Saturday 19th October,200210978العددالسبت 13 ,شعبان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

النظام الفلكي والعمارة (1) النظام الفلكي والعمارة (1)
الأهرامات في العمارة المصرية القديمة
د.وليد أحمدالسيد *

ترتبط العمارة بتعريفها كعلم وكفن بمجموعة من العلوم النظرية والفنون التطبيقية ارتباطا وثيقا، فالهندسة المستوية وقوانين الفيزياء هي من ابسط مكوناتها كعلم، سواء بسواء كما الرسم اليدوي والفن التشكيلي وقواعد الظل والمنظور، ومن هنا فقد كانت العمارة على مر العصور انعكاسا مباشرا لاوجه التقدم في هذه المجالات في مختلف الحضارات التي عرفتها البشرية، اذ عكست العمارة الرومانية او الكلاسيكية نماذج ومآثر عمرانية اتسمت الى جانب الوظائف التي احتوتها بالاناقة والهندسة الرفيعة التي ظلت مدار الابحاث والدراسات حتى اليوم، ولاغرو ان كانت عجائب العالم السبع القديمة من روائع العمارة، فالاهرامات اوالحدائق المعلقة او منارة الاسكندرية او برج بيزا المائل او تاج محل هي جميعا نماذج معمارية انتجتها مختلف الحضارات البشرية والتي باهت الشعوب الاخرى من خلالها، ونحن في دراستنا لهذه العمائر نلتفت الى هذا الوجه العلمي والفني للعمارة، ولكن يبدو ان هناك اسرارا اخرى احتوتها هذه العمائر القديمة تحتاج الى البحث بعمق اكثر، اذ يبدو ان اسلافنا القدماء كانوا اكثر دراية بشمولية الكون اكثر مما نظن، بل ان بعض الدراسات الحديثة قد بدأت تكشف النقاب عن علاقات هذه العمائر هندسيا بأسس فلكية تتعلق بالنجوم والاجرام السماوية ومداراتها، فما هي الحكاية؟
تبدأ القصة مع الفراعنة المصريين القدماء، ومعلوم ان العمارة المصرية القديمة لم ترتبط فقط بالنواحي الدنيوية فقط، انما تجاوزتها لتمهد للحياة ما بعد الموت والتي كان الفراعنة يعتقدون بها، ولذا فقد كان لكهنة الفراعنة سيطرة وحظوة استخدموا العمارة لتقوي سلطتهم هذه، فمثلا اشادوا المعابد الضخمة كمعبد الكرنك وغيره بمقاييس هائلة بحيث تشعر عامة الناس بالضآلة والرهبة امام هذه المباني الدينية التي نقشوا على جدرانها قصصهم ومعتقداتهم الدينية، وبذلك كانت هذه المباني جسرا تاريخيا مدهم زمنيا الى ما بعد حضارتهم التي كان لها ان تنتهي يوما، وقد برع الفراعنة -فيما برعوا فيه- بامور السحر والكهانة وعلوم الفلك، وبمعتقداتهم كانت الشمس والاجرام السماوية ذات مكانة وكانت طقوسهم الدينية محسوبة فلكيا بحركات الشمس والقمر، اذ كانت الرحلة النيلية لنقل الموتى بعد تحنيطهم الى داخل الهرم تتم بدلالات الحركات القمرية، وقد ظل علماء الآثار وبالذات علماء المصريين يحاولون جاهدين سبر أغوار النقوش والرسومات المكتوبة بالهيروغليفية الى ان تم فك حجر رشيد ايام الحملة النابليونية مما فتح الباب على مصراعيه لقراءة الوثائق التاريخية المهمة التي تحفل بها المعابد والمدافن الفرعونية، واقتصر الامر على هذه المحاولات لتسجيل التاريخ الفرعوني من خلال هذه الوثائق، ولم يلتفت احد الى ابعد من ذلك، ولكن بدأ العلماء لاحقا يلتفتون الى بعض الظواهر المحيرة هندسيا، اذ حاول بعض علماء الآثار تفسير الاسباب التي دعت الفراعنة لاختيار مواقع الاهرامات الثلاثة وعلاقاتها ببعضها البعض وبعلاقتها مثلا بتمثال ابي الهول الذي يقبع صامتا على مبعدة منها، وبالتفكير المنطقي فلا بد من وجود اسباب قوية لاختيار هذه المواقع لاشادة هذه العجائب المعمارية وبخاصة بالنظر الى حجم الاهرامات ودقة هندستها لدرجة ان بعض النظريات الحديثة قد ذهبت شططا للاعتقاد بأن الجن او مخلوقات من الفضاء الخارجي قد قدموا خصيصا و هم الذين بنوا هذه الاهرامات.
وكان اللغز الذي حير العلماء طويلا هو حقيقة ان مركزي الهرمين الاول والثاني يقعان على خط مستقيم واحد تماما مائة بالمائة، اما مركز الهرم الثالث الاصغر فيميل عن هذا الخط المستقيم بزاوية مقدارها 45 درجة تماما، وقد ذهبت محاولات التفسير بأنه ولا بد من وجود مشكلة جيولوجية متعلقة بالموقع كوجود تربة هشة يصعب اقامة الهرم الثالث في ذلك المكان الذي يمتد به الخط المستقيم، ولكن الدراسات الجيولوجية وكما اثبتتها عالمة آثار من جامعة كامبردج ببريطانيا اكدت خطأ هذا الاعتقاد، وظل الامر محيرا والغموض يلف الموضوع والصمت يلف الاهرامات التي تقبع بسكون بمنطقة الجيزة متحدية ذكاء العلماء وعبقريتهم، وفجأة، اطلق عالم امريكي نظرية فكرية مذهلة في اوائل التسعينيات دوت في اوساط علماء الاثريات والمصريات بالذات محدثة دويا هائلا، اذ ادعى في مقال له بأن المواقع الثلاث للاهرامات محسوبة فلكيا بدلالة ثلاثة نجوم تقع في منطقة وسط درب التبانة، والتي تشكل ما يشبه الحزام والذي يعرف لعلماء الفلك باسم OrionBelt، وارتفعت اصوات العلماء بين مصدق ومكذب وتعالت الهمسات واللغط وساد هرج ومرج بين مجتمع العلماء، وزاد من مصداقية هذه النظرية ان المسافات بين النجوم الثلاثة وكذلك الزوايا بينها هي مطابقة مليون بالمائة لتلك بين الاهرامات الثلاثة، حيث يقع نجمان منهما على خط مستقيم فيما يميل النجم الثالث بزاوية مقدارها 45 درجة عن هذا الخط المستقيم، ولكن كانت هناك مشكلة واحدة لم تستطع النظرية تقديم تفسير لها، وهي ان الشمال والجنوب للخط الذي تقع عليه النجوم الثلاثة هو العكس تماما للخط الذي تقع عليه الاهرامات الثلاثة، بمعنى ان الشمال بالخط الذي بالسماء هو الجنوب بالخط الوهمي الذي يربط الاهرامات الثلاث ببعضها، فما هو تفسير هذا اللغز؟ وكيف يمكن للكهنة المصريين ان يرتكبوا مثل هذا الخطأ الفادح على افتراض انهم كانوا يبنون المواقع بناء على مواقع النجوم الثلاثة التي في السماء بحسب زعم هذه النظرية؟ وكان لا بد للعلم الحديث ان يعتكف في خدره ردحا آخر من الزمان لتفسير هذا اللغز العجيب ورد الاصوات المكذبة لهذه النظرية بتقديم تفسير متكامل.
وبدراسة الظواهر المختلفة والتمعن في الصور الفلكية للنجوم الثلاثة طويلا، ومضت في ذهن احد العلماء فكرة عبقرية ازاحت الستار عن غموض اللغز، اذ ولابد ان الكهنة المصريين قد اسقطوا النجوم الثلاثة بمواقعها كما رأوها في السماء بمعنى ان الواقف ناظرا الى السماء في ليلة قمرية صافية، يكون الشمال في السماء هو الجنوب على الارض اذا اسقط المواقع هندسيا على الارض بالضبط، وبتقديم هذا التفسير انطلقت الدراسات محمومة في تقديم التفاسير للعشرات من الاهرامات الصغيرة التي تتناثر على جوانب نهر النيل الممتدة من الشمال الى الجنوب لمحاولة الربط بينها وبين الحركات النجمية بالسماء، وليس ذلك فحسب، بل تمت دراسات مشابهة لمعابد ومباني دينية بكمبوديا وامريكا الجنوبية لمعرفة الروابط بينها وبين مواقع النجوم، ووصلت بعض الدراسات لنتائج مطابقة لنتيجة هذه النظرية بدلالة مواقع نجوم في السماء!!!
وفي الحقيقة، فأن الدراسات في الوثائق والمخطوطات القديمة تكشف ان العرب المسلمين قد برعوا في مجالات علم الفلك، وكان ابن عربي ممن تشكل كتاباتهم ومؤلفاتهم مدار الدراسات الغربية الحديثة في استقراء مدى تمرس المسلمين في علم الفلك وتأثير ذلك على فن المعمار، فهل هناك من ربط بين الفلك وبين العمارة في الفترة الاسلامية؟ وهل هناك من تأثير لهذه المفاهيم الفلكية على العمارة العربية المعاصرة؟ نجيب على هذين التساؤلين في مقالين قريبين كل على حدة بعون الله تعالى.

* دكتوراه نظرية عمارة/جامعة لندن

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved