Saturday 21st December,200211041العددالسبت 17 ,شوال 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

إستراتيجيات التصميم المعماري: إستراتيجيات التصميم المعماري:
الشكل مقابل الوظيفة؟ (2)
د. وليد أحمد السيد
دكتوراه نظرية العمارة/جامعة لندن

  تطرقنا في المقال السابق لمنهجيتي التصميم اللتين تشكلان محور التصميم المعماري الذي ينحو إليه معماريو العالم العربي المعاصرين. وذكرنا ان هاتين المنهجيتين- وهما bottom -up التي يمثلها قطب العمارة العربية المعماري حسن فتحي، والثانية top-down ويمثلها علم العمارة المعاصر المعماري راسم بدران - قد يعتورهما القصور عن إدراك العلاقة بين الشكل والوظيفة.
وبكلمات أخرى ان نجاح التصميم بهما مرهون بالقدرة على الانطلاق من خلفية قوية ومتوازنة في ادراك العلاقة بين الشكل وبين الوظيفة. وهذا المقال يتناول بالتحليل أهمية العلاقة بين الشكل والوظيفة وانعكاسهما في التصميم المعماري المعاصر.
فما هي هذه العلاقة؟
مسألة الوظيفة والشكل قد شكلت محور النظريات المعمارية الحديثة في القرن العشرين. إذ انبثقت عن الجدليات التي ارتبطت بها مجموعات من النظريات التي تميل لتغليب أحد طرفي المعادلة، وتتضمن جدلية الشكل والوظيفة في العمارة تلك العلاقة التي تربط التشكيلات المعمارية بالبرنامج المعماري والوظيفة التي ينبغي ان يؤديها المبنى. وتستمد الإشكالية في هذه العلاقة أصولها من فكرة ان العمارة تنتمي للفن التطبيقي الذي يرفد جانبها التشكيلي من ناحية ولمجموعة من العلوم التي تغذي جزءها الوظيفي من الناحية الأخرى، ولذلك فكل الأعمال المعمارية التي يجتهد المعماريون في تقديمها تراوح بين هذين القطبين.
وتسعى - في أحسن الأحوال - لتحقيق توازن بين قطبي المعادلة، وقد تطرق لمفهوم العلاقة بين الشكل وبين الوظيفة ليس فقط النظريين في مجال العمارة انما تهم التطبيقيين بالدرجة الأساسية.
أما المتضرر الأساسي من سوء العلاقة بين الشكل وبين الوظيفة في المباني فهم المستعملون الذين يعيشون هذه النواتج التي قد لا تلبي الاحتياجات الأساسية للعمارة بمفهومها الجيد من تحقيق خصائص المنفعة والوظيفة والجمال التي ذكرها Vitruvius .
ويضيف بعض النظريين في هذا المجال من أمثال Bill Hillier مثلا ان العلاقة بين الشكل والوظيفة من الصعب التطرق لها بإلمام نظرا لطبيعة العمارة ذاتها التي تختلف عن التخصصات الأخرى مثل الإنارة أو الإنشاء أو الصوتيات وهذه تخضع بدرجة كبيرة لقوانين ونظريات علمية بخلاف العمارة التي تنفرد بشق فني كبير الذي يضعها ضمن دائرة الفن التشكيلي، وما هي أبرز النظريات التي بحثت في هذا الموضوع وما هي أبرز المقولات؟
دعونا نلقي نظرة سريعة، ولنستمع من بعض كبار المعماريين العالميين في هذا المجال، وبالذات من لوكوربو زييه وميس فان دروه أولا.
في الحقيقة تبين الدراسة لنظريتي لوكوربوزييه وفان دروه في طبيعة العلاقة بين الشكل وبين الوظيفة تناقضاً واضحاً بين الاثنين، أو لنقل انهما على طرفي نقيض. لوكوربوزييه يعرف العمارة من وجهة نظر تشكيلية، فيما ينظر لها ميسفان دروه من الناحية الوظيفية نافيا التشكيل كعنصر أساسي أو كمعرف لما هيتها.
  لوكوربوزييه عرف العمارة على انها التلاعب الذكي الرائع والجميل بالكتل تحت الضوء، وأن أعيننا مخلوقة لترى الأشكال تحت النور وما ينتج من ظل لها. ولهذا فإن المكعب والمخروط والكرة والهرم وغيرها من الأشكال الهندسية تتميز بذاتها حال سقوط النور عليها.
ولهذا السبب بالذات، فهذه الأشكال التي نستعملها في العمارة هي الأشكال الجميلة تلك هي الأشكال الأكثر جمالا.
وعلى النقيض من مقولة لوكوربوزييه الشهيرة هذه نجد ان ميس فان دروه يعرف العمارة على انها: «التعبير عن الحضارة من خلال الأحيزة الفراغية التي تتضمن الواقع والمتغير، وفيما نرفض إدراك المشكلات المرتبطة بالشكل إنما نميز فقط تلك المرتبطة بالمباني ووظيفتها.
إذ إن الشكل ليس هو الغاية من عمل المعماري، لكنه فقط نتيجة، الشكل بحد ذاته غير موجود اذ ان اقتباس الشكل بذاته هو تشكيل فقط وهو ما نرفض تماما».
وفي الحقيقة فليس الاختلاف بين هذين المفهومين مقتصرا على لوكوربوزييه وميسفان دروه، بل يشمل الكثير من المعماريين الذين يجتهدون في تقديم التعريفات المختلفة كل حسب منظوره وإدراكه لطبيعة العلاقة وكيف ينبغي ان تكون.
ويشمل ذلك معماريين أو منظرين في مجال العمارة الحديثة أمثال Norberg-Schulz أو Charles Jenks و Reynar Banham وغيرهم.
ومن أبرز النظريات الحديثة التي قدمت تفسيرا يمكن نعته بالمعقولية إلى حدما هو ذاك الذي يتقدم به Bill Hillier حيث يرى ان العلاقة بين الشكل والوظيفة يمكن النظر إليها من خلال متغير يدعى Configuration أو علاقة الجزء ضمن الكل.
وبكلمات أخرى تتحدد العلاقة بين التشكيل من خلال النظر بالمفردة التشكيلية ذاتها وعلاقتها بالتشكيل الكلي. ولذلك فإن Hillier يرى التصميم المعماري كعملية Bottom-Up إذ تنبع من الجزء وإدراكه ضمن الكل. وبذا فإن العملية التي يقوم بها بعض المعماريين بفرض شكل كلي ومن ثم «حشر» الفراغات الوظيفية ضمنه - والتي يمكن النظر إليها على انها Top-Down - هي مرفوضة من وجهة نظره. وليست هي الطريقة السليمة لمعالجة عملية التصميم المعماري، ويدعم حجته بقوله ان المفردات المستعملة في التصميم لا تملك قيمة منفردة بذاتها، بل هي تستمد أهميتها من علاقتها بمجاوراتها وبكونها جزءا من المحتوى الكلي الذي يسعى المصمم للتوصل إليه، أو بكلمات أخرى هي مهمة بانتمائها إلى Configuration كلي.
والتساؤل المهم الآن هو: ما هي خصوصية العلاقة بين الشكل وبين الوظيفة في الوعي المعماري العربي المعاصر وكيف تتم ترجمتها وما هو انعكاسها على الناتج؟
من المهم الإشارة، ومن وجهة نظري كمعماري مصمم وكباحث نظري، ان عملية التصميم المعماري التي هي عملية عقلية ذهنية تجمع بين القدرة الإبداعية التخيلية وبين المهارة والخبرة المكتسبة التراكمية، هي عملية مركبة تبدأ بمرحلة تلمسية أشبه ما تكون بالتجربة والخطأ لتلمس بداية الطريق باتجاه حل معادلة تتجمع بها أطراف متعددة ومتناقضات في بعض الأحيان ولذلك فليست هناك من وسيلة لبدء هذه العملية الذهنية الشاقة الا مما يراه المعماري المصمم نفسه وبحسب قدراته وإدراكه وقدرته على التخيل والإبداع.
ولكن من المفيد الاشارة إلى ان هذه العملية قد تبدأ أحيانا من فكرة جزئية وتنمو وتتبلور ككل متكامل. وبكلمات أخرى قد يرى المعماري المصمم ان بداية الطريق قد تكون بإدراك علاقة الفراغات ببعضها من خلال المقطع المعماري أو من نواح تشكيلية بالواجهة المعمارية.
بيد ان ذلك لا يعني البتة ان هذا الجزء هو المهيمن على الناتج النهائي، انما هي شرارة الانطلاق، أو بتصوير فني آخر.
العملية هي أشبه ما تكون بمسح الغبار عن صورة من أية زاوية منها لإدراك ماهية الكل من خلال الجزء.
من هذه الفكرة التمهيدية يمكن القول: ان العملية التصميمية هي معتمدة بالصورة الأساسية على الجزء ولكن ضمن علاقته بالكل لا كمحدد مفروض مسبقاً انما كمعطى نهائي يتكون بالمنطق والمقدمات البدهية التي تتراكم أثناء مرحلية عملية التصميم.
ولذلك فيمكن النظر إلى بعض «الوصفات المعمارية الجاهزة» التي تتمخض عنها عقليات بعض المعماريين العرب المعاصرين على انها تقوقع ضمن الشكل على حساب الوظيفة، أو هي سوء إدراك طبيعة عملية التصميم من ناحية وتغليب الشكل على حساب الوظيفة، أو في بعض الأحيان هي نزوع إلى استعارة مفردات جاهزة من الماضي «بشكلها» لا بمضمونها.
ولأهمية هذا الموضوع نكمل الفكرة في العدد التالي بعون الله.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved