Saturday 28th December,200211048العددالسبت 24 ,شوال 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

الاستعارات التاريخية في منهجيات التصميم المعماري الاستعارات التاريخية في منهجيات التصميم المعماري
د. وليد احمد السيد
معماري/جامعة لندن

  تطرقنا في المقالين السابقين لمفاهيم وأفكار متعلقة بعملية التصميم المعماري المعاصر التي يتبعها معظم المعماريين العرب المعاصرين، وذكرنا ان هذه المنهجيات غالبا ما تتبع إحدى منهجيتين أولاهما تتبنى عملية التصميم من الكلي للجزئي وTop-down، والثانية على النقيض من الأولى تعتمد الجزء كمدخل لتشكيل التصميم الكلي، وهي بذلك تتبع مبدأ Bottom-up، وتتبعنا أبرز المثالب التي قد يقع بها بعض المعماريين ممن ينتمون لهاتين المنهجيتين في الوصول للتصميم المطلوب، وبينا كذلك ان آلية التصميم المعماري هي علاقة جدلية بين الشكل وبين الوظيفة مما تمحورت حوله نظريات العمارة الحديثة في القرن العشرين، وان التوازن بين هذين القطبين هو المسعى الذي يرمي اليه المعماري المصمم كل على طريقته الخاصة، وتطرقنا لبعض الأفكار فيما يخص البداية التي يمكن ان ينطلق منها التصميم، حيث قد يعتمد المعماري مجموعة من الوسائل (الجزئية)لإيجاد فكرة يبدأ بها التصميم، بيد ان هذه الفكرة الجزئية لا ينبغي ان تسيطرعلى الناتج النهائي وهي أبرز عيوب منهجيات بعض المعماريين العرب المعاصرين، اذ يغلب أحيانا لدى بعض المعماريين تبني تفصيلة جزئية يتمحور حولها التصميم النهائي وبحيث يتم (لي أعناق) المفردات أو العناصر الأخرى بالمشروع لتتواءم مع هذه الفكرة الجزئية.
وفي هذا المقال نكمل البحث في الآليات المتبعة في بدء وتطوير التصميم ضمن اطار العمارة العربية المعاصرة، ومن خلال بعض أعمال كبار المعماريين العرب، وتحديدا نتطرق لمفهوم الاستعارات التاريخية التي يلجأ اليها المصممون في بعض مشاريعهم وبالذات في المسابقات العربية والدولية، فما هي هذه الاستعارات؟ وكيف يتم تبرير الرجوع اليها، وما هي شرعية تبنيها أصلا؟
معلوم ان الفكرة المعمارية تشكل عصب التصميم المعماري حيث يلجأ اليها المعماريون كنقطة إسناد مرجعية لواحد أو أكثر من الأسباب التالية: الأول ويتم في حالة استعمال مجموعة من المفردات التي سادت في البيئة التقليدية في مشروع معاصر،ولدعم قوة الفكرة وانعكاسها في المشروع وتأكيد قوة التصميم يعمد المعماري لتبرير استعمال هذه المفردات بتأكيد العلاقة بينها بردها لأصولها التاريخية،وفي غالب الأحيان يلجأ المعماري لتحوير الاستعمال لهذه المفردات لإظهار قدرته على محاكاة الاشكال أو العناصر المستعارة من الماضي بأسلوب معاصر ودون تقليد حرفي، والمعماري بذلك يجتهد في إعطاء الشرعية لمشروعه من خلال تبني هذه المفردات. ومن أبرز هذه العناصر التي تستعمل بكثرة هي الفناء وعناصر مناخية أخرى كالملقف او المشربية أو الدرقاعة أو مواد بنائية أو انشائية أو أنظمة بناء وتخطيط تاريخية، ويستند الى هذه المفردات عادة المعماريون ذوو المنهجيات أو المدارس المعمارية التي تتخذ نمطية أو اتجاها فكريا معينا وذو صلة بالماضي أو بالتراث.
السبب الثاني لاعتماد الفكرة المعمارية في التصميم هو محاولة المعماري تكوين خط قوي يربط عناصر المشروع الواحد بعضها ببعض، والفكرة المعمارية في هذه الحالة تمثل الاطار الذي يتمحور ويتبلور من خلاله المشروع ككل، إذ هي التي تزود أعضاء المشروع (بالشيفرة الوراثية) وتميز المشروع تبعا لقوة الفكرة وحسن تنفيذها. السبب الثالث وهو شكلي تبريري (معكوس) و ليس ذو حجة قوية، ويتم تبنيه من قبل بعض المعماريين لمحاولة تغطية عيوب التصميم باستجلاب فكرة أو مجموعة من الاستعارات من الماضي ومحاولة ايجاد نوع من العلاقة بين هذه المفردات وإقحامها في التصميم المقترح.وهذا النوع من الاستعارات هو الغالب في معظم الأحيان لدى الكثير من المعماريين ويتم عادة (بآلية مقلوبة)، وبمعنى آخر ان النوعين الاولين غالبا ما يصاحبان تطور التصميم، فيما يتم تطبيق النوع الثالث بعد انهاء التصميم وبطريق الرجوع القهقرى أو بالعكس لفرض الفكرة التي قد لا تكون موجودة أو لا تتم قراءتها في التصميم الناتج، والسبب في ذلك واضح إذ ان الفكرة في الحالة الثالثة لم تشكل المنهج لتطوير التصميم بل اصبحت اضافة أو ملصقا للناتج النهائي ويمكن ان تنطبق أو لا تنطبق على التصميم الناتج.
ومن أبرز الحالات التي تسود فيها مثل هذه المنهجيات من النوع الثالث هو المسابقات المعمارية حيث يعمد المعماري الى ملء اللوحات المعمارية بمجموعة من الأفكار أو الاستعارات والفلسفات النظرية التي تنأى بعيدا عن روح وجوهر التصميم المقترح.
أما عن شرعية أو عدم شرعية استعمال مفردات من الماضي فيدخل ذلك في مسائل أخرى متعلقة بمدى فعالية هذه العناصر المستقاة في الحاضر بالإضافة الى مدى وامكانية تطوير وتطويع هذه العناصر لتلائم الحاضر من ناحية وظيفية، ومدى تحوير أشكال هذه المفردات أو العناصر لتناسب احتياجات العصر التشكيلية ومواد البناء المحلية والأنظمة الانشائية المتبعة، ومن هنا فيعيب المنهجيات التي تستند الى استعمال العناصر المستعارة ضمن الفكرة المعمارية بشكل حرفي، ان هذه المنهجيات تركن للموروث بنوع من التسليم أو الاستسلام وبتقليد حرفي بعيدا عن الابداع.
وتشكل عملية الاستعارة العناصرية وتطبيق الفكرة المعمارية أبرز منهجيات المعماريين العرب المعاصرين في محاولة لضبط التصميم ضمن أصول ومرجعيات تحكم العمل المعماري من ناحية وتبين القدرة الابداعية لهؤلاء المعماريين في اظهار الماضي بمفرداته المستعارة والمحورة بحلة جديدة ومن خلال مشروع ذي صبغة وظيفية معاصرة ومما ليس له سابقة في التراث أحيانا. وفيما يركن البعض الى عكس المفردات حرفيا من ناحية الشكل وباستعمال مواد جديدة مثل الوكيل، يعمد بدران والدكتور عبدالحليم ابراهيم أو الجادرجي الى تحوير الشكل والوظيفة في بعض الأحيان مع اعطاء مسحة جمالية من حيث النسب والتناسب كل بحسب قدراته الفنية ومعاييره الخاصة، وبشكل عام تظل الفكرة المعمارية كأساس وانطلاقة للتصميم هي وسيلة المعماري لطرق آلية التصميم الشاقة وكوسيلة لمنهجة عملية التصميم ضمن قواعد يحكمها المنطق والتفكير المنظم الذي يرى الجزء من خلال الكل.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved