Saturday 23rd November,200211013العددالسبت 18 ,رمضان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

الأسس الهندسية والعلاقات الرياضية في العمارة والفن في الفترة الإسلامية (1) الأسس الهندسية والعلاقات الرياضية في العمارة والفن في الفترة الإسلامية (1)
د. وليد احمد السيد
معماري/جامعة لندن

  هناك ما يسمى بالعلاقات الهندسية في العمارة العربية الاسلامية؟ سؤال قد يبدو بريئاً ومباشراً وتبدو الإجابة عليه مباشرة. وقبل ان ندخل في معرض تقديم الإجابة، نود ان نعرج على تحليل السؤال ذاته أولا، اذ يطرح السؤال فكرتين نود البحث فيهما أولا.
الفكرة الأولى فهي ضرورة التمييز بين ما يسمى العلاقات الهندسية وبين العلاقات الرياضية، أما الفكرة الثانية فهي ان السؤال يعالج الجانب الفيزيائي الحسي للعمارة العربية الاسلامية، بمعنى ان موضوع البحث هو المورفولوجيا التكوينية الحسية وليس الدوافع أو العوامل الأخرى التي يمكن ان نسميها مجازا «غير الحسية» مثل الاجتماعية أو الاقتصادية أوالسياسية، أو الثقافية ...الخ.. وباستعراض الفكرتين يبرز تساؤل مهم: هل من وجود خيط يربط طرفي النقيض في كلتا الفكرتين؟ وبكلمات أخرى هل هناك من رابط بين العلاقات الرياضية والهندسية، وبالمثل هل هناك من رابط بين العوامل الحسية المورفولوجية وبين العوامل الأخرى غير الحسية؟ وقبل ان يتسلل الملل لبعض القراء الأعزاء الذين قد يعمدون لطرح المقال جانبا، وحيث قد يبرز أحدهم سائلا: وما لنا ولهذا الموضوع أصلا، وما هي أهمية البحث فيه؟ نجيب ذلك القارئ الكريم بدعوة للتروي اذ ان الموضوع أعمق وأهم مما قد يبدو للوهلة الأولى اذ هو متعلق بناموس من نواميس الطبيعة التي نجتهد نحن البشر في دراستها من خلال عمائرنا، وهو مرتبط طبيعيا ًبمعايير الجمال لدينا ومبني بداخل أحاسيسنا وإدراكاتنا.
ولتبسيط الأفكار المطروحة، لنبدأ بتحليل الأفكار السابقة لعواملها الأولية واستعراضها منفردة، ونبدأ مع الفكرة الأولى ومفهوم العلاقات الرياضية والهندسية وفكرة النسبة الذهبية، فما هي هذه النسبة وما علاقتها بالعمارة أو الفن؟ .
تبدأ القصة مع الرياضي اليوناني فيثاغورس حيث أجرى الدراسات والأبحاث في علوم الطبيعة لدراسة معايير الجمال وعلاقات النسب في الطبيعة، وتوصل إلى ما يعرف في الهندسة الحديثة بالمستطيل الذهبي أو النسبة الذهبية Golden Ratio، وهي نسبة تبلغ 61803398875 ،1 وتسمى Phi اشتقاقًا من الحرف اليوناني . والمستطيل الذهبي الذي ينتج النسبة الذهبية هو عبارة عن مستطيل مكون من مربع ومستطيل آخر صغير. ولكن المستطيل الصغير والكبير متماثلان، بمعنى ان النسبة بين أضلاعهما متشابهة، وبكلمات أخرى ان ناتج قسمة الضلع الكبير للمستطيل الصغير على ضلعه الآخر تساوي تماما ناتج القسمة للضلع الكبير للمستطيل الكبير على ضلعه الآخر.
وقد وجد فيثاغورس واليونان القدماء ان هذه النسبة مريحة بصرياً وتشكل أحد أهم معايير الجمال في الطبيعة، ولذا فقد اعتمدوا هذا المستطيل الذهبي في عمائرهم، حيث أظهرت الدراسات المعمارية الحديثة ان مبنى البارثنون الشهير بتخطيطه المستطيل يخضع لهذه النسبة تماما.
كذلك أظهرت الدراسات الحديثة التي أجراها العالم روبنسون ان الهرم الأكبر الذي بناه الفراعنة بالجيزة يخضع لقوانين النسبة الذهبية، حيث ان النسبة بين المسافة من قمة الهرم إلى منتصف أحد أضلاع وجه الهرم، وبين المسافة من نفس النقطة حتى مركز قاعدة الهرم مربعة تساوي النسبة الذهبية.
وليس هذا فحسب فإليك المزيد أخي القارئ العزيز، فقد تبين ان النسبة الذهبية كامنة في الطبيعة بشكل مذهل بما يصعب تصديقه، فمجموعة الأعداد الرياضية المتتابعة والتي مجموع الأخيرين منها يعطي قيمة اللاحق تكافئ النسبة الذهبية، وهي الأعداد المعروفة بمجموعة 1 Fibonacci ( 1، 2، 3، 5، 8 ، 13. ...).
وكذلك وجد ان الخيال الذي يركب الحصان تكافئ ابعاد الارتفاع للاثنين مع طول الحصان النسبة الذهبية. وتخضع أوراق الأشجار للنسبةالذهبية، وكذلك تخضع أصداف البحر الحلزونية الشكل للنسبة الذهبية. وكنتيجة فالاوراق التي نكتب عليها ونستعملها للطباعة تم تطويع نسبها للنسبة الذهبية.
وفي برنامج وثائقي عرضه تليفزيون BBC، وجدت الدراسات في نسب الوجوه البشرية ان الوجوه التي يكون نسبة فتحة الفم لارتفاع الأنف مطابقة للنسبة الذهبية هي وجوه جميلة باجماع الأغلبية عدا عن فكرة تماثل نصفي الوجه الأيمن والأيسر، والتي وجد ان لها علاقة بسرعة العدائين الرياضيين لأزمان تقترب من أجزاء الثانية.
وبكلمات مختصرة، تدل الدراسات ان هذه النسبة كامنة في الطبيعة كإحدى نواميس الخلق. وهنا تكمن الإجابة على تساؤلنا في وجود الخط الذي يربط العلاقات الهندسية والرياضية، اذ يبدو انهما متكاملان ومترابطان طبيعيا. فللحصول على الشكل المستطيل ذي النسب التي تخضع لمعايير الجمال لا بد من وجود علاقات رياضية من نوع ما لتعريف أبعاده، وهي كانت النسبة الذهبية أو المستطيل الذهبي.
ويبرز التساؤل الآخر حول مدى وجود هذه العلاقات الهندسية الناتجة من علاقات رياضية في العمارة والفن في الفترات الاسلامية، وفي الحقيقة لا يدعي هذا المقال تقديم الاجابة الكاملة انما سنجتهد في تقديم نقاط ومقدمات للبحث، مع ذكر أهم الدراسات التي حاولت في هذا الموضوع.
معلوم ان الفن بالذات في الفترة الاسلامية قد تحاشى استخدام التصوير أو التمثيل الذي كان سائدا في الفنون التي سبقت الاسلام، ونتيجة لتحريم الاسلام لما سبقه من فنون تعتمد التصوير فقد اتجهت أنظار الفنان المسلم من خلال الفنون التطبيقية التي شاعت كالسيراميك والزخرفة وغيرها إلى اعتماد النسب والعلاقات الهندسية في النماذج الهندسية التي حفلت بها جدران وسقوف المباني التي شكلت الإرث الحضاري في الفترات الاسلامية المتعاقبة.
ولكن برز تساؤل جوهري في الأساس الذي انطلقت منه هذه الزخارف نظرا لغناها وتنوعها، اذ توجهت أنظار الدارسين لتحليل الزخارف نفسها من ناحية لمعرفة الأسس الهندسية التي اشتقت منها، والتي منها مثلا دوران المربع حول نفسه لانتاج المثمن، أو لإعطاء مجموعات لا حصر لها من النماذج التي تختلف شكلا ولوناً.
ومن ناحية أخرى توجهت الكثير من أنظار الدارسين لمعرفة امكانية وجود ربط بين هذه الزخارف وبين نواميس كونية أو «غير حسية» بالمفهوم الذي طرحناه في بداية المقال، ونجم عن ذلك مجموعة من الدراسات من أبرزها الدراسة الذي أجراها Keith Critchlow في تحليل الأنماط الزخرفية في ما يسمى الفن الاسلامي من خلال دراسته التي أسماها Islamic Pattern، والتي تلقي الضوء على تساؤلنا الآخر المتعلق بالمضامين الكامنة من خلال الاشكال الزخرفية. ونكمل في المقال التالي بعون الله.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved