Saturday 17th August,200210915العددالسبت 8 ,جمادى الثانية 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

الجامعات والتصميم المعماري في العمارة العربية المعاصرة(ب) الجامعات والتصميم المعماري في العمارة العربية المعاصرة(ب)
د. وليد احمد السيد
معماري/جامعة لندن

  يحتل التعليم في الثقافة العربية الإسلامية بعامة أهمية خاصة لارتباطه بالعقيدة التي تحض وتدفع على العلم كونه جزءاً تعبدياً ان قصد به وجه خير، ومن جهة أخرى يحتل العلم والتعليم تلك المكانة لما له من شأن في رفعة الفرد والأمة.
أما التعليم العالي فيعتلي أهمية خاصة مع توسع العلوم والمعارف بين الشعوب والامم المختلفة وعلى مدى التاريخ الانساني، مما تطلب ظهور التخصصات الدقيقة في كافة المجالات العلمية حيث تصعب بل وتستحيل الاحاطة بأكثر من جانب معين منحصر في أحد العلوم التي تتمدد بسرعة ملحوظة، وحيث تحفل المكتبات ومعاهد العلم بالكتب التي لا حصر لها في كل المجالات والعلوم الإنسانية.
ونتيجة لزيادة الاقبال على التعليم العالي من قبل الطلبة العرب سواء أكانت داخل الوطن العربي أم خارجه، فقد نجم عن ذلك العديد من المتغيرات الاجتماعية كارتفاع سن الارتباط، والمهنية كظهور الوظائف المتخصصة، وتغيرات علمية حيث تبلور التعليم المتخصص في المجالات الدقيقة، وفيزيائية بيئية عمرانية إذ تطلب ذلك التفكير بأنماط جامعية مؤسسية تعكس متطلبات العصر وتلبي احتياجات البرامج التدريسية وأساليب التعليم الحديثة.
ومن هنا فقد ارتبط بالاقبال على التعليم العالي بالوطن العربي ظاهرتين متلازمتين: الأولى هي تغير ملحوظ في البيئة والبنية التحتية للمجتمع الأكاديمي منهجا وناتجا.
والثانية ظاهرة تقديم مفاهيم جديدة في التعليم الجامعي مما انعكس على الجامعات ومفهومها في التصميم المعماري المعاصر.
وفيما يلي نلقي الضوء على هاتين الظاهرتين.
فمن ناحية مجتمعية أكاديمية فمع تنامي تيار الطلبة العرب الساعين للحصول على دراسات عليا متخصصة في مجالات مختلفة، كان لا بد من ان يواكب هذه الطفرة (الأكاديمية) تغيرات بنيوية على مستوى التفكير والتخطيط الأكاديمي من جهة، وعلى مستوى الاستيعاب البنائي للخريجين من جهة ثانية.
أما من ناحية التخطيط الأكاديمي، ونظرا لافتقار معظم مدن العالم العربي مع أواخر القرن الماضي للجامعات التي توفر التعليم العالي ومؤهلاته الدقيقة، فقد ادى ذلك إما إلى البعثات الدراسية للخارج أو إلى استقدام الجامعات الأوروبية وأنظمتها كما الحال في الجامعتين الامريكيتين في القاهرة وبيروت.
وفي نفس الاطار كانت البيئة المبنية العربية تبحث وتتلمس الطريق لمفهوم العمارة الجامعية من خلال بعض المحاولات المتناثرة هنا وهناك كمشروع جامعة الكوفة ببغداد أو جامعة ام القرى بمكة المكرمة وغيرها، وتوفرت مع ذلك مؤسسات جامعية تعتمد أنظمة أكاديمية لا تواكب التسارع العالمي في البحث والتدريس العالي، وهذه الجامعات توفرت في العواصم العربية الرئيسة كالقاهرة، أو بغداد، أو الرياض، أو الكويت، أو الرباط وعمان وغيرها. ونظرا لتزايد الاعداد من الطلبة الخريجين من المراحل دون مرحلة التعليم الجامعي، فقد كان لا بد من توفر: اولا الجامعات التي تواكب هذه الزيادة المطردة، وثانيا الطاقم الأكاديمي الذي يواكب انظمة التدريس الحديثة المتنامية في دول العالم الصناعي المتقدمة.
تلك الظاهرة أدت لظهور طبقة من الخريجين العائدين من دور ومعاهد العلم الغربية مع مطلع الثمانينيات الذين شكلوا الناتج لهذه الظاهرة والمكون للنظام الأكاديمي العربي في نفس الوقت.
وبخلاف النظام الفرنسي المتمثل بجامعة السوربون، وبعض الجامعات المتناثرة في أوروبا الشرقية كرومانيا وبلغاريا وغيرها أو روسيا، أو بعض الجامعات العربية كالقاهرة ودمشق وبيروت، فقد سيطر على الوسط الأكاديمي مدرستان استقطبتا أنظار الجيل العربي من طلاب التعليم العالي وهما المدرسة أو النظام التعليمي الامريكي، والمدرسة البريطانية، وشكلت هاتان المدرستان الغربيتان ابرز الاقطاب الفاعلة في التفكير العلمي والمنهجي الأكاديمي أيضا نظرا لسيطرة اللغة وغزارة المؤلفات التي تنتمي لهما وبالرغم من مشاطرة هاتين المدرستين لزعامة الفكر والمنهج الأكاديمي العالمي، إلا ان ثمة اختلافا منهجيا أساسيا يبرز بين المدرستين، إذ تعتمد الامريكية نظام المواد المقررة في السنوات التأسيسية في مرحلة التعليم ما بعد درجة الماجستير، فيما تعتمد البريطانية على الرغم من عراقة تاريخها نظام البحث العلمي المعتمد على البحث وعلاقة الاشراف والمتابعة بين الطالب والاستاذ التي تتذبذب بين مد وجزر تبعا لطبيعة الموضوع ومدى ادراك المشرف له، إضافة إلى عوامل أخرى متعددة منها ما هو مادي اقتصادي محض.
وفي خضم هذه الطفرة (التخريجية) من مختلف انحاء العالم وبخاصة من اوروبا الشرقية التي سجلت اعلى نسبة خريجين في العالم العربي وبخاصة قطاع الهندسة المعمارية مع مطلع الثمانينيات، فقد نتجت فئة من المعماريين الذين عكسوا النظم والمناهج التي تلقوها في البلدان التي تخرجوا منها. ونجم عن ذلك نظامان اساسيان في التعليم والتصميم الجامعي عكسا طبيعة العلاقة بين الأكاديمي والمهني من جهة، وبين المجتمع وبين كليهما من جهة ثانية. فالنظام الاول ويمكن ان نسميه النظام المغلق، وهذا النظام يكرس العلاقة الجامدة بين الأكاديمي وبين المهني والمجتمع، فالأكاديمي في هذه الحالة غالبا ما يكون مفتقرا للخبرة المهنية التصميمية، ولا يلم بما يدور في الوسط المهني اذ التحق بالتعليم العالي مباشرة بعد اتمام الشهادة الأولى وعاد ليلتحق بسلك التدريس وتعوزه الدراية والموهبة التقنية لتدريب الطلبة ومواكبة الانظمة والمهارات الحديثة أو التقليدية على حد سواء، ليس ذلك فحسب إنما الحال في معظم الاحيان ان معظم الامثلة من هذا النظام تتقوقع في التدريس على حساب المساهمة حتى في التأليف والبحث العلمي، وعلى الرغم من بعض المحاولات الجادة لتقوية العلاقة بين الجامعات والمجتمع إما من خلال دعوة المهنيين المتميزين للمحاضرات والندوات أو لتحكيم مشاريع الطلبة، أو العكس بدعوة الأساتذة الأكاديميين لتحكيم المشاريع والمسابقات المختلفة، الا ان كلتا المحاولتين اثبتتا الهوة العميقة بين النظرية (الأكاديميين) والتطبيق (المهنيين)، ففي الحالة الأولى يجد الطلبة انفسهم امام خبرة تصميمية جادة تومض امامهم ومضات لا تكفي لسد رمق أو ربما توقعهم في الحيرة بين الفكر النظري (البعيد عن الواقع والمفتقر للخبرة والذي عاشوه فترة دراستهم)، أو بين الفكر التطبيقي (الذي يطل عليهم موسميا).
أما في الحالة الثانية فإن دعوة الأكاديميين لتحكيم المسابقات المعمارية قد فضحت حقيقة الهوة بين الدراسة النظرية والتفكير العملي، وانتجت في غالب الاحيان - كنتيجة لتحكيم المسابقات المعمارية من قبل الأكاديميين - مشاريع غير مؤهلة على حساب الفكر المعماري الرائد، عدا الاحباطات والخسائر المادية لرواد المعماريين الذين تم اسقاط مشاريعهم نتيجة هذا (الجهل الأكاديمي).
ويعكس هذا النظام الاول حسيا انماط الجامعات التي تتميز بحرمها الجامعي المغلق، أو المدينة الجامعية، وامثلة هذه الجامعات هي معظم الجامعات العربية المعاصرة. ومؤخرا برز نموذج متميز متمثل في محاولة الكفراوي الرائدة لتقديم مفهوم الجامعة المعاصرة في جامعة قطر، (انظر الصور)، وكذلك محاولة بدران وعبد الحليم ابراهيم في جامعة كوالالمبور بماليزيا.
أما النظام الآخر ويمكن ان نسميه النظام المفتوح، فهو اسم على مسمى ويوضح العلاقة اللصيقة بين الأكاديمي الذي جمع بين الخبرة العملية في فترة مهمة من حياته الأكاديمية أو العملية، وترك بصمات واضحة على البيئة العمرانية قبل ان يلتحق باحد النظم الأكاديمية العالمية لاتمام دراسته العليا، وبعد عودته انخرط في كلا السلكين الأكاديمي والمهني التطبيقي بشكل فاعل ومؤثر ايجابيا، وافراد هذا النظام قلائل ويكادون يعدون على اصابع اليد في العالم العربي. وغالبا ما يعكس افراد هذا النظام نمط الجامعات التي تخرجوا منها التي تتميز حسيا بأنها جزء من المدينة لا منعزلة عنها، كمعظم جامعات بريطانيا ومنها جامعة لندن مثلا، إذ تغاير مفهوم المدينة الجامعية المسورة، وكذلك حيث ينخرط الأساتذة في مشاريع تصميمية في المجتمع الذي يعيشون فيه، وبذلك تصبح الجامعة ومعاهد البحث العلمي هي بمثابة المختبرات النظرية التي تقعد (بتشديد العين) القواعد وتؤسس الأسس التي ينطلق منها التطبيقيون في ممارستهم المهنية العملية، ولذا نجد ان أغلب الدراسات الموسوعية أو النظرية تنبثق من أنصار هذا النظام الأكاديمي، فمعظم المؤلفات والكتب العالمية تتمحور حول اساتذة وباحثي هذه الجامعات (المفتوحة) بالمفهوم الواسع للكلمة، وعسى ان ترتقي جامعاتنا العربية لتنهض بالفكر العلمي وتقلل هذه الفجوة بين النظرية وبين التطبيق في الفكر العلمي وفي الفكر المعماري بشكل خاص.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved