي بناه عقبة بن نافع وهو من أكبر المساجد الجامعة والذي يعد من أوائل المساجد الجامعة على مناطق الثغور التي أدت اكثر من وظيفة واحدة منها تعليمية تثقيفية ومنها حياتية ايوائية كونها على مدن رباط، واستمر المسجد يقوم بوظائفة الرئيسة إلى أن انتقل التعليم الرسمي إلى جامعة الزيتونة في العام 555 هـ بتونس. وجامع الزيتونة بتونس هو من اهم مساجد المغرب والجامعات الإسلامية قاطبة وشهرته كجامعة علمية قديمة ما تزال تدرس فيها علوم اللغة والتاريخ الاسلامي والفقه وغيرها. وكذلك مسجد القرويين بالمغرب وهو من أقدم الجامعات الإسلامية المعروفة أيضا ويقارن بالأزهر بالقاهرة وله أثر بالغ في مساجد فاس كلها إذ يشكل نظامه الفريد طابعا انتشر في كثير من مساجد فاس ومكناس ومراكش إلى اليوم.
ولعل أبرز ما يميز تلك الجامعة العريقة هو النظام الذي عملت به منذ منتصف القرن السابع الهجري وبذا كان لها السبق عن أوروبا بمئات السنين وهو نظام الكراسي العلمية، أي كرسي لمادة الفقه وآخر للغة وغيره للتفسير وهكذا.
وشهد هذا المسجد المناظرات والحلقات العلمية التي قادت الحضارة لتقود العالم القديم الذي كان يغط في سبات عميق آنذاك وحيث كانت أوروبا تتخبط في ظلمات الجهل.
وأما جامع قرطبة الذي شيده عبد الرحمن الداخل ببلاد الأندلس فقد اشتهر منذ انشائه بتفوق العلم والثقافة، وكان يضرب المثل بأهالي قرطبة في اقتناء الكتب والاقبال على العلوم والتعلم.
هذه بعض أبرز المعاهد العلمية والجامعات الإسلامية التي تمخضت عنها الحضارة العربية الإسلامية بدرورها الريادي في قيادة العلم والأمم آنذاك.
وإلى جانب دور هذه المساجد والجامعات الإسلامية في العلم إبان العصور الوسطى المظلمة ثقافيا، فإن عمارة وعمران هذه المساجد والجامعات لما يعكس ما وصلت إليه الحضارة العربية من تقدم في مختلف العلوم ومنها علوم العمران، وخلفت بذلك مآثر تجمع ما بين جمال وروعة البنيان وأصالة ورسوخ العلم والمعرفة كأقدم الجامعات العلمية العالمية المعروفة في الوقت الذي كانت أوروبا تعيش في ركود حضاري تام. إذ تميزت العمارة المسجدية وعمارة المساجد الجامعة وبرزت أنظمة الاواوين المحيطة بالصحن الداخلي للمسجد أو للمدرسة حيث كانت تدرس مذاهب الفقه المختلفة، كذلك شهدت العمائر للمدارس والمساجد التي كانت تشكل مجموعة متكاملة بها سكن للطلاب يعتكفون فيه للعلم وبخاصة للقادمين من مناطق بعيدة. وشكلت عمارة المساجد والمدارس تكاملية ثنائية إذ اشتهرت المجموعات المعمارية التي تحوي اكثر من مبنى ذي وظيفية واحدة وبخاصة في العمارة التقليدية في مصر وشمال افريقيا وكانت غالبا ما تضم مسجدا ومدرسة واحيانا مستشفى ونزلاً للطلبة ومن الخارج يطل سبيل ماء لعابري السبيل ومقعد يشرف على الطريق حيث منابر العلم. وهكذا جسدت البيئة عمرانياً اوجه النشاط العلمي المختلفة التي سادت في الحضارة، وكان العلم ديدناً ورائداً وسبيلاً للتقدم والرقي وقيادة الامم.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved